بلازا هولندي

في هذا المقهى -الذي تحول فجأة من كوستا إلى كالدي، وكما يستبدل وزير بآخر في وزارة ما، تغير الشعار واللون وطعم القهوة هو نفسه- أجلس كثيراً في اﻵونة اﻷخيرة، حيث أتنقل منه إلى ٣ مقاهي أخرى في مجمع اللاغونا بالدوحة، أقضي ساعات العمل غير محددة العدد مع جهازي المحمول، وكنت قبل أمس الخميس منشغلاً بغير ما ينشغل به الرجال عادة عندما يجلسون وحيدين في المقاهي، لا لا أقصد القراءة طبعاً، فالرجال غالباً ينشغلون بأمور أخرى في المقاهي، تلك التي في المجمعات خاصة، بينما هم خلال ذلك يتشاغلون بالقراءة. أقول كنت منشغلاً بإنهاء اجتماع بدأ قبل خروجي من شقتي، ومن ثم اجتماع آخر، فآخر.

وانتبهت وأنا جالسٌ أسمع فلسفة أحدهم في ثاني الاجتماعات الثلاث، وتفلسف آخر في الاجتماع نفسه، وأثناء استماعي لفلسفة المتفلسفين، انتبهت إلى تكرار مشهد يحدث أمامي، باختلاف تفاصيل بسيطة بين مشهد وآخر، وهي تفاصيل مهمة تجعل من التكرار في عين المنتبه تنوع، بل قصص لا يشبه بعضها بعضاً.. لون الورد، حجمه، وطريقة ترتيبه.

أمامي هناك أحد أشهر محلات الورد في قطر، تأتي فتاة بعبائتها المرتفعة شبراً عن اﻷرض، كحال الفتيات هنا، نصف شبر للكعب طولاً، والنصف الثاني لا دخل لطول الكعب فيه، تقضي عشرة إلى خمسة عشر دقيقة داخل المحل وتخرج بورد في يديها، وتورّد خديها أكثر منه بعد خروجها من المحل قبل دخوله، ربما تتخيل فرحته وهو يستقبله، أو وهو يدس أنفه بين هذه الورود الحمراء الكثيرة.. وتلك الوجنتان.. ويحتار أيهما أشهى عبقاً.

أخرى أكبر سناً منها، تخرج بمجموعة ورود مختلفة اﻷلوان، أهو لتجمع عائلي، أم ﻵخر تستحي أن تصارحه بالأحمر، فتواري ما يعتمل في قلبها بألوان زاهية متنوعة؟

فتاتان جائتا مسرعتان، أخذتا ورداً طويلاً بنفسجي اللون في “فازا” طويلة، يبدو أنه لمريض من أفراد اﻷسرة، قطعاً هو لأحد أفراد اﻷسرة.. أولاُ: فتاتان، ثانياً: لا تورّد في خدودهن رغم أنهن كانتا أجمل من اشترى الورد ذاك اليوم من ذاك المحل، أو ربما من جميع محلات الدوحة! لا تتورّد وجنتا فتاة تشتري ورداً ﻷحد أقاربها، هذه قاعدة كتبتها للتو، أدعيها ومستعد للدفاع عنها.

إحداهن أخذت ورداً أصفراً، حملته بيديها شمّته وهي تمشي إلى باب الخروج من المجمع، ربما هي تحب الورد، تشتريه لنفسها وتضعه في غرفتها، تصوره وتشارك الصورة متابعيها على الانستغرام، حدسي يقول أنه لها. ليس في حركتها، ولا عضلات وجهها أي اضطراب خفي!

يتكرر المشهد، وتختلف التفاصيل، كثير من الورد يعبر هنا، كثيرة هي الحكايات التي تنطلق من هنا، وأنا.. كثيرة كانت اجتماعاتي يومها.

لمواليد التسعينات في البحرين.. دردشة

هذه التدوينة للأحبة في البحرين من مواليد عام ١٩٩٠ وما بعده،

سؤال يتردد (ليش معور راسك بالسياسة؟)، رغم أني، وللأسف، لستُ منخرطاً في عمل جماعي، أو متفانياً في عمل فردي، من أجل قضية أو مسألة من مسائل الشأن العام، إلا أن تغريداتي وتدويناتي هنا وهناك، المُعلِّقة على بعض جوانب هذا الشأن، والتي يمكن تصنيفها ضمن باب “التحلطم” ليس إلا، تستدعي هذا السؤال بين حين وآخر من اﻷصحاب والمتابعين، وقد فكّرت في اﻹجابة مليّاً لاكتشف عدة أسباب تجعلني أهتم، على رأسها رفض الاستحمار وما فيه من إهانة لتلك الكرامة التي منحها لنا الرب منذ خلق آدم، كل استحمارٍ للإنسان أراه في تصريح أو خبر، يرسم أمامي مشهد سجود الملائكة ﻵدم، فأصاب بالاشمئزاز أكثر، فأكتم كثير أسف وغيض، قبل أن أنفس عنه بتغريدة أو منشور.

ليس هذا موضوع التدوينة، ليس تماماً على اﻷقل، فقد أضفت إلى السؤال المشار إليه أعلاه سؤالاً آخر، ليساعدني في عملية بحثي الشخصي عن تحليل أكثر شمولية لهذا الاهتمام، الوجع السخيف، وهو: لماذا الجيل الذي جاء بعدنا مبتعد كل هذا البعد عن الشأن العام، ونادراً ما يلتفت أبناؤه إليه؟! أتكلم عن الحالة العامة ولا أُعمم.

تأسست الجمعيات السياسية، سارعت إلى تشكيل لجان شبابية، سعت إلى نشر أفكارها واستقطاب أكبر عدد من المواطنين، انتماءً أو مناصرة. وكحال بدايات أي حراك، كانت هناك ملاحظات تستوجب النقد والتوجيه، نراها اليوم واضحة إذا ما استرجعنا الذاكرة. اختلفنا كثيراً، وقادنا التعصب في بعض اﻷحيان إلى تصرفات نضحك عليها اليوم، ولكننا بطريقة أو بأخرى، شعرنا جميعاً بأننا مسؤولون، منتمون للوطن فكراً وروحاً، أكثر من انتماء الولاء والطاعة العمياء الرائج اليوم، وقصص التاريخ تُخبر أيهما أجدى وأبقى.

ليس بعد تخرجنا من الجامعة، إنما بعد اختلاف اﻷوضاع، هناك من طلق السياسة، وهناك من اقترب إليها لفهمها أكثر ومن ثم تحقيق بعض المصالح الشخصية، وهناك من انشغل في عمله الخاص، وآخر انقلبت كفه الحمراء المرفوعة دوماً إلى تحية عسكرية (نعم سيدي، حاضر سيدي)، وهذا طبيعي، لكلٍ دربه، وكلٌ ميسرٌ لما خُلقَ له. إلا أننا جميعاً، تفاعلنا مع قضايا الشأن العام، وكان ذاك التفاعل جزء أساسي من تكوين شخصيتنا، وهذا ما تفتقدونه يا أحبة.

صحيحٌ لم يكن لدينا وسائل تواصل اجتماعي لنتفاعل مع اﻷحداث حينها بالزخم الذي نفعل به اليوم، ولكن الفارق كبير بين تفاعل المتفرجين، وحراك من يعيشون اﻷحداث، من كانوا جزءًا من قصة حراك سياسي ومجتمعي غني، من كانوا جزءًا من رواية وطن، كثيفة ومتنوعة، وليسوا وجهة نظر واحدة، مع أو ضد.

هل للتفاعل صورة واحدة؟ أيجب أن يكون سقف الحرية أعلى، كما كان، لنتفاعل؟ ليس هذا موضوع التدوينة، ولكن بما أنه قفز هنا دون استئذان، أقول.. بالطبع لا، تتغير وسائل الحراك من جيل ﻵخر، وفقاً لتغير آلية التعبير والنشر، وبالتالي التأثير. اﻷهم هو أن تكون هناك فكرة ففكرة ففكرة، وأن يكون هناك همٌ أبعد بكثير من الهم الشخصي الضحل.

ربما لم تستغربوا السؤال السخيف الجريء، الذي كان ليُعتبر عصاً في عجلة مشروع جلالة الملك اﻹصلاحي في أيامنا، والذي يستحق طارحهُ عصاً على رأسه، بينما يُطرح اليوم عليكم في مقابلات التوظيف بكل أريحية، كاختبار أخير للتأكد من سلامة عقلكم قبل اجتيازكم المرحلة الأولى من عملية التوظيف (عندك حساب في تويتر؟ وهل لك في السياسة؟).

بين عدم استغرابكم من هذا السؤال، ومدى جرأته ووقاحته يوماً، يكمن جزء كبير من إجابة سؤالي الذي طرحته على نفسي: لماذا أنا أهتم؟

في رثاء العزيز حسن جناحي

مر وقتٌ طويل، طويل جداً، منذ تلك اﻷيام، التي تغيّرت خلالها في وجهي وجوه كثير من اﻷصحاب، ورغم أنها كانت أقرب إليك مني، ورغم قلة التواصل بيننا، إلا أن وجهك أنت لم يتغير، ظل كما هو، تسبقه الابتسامة قبل المصافحة، وتترجم أساريره سلامة روح صاحبه.

خبر معظم الناس حسن أخلاقك وسيرتك، بشاشة وجهك وقلبك اﻷبيض، وأخبرني موقفك ذاك الذي ميّزك عمّن سواك، فوق ذلك، سلامة سريرتك من دقائق الشوائب التي لا تسلم منها، في بعض المواقف، حتى القلوب البيضاء. ظل صافي الود ورحابة اللقاءات رغم قلتها، كانت أخلاقك أكبر من الخوض في حديث لا تراه عينك، وكان قلبك لا يأبه بكلام أحدهم عن أحد، أصمٌ عند اللغو، حيٌّ عند الذكر وطيب الكلم.

مر وقتٌ طويل، كُنتُ أعلم، وكُنتَ تعلم، لم تفتح الموضوع أبداً، لم أفتح الموضوع، ولم أتخيل استرجاعه يوماً، لأنني لم  أتخيل يومٌ فيه ترحل.

رحلت قبل العيد، موعد لقاءنا شبه المؤكد سنوياً، فقدُك أوجعني كما أوجع الكثير، أوجعنا بشدة، ولا يخفف مما نجد سوى عظيم ثناء الناس عليك وحزنهم لرحيلك. لك سعادة أبدية، وﻷهلك ومُحبيك خالص العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

عشر غرف

عزيزي الزائر، عزيزتي الزائرة،

مرحباً بكم في فندق انتركونتننتال الدوحة، أتمنى أن تكونوا بصحة وعافية.

هذه معلومة قد لا تُطلعكم عليها موظفة الاستقبال، وقد تفعل، يعتمد على أسلوبكم في الحديث معها، وعلى مزاجها وقت الحديث مع أي منكم، ولاستخراج المعلومات من موظفات الاستقبال طريقة يتقنها من يزاور الفنادق دائماً، على أن تكون لديه الرغبة في الأساس لاستخراج بعض المعلومات، وصدقوني للرجال دائماً رغبة في استخراج بعض المعلومات من موظفات الاستقبال. حسناً، دعوني أخبركم، عدد الغرف المشغولة حالياً في هذا الفندق الجميل، ذو الإطلالة الساحرة، والمرافق الجميلة الفاخرة، هو عشر غرف فقط، أنا كاتب هذه البطاقة أحدهم.

20200521_020830-COLLAGE

نحنُ في زمن لا نعرف تاليه، وتحسُباً لمفاجئات الطبيعة، وللاجراءات التي قد تتخذها السلطات استجابةً لتلك المفاجئات، قد نجد أنفسنا محبوسين ، نراقب نمو الحشائش من نوافذ غرفنا المطلة على المدينة، وتجول الأغوال في الأنحاء تنتظر من يخرج لتنتقم، من الضروري أن تتعرفوا على من يساكنكم هذا المكان، ولا تستغربوا إن بادر من سبقكم إلى هنا (مرحبا، أنا أماندا، من بريطانيا وأعمل في الدوحة منذ 6 سنوات، غرفتي رقم 123، لدي الكثير من القصص للمشاركة، أراكم على خير).

ملاحظة: إذا كنت تجيد أو تجيدين العزف على أي آلة موسيقية، الرجاء إحضارها معك، سنحتاجها في مقاومتنا وليالي صمودنا معاً.

أغلقوا باب الفندق بعد دخولكم. تمنياتي لكم بإقامة سعيدة.

أحمد، غرفة رقم 999

20200521_020949

فكرة لـ #فريق_البحرين الاقتصادي

تلوح في الأفق أزمة اقتصادية، لن أقول بسبب جائحة كورونا، فهذا خلل في التعليل وتبسيط في الطرح، في الحالة الخليجية على الأقل، ولكن بإمكاننا القول بأن كورونا سرّعت من “مشوار” اختارته بعض الدول بشيء من اطمئنان، لأن نهايته المنطقية كانت تبدو بعيدة، وطبيعة الإنسان للأسف لا يخشى المستقبل البعيد كثيراً، ولا ينتبه إلى خياراته ويحرص على اختبارها، إلا متأخراً في معظم الأحيان.

أريد أن أتقدم برسالتي هذه إلى فريق البحرين الاقتصادي وقيادته، مقترحاً فكرة، ولكن قبلها يجب أن لا أقفز على نقطة مهمة، الوجه الثاني من “روبية” الاقتصاد، السياسة أعني.

عند اتخاذ أي إجراءات اقتصادية، أو البدء في تنفيذ أي خطة، سيصمت عموم الناس ما دامت الأرقام لا تزال بعيدة عن جيوبهم وعن نمط حياتهم وقدرتهم الشرائية، ولكن كلما اقتربت الإجراءات من دائرتهم الشخصية، فمن الطبيعي أن يبدأوا في السؤال عن مدى ملائمة الخطط، وعن أوجه صرف المال العام، ومدى نجاح آليات الرقابة المعمول بها، وطرح السؤال (من أين له هذا؟) بصوت أعلى بعد أن كان همساً في المجالس والأحاديث الجانبية، وهذا حقهم. أقول ذلك لأن هناك بعض الكُتّاب استبقوا أي ردة فعل بالحديث عن “التنبؤ باحتجاجات قادمة” و”رصد تحركات مشبوهة” وغيرها من كليشيهات تعرفونها، ليُرهبوا الناس من الحديث في الشأن العام باسم قطع الطريق أمام “المخربين أصحاب الأجندات”. ليس هذا موضوع رسالتي ولكن باختصار، عملية الإصلاح السياسي وقتها أمس واليوم وغداً وفي كل حين، بل تتأكد خلال الأزمات، الاقتصادية خاصة، إن الإصلاح السياسي، بغض النظر عن شكله ومضمونه، عن تشعبه ومحدوديته، هو كعملية التغذية الراجعة لأي نظام، تساعد على تطويره وتقويته واستدامته، ومن يقف أمام هذه العملية بأي حجة كانت، فهو لا يريد خيراً لا للنظام نفسه ولا للوطن ولا لأبنائه. 

لقد مر وقت طويل منذ إعلان رؤية البحرين 2030 -لم أجدها هنا-، ولا أذكر أنه منذ ذلك الحين جرت مداولات مفتوحة مع المجتمع المدني، تُعطي المواطنين مزيداً من الراحة والأمان، للتعبير عن هواجسهم الاقتصادية، وفي الأزمات تتأكد أهمية السماع قدر الإمكان لأبناء البلد، وإشراكهم قبل توصيات المؤسسات الدولية من بنوك وبيوت خبرة، في رسم الرؤية والمعالجات الاقتصادية، ليس فقط لضمان فاعلية أكبر في التنفيذ، وإنما مخرجات “العصف الذهني الوطني” يُنتج بلا شك أفكاراً وحلول. ولدى البحرين أثمن عنصر في المعادلة الاقتصادية، ليس الألمونيوم، ولا النفط، وبالتأكيد ليس المساعدات الخليجية، والتي لا نعلم إلى متى ستستمر، إنما المواطن المؤهل، الذي أحسنت الحكومة الاستثمار فيه، تعليماً، وتطويراً، وصحة. 

الفكـرة

تشكيل فريق عمل، يتفرغ تحت مظلة أي وزارة أو هيئة معنية بالاقتصاد، مهمته مساعدة العلامات التجارية البحرينية المناسبة للتوسع إقليمياً وعالمياً، لدينا عدد من العلامات التجارية في مختلف القطاعات، أهمها: المطاعم والمأكولات السريعة، المجوهرات، الأزياء، الفنون، المقاهي، وغيرها. بإمكان هذه العلامات إذا ما حصلت على دعم قوي مسنود بقرار سياسي، أن تتوسع وتكون مصدر من مصادر الدخل الوطني، وسوقاً يستوعب أعداد الخريجين المتزايد.

الخدمات التي بإمكان هذه المبادرة تقديمها: الدعم الفني، الخدمات المحاسبية، القانونية، الإعلامية والعلاقات العامة، وخدمات التمويل منخفض الضرائب، أو بدونها، بالإضافة إلى تسخير سفارات الدولة لتوفير كل الخدمات الممكنة لدراسة السوق في العواصم التي تتواجد فيها، وتشبيك هذا الفريق مع المسؤولين هناك (دعم دبلوماسي) لتيسير الحصول على التراخيص المطلوبة. في المقابل تُوظف هذه العلامات البحرينيين، وتدفع نسبة ضريبة عالية على الأرباح.

أقترح أن يتم جرد العلامات التجارية المتميزة، وتصنيفها، ودراستها، ودراسة الأسواق المستهدفة لكل علامة، ومن ثم التشاور مع أصحابها، والتفاوض معهم. ومن الأفضل، عدم الإعلان عن مبادرة من هذا النوع، فهي ليست عملاً خيرياً، أو حملة علاقات عامة لتلميع الصورة، بل خطط وجهود دؤوبة تعمل بصمت وترنو للإنجاز والإنجاز فقط. عمل مثل هذا أنجع للاقتصاد في رأيي من التركيز على التعاقد مع شركات أجنبية لتفتح فروعاً في البحرين مستغلة كثير من التسهيلات.

هذه خربشات فكرة، تحتاج لمن يهمه الأمر أن يرعاها بالنظر والدراسة، وفكرة أخرى، الإعلان عن فتح باب المشاركة للجميع، ليدلو بدلوهم، الاقتصاد بحاجة إلى أفكار، فكيف إذا ما صار تحدياً وطنياً! وأغلب الشركات صاحبة الميزانيات الضخمة اليوم، لم تخرج من عقول فطاحلة الاقتصاد النظري، أو كبار المصرفيين، إنما كانت أفكار أناس عاديين، تحولت إلى قوة اقتصادية.

بعد أن تكلمت عن هذه الفكرة في الانستغرام، أخبرني أحدهم عن شيء مشابه تقدمه تمكين، ولكن بعد أن بحثت قليلاً، رأيت أن الفكرة التي طرحتها تتكلم عن مستوى آخر، بإمكان تمكين تحقيقه إذا ما وُجد القرار السياسي.

المواطنة في تيارات الخليج

لا أدري كيف أشرح التباس مفهومي الوطن والمواطنة في مخيلتي، كَشَفَ هذا الالتباس عن نفسه منذ زمن ليس بقصير، ربما منذ ممارستي للعمل الطلابي من خلال مجلس الطلبة، التجربة التي فتحت لي باب “الشأن العام” على مصراعيه، أو بعد ذلك مباشرة، حين انتقلت إلى دكّة المتفرج خارج اللعبة، فغدت الصورة أوضح. ولكن الأمر لم يعد التباساً بقدر ما صار أشبه بالفوضى مع انكشاف المنظومة الأخلاقية “الحقيقية” خلال الأزمة الخليجية. وقد تلمست هذه الفوضى، فوضى مفهومي الوطن والمواطنة، في حوارات متفرقة هناك وهناك.

سألني: ماذا يعني لك الوطن؟ سؤال لم يفاجئني، فقد شغل بالي كثيراً، ولكني أشعر بأني لا زلت قاصراً عن الإلمام بالإجابة النموذجية، لا من حيث صوابها من خطئها، بل من حيث تعبيرها عن شعوري، لذلك كلمة “وطن” في رأيي الشخصي هي أكثر كلمة ذات شجون، معجونة بالمعاني، الذكريات، والمشاعر. ولكن لا بد من الإجابة:

الوطن كلمة تدل على كثير أشياء، معاني مركبة،

فالوطن باعتباره أرض ومكان، لا شك بأن القلب يهفو له، ويحن إليه.

الوطن باعتباره أهل وأصدقاء وخلان، فدونهم الروح.

الوطن باعتباره نظاماً سياسياً، فمكانته بقدر شعوري بأنه يحفظ كرامتي، وبأني مساوٍ للمواطنين الآخرين، بقدر ما أكون فيه رقماً حقيقياً في اعتباراته وحساباته.

واصلت استطرادي: ماذا أنا وأنت في معادلة الوطن باعتباره نظاماً سياسياً؟

تسعى الأنظمة عموماً إلى خلط هذه المكونات بعضها ببعض، تراه بوضوح في الخطابات أو المقالات العاطفية، والمناسبات والأغاني الوطنية. وهذا خلط متعمد، حتى بات طبيعياً أن يُقدح في “وطنية” أي شخص ينتقد نظاماً سياسياً، في الوقت نفسه يُقدم على منابر “الوطنية” من فاحت رائحة فساده!

2019

هذه مجرد مقدمة لأوضح سبب إعجابي بهذا الكتاب الذي أود تناوله معكم هنا، وهو مجموعة من الأوراق لعدد من الباحثين الخليجيين المتميزين، وهذا وصف الناشر (مركز دراسات الوحدة العربية):

يركز هذا الإصدار على المواطنة بوصفها مفتاح الخلل السياسي المزمن الذي يواجه دول مجلس التعاون، المتمثل بحكم مطلق ينحصر في قلة قليلة من محتكري السلطة في مقابل ضيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. والأدبيات التي تتناول المواطنة في الخليج نادرة إجمالاً، والأندر منها هو ما يتناول المواطنة كمفهوم وممارسة بين النخب والتيارات السياسية والاجتماعية في بلدان مجلس التعاون. فعادة ما ينصبّ التركيز على الأنظمة الحاكمة، وهذا أمر منطقي، إلا أنه يبقى ضرورياً أيضاً التطرق إلى تعاطي التيارات السياسية والنخب والمواطنين عموماً مع المواطنة كمفهوم وممارسة.

ما هي المواطنة، وماذا تعني في سياق بلدان مجلس التعاون؟ ما هي طبيعة الحكم في المنطقة، وكيف تطور تاريخياً؟ وما هو دور المواطنة فيه؟ في المقابل، ما هو دور المواطنة في فكر ومنهج الحركات والنخب السياسية في الخليج، الإسلامية منها والوطنية؟ وكيف يتعاطى المجتمع المدني بتجلياته المختلفة مع المواطنة؟ هذه هي الأسئلة التي يتمحور حولها محتوى هذا العمل.

اقتباسات من الكتاب:

“بقي الثالوث الخليجي: الأنظمة، والحركات المدنية، والحركات الإسلاموية، بعيداً من مفاهيم «المواطنة»، ذلك بأن من مفاهيم المواطنة حقوق التجمّع، وتكوين الأطر والهيئات التي تنظم الجمهور، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، وهذا ما ليس متوافقاً مع أنماط الحكم القائمة على السيطرة الكاملة من الأسر الحاكمة على مفاصل الحكم، وعدم السماح بقيام المؤسسات والمنظمات التي تمثِّل إزعاجاً لها. ولم تكن المواطنة ضمن أولويات الحركات المدنية، نظراً إلى ما تقدم من تفسيرات للأفكار الآتية من البلدان والمجتمعات العربية التي لم تكن تفسح للفردية مكاناً لائقاً. في حين أن التنظيمات الإسلاموية لم تكن مستعدة للمناقشة في أمور مثل حقوق المرأة، وحقوق الأقليات، والتعايش… إلخ”.

“حين نهتم بالمكان نحن نهتم ببعضنا البعض وبناء العلاقات بين الناس يصبح سهـلاً لأننا لا نناقش الـ أنا والـ أنت، بل نناقش هذا المكان – القاسم المشترك – الذي يجمعنا جميعاً”.

“تحمل الإشارة إلى مفهوم الأبوة دلالات كثيرة بالنسبة إلى الدولة الخليجية بعامة وسلطنة عمان بخاصة. أولاً، لكون مفهوم الأبوة يخلق بالضرورة علاقة غير سوية بين الحاكم والمحكوم، حيث يُصوَّر الحاكم كبالغ وراشد يتحمل مسؤولية تربية رعاياه وحمايتهم، بينما المحكوم (المواطن) يظل قاصراً يدين للحاكم بكل ما يملكه من نِعَم، وهو مفهوم بالتأكيد لا يؤسس لعلاقة قائمة على أساس المواطنة”.

“فمن دون المشاركة الشعبية الفعالة في اتخاذ القرار، لن يكون بالإمكان التطرق إلى الخلل الإنتاجي المتمثل بالاعتمادية المتصاعدة على مورد ناضب يستغل بنحو غير مستدام، ولا التطرق إلى الخلل السكاني المتفاقم الذي حوّل من يقطن المنطقة إلى سكان تنقصهم حقوق المواطنة، ولا تدارك الخلل الأمني من الاتكالية المتواصلة على القوى الغربية كالعراب الأخير للحماية، وستبقى الديمقراطية والتنمية والوحدة أهدافاً بعيدة المنال‏”.

“من المهم أن تحرص أي كتلة على ثلاثة شروط أساسية كحد أدنى: الأول هو الاتفاق على أهداف واضحة ومحددة تمثل أساس المطالب التي يتم التوافق عليها، وأن يكون جوهرها هو تفعيل المواطنة الحقة عبر الديمقراطية. وثانياً، على الكتلة أن تشمل أوسع طيف من التيارات المختلفة التي تؤمن وتهدف إلى هذا المطلب. أما ثالثاً، وربما هو الأهم، فقد بات من الملح أن يكون العمل على مستوى دول مجلس التعاون ككل، مع فهم والتطرق إلى خصوصية كل من أقطاره على حدة. فما يحصل في الكويت يؤثر في السعودية، وما يستجد في السعودية ينعكس على قطر، ولا يمكن لأي إصلاح حقيقي أن يتجذر إلا إذا انتشر على مستوى الخليج ككل، بحيث يتكاتف الناس حول مبدأ المواطنة، كما تكاتفت الأنظمة حول الحكم المطلق. فما من مفر من وحدة المصير، وحريّ بنا أن نمحور هذا المصير حول المواطنة”.

“ويبدو أن التحدي الأكبر سيكون بناء «كتلة تاريخية» من الأطياف والتيارات السياسية والمجتمعية المختلفة التي تعمل نحو هذا الهدف”.

بإمكانكم الاطلاع على محتوايت الكتاب أو تحميله من خلال هذه الصفحة. كما أنه متوفر أيضا على كيندل.

سحور

أيقظت صورة نشرتها صديقة ذكريات قديمة، حيثُ كان أبي قبل أذان الفجر بما يكفي المستعجلين، ينزل إلى المطبخ بعد أن يتأكد من استيقاظي، يحضّر شاي الحليب بطريقته، يسخن الحليب الطازج، ثم يضيف إليه الشاي، يشخله في كوبه، وكوبِ آخر لي، وثالث لأختي إن استيقظت، ثم يضيف العسل بدل السكر.

أثناء ذلك أكون قد وصلت إلى طاولة الطعام، بعد أن أخذت علبة الكورن فليكس وملأت الإناء الذي حضره لي قبل وصولي، وصببت عليه الحليب البارد. أتصور أن عجلة السحور هي التي علمتني أكل الكورن فليكس مع الحليب البارد، قبلها كنت أفضله مع شاي الحليب الساخن! يحضّر لنا سندويشاً، نأكل ونشرب، وأحاول بعدها أكل موزة فوق ذلك، وثلاث تمرات! بعدها ننطلق، هو وأنا، إلى المسجد.

أسعد إذا تأخرنا قليلاً فنضطر للذهاب بالسيارة بدلاً من المشي، لأن هذا يعني عودة أسرع، ودقائق نوم أكثر بقليل قبل الاستيقاظ مرة أخرى للمدرسة، ويعني أيضاً، ربما يسمح لي أبي بالقيادة في العودة، فالشوارع خالية، والمسافة تكفيها نقلة واحدة لناقل السرعة من 1 إلى 2.. وأحياناً أتجرأ فأصل إلى رقم 3.

لم تعد بجانبي يا أبي ممسكاً بمكبح السيارة لترفعه إذا ما حدت عن الطريق. ياما تفلّتت مني السيارة، فأوقفتها، وسيتفلّت مني العمر، دون أن تتمكن من إيقافه، ولكنك ربيتني على الطريق..
أن أكون دائماً، ذاهباً إلى، أو راجعاً من، صلاة..
طريقٌ أنقذني ولا زال رغم كل العثرات.

عودة للدراجة

صاحب ظل الأنف الطويل. لا. صاحب الظل الطويل للأنف الطويل. في بهو الفندق الذي بات صالة بيتي تقريباً، حيث لا يشاركني فيه أحد أغلب الأوقات سوى بعض الموظفين، نزلت من الغرفة لأكافئ نفسي بقطعة إكلير على نكهة الفستق اشتريتها من مونوبري، قهوتي في الطريق، اكتشفت قبل أن افتح العلبة بأن حضرة المونوبري حاسبني 99 ريالاً ثمناً لهذا الإكلير الذي لا يبدو أنه سيموت من “اللذاذة”، وبعد مراجعة الرصيد، كان الثمن لكعكة شوكولاتة كاملة! حسناً، سأرجع لمونوبري مرة ثانية لأسترد نقودي، وهذا يعني أن المكافأة ستقتصر على كوب اللاتيه، ولا بأس في ذلك.

دخلت فتاة بكامل زينتها، ماذا يعني كامل زينتها؟ دخلت عبر الباب الدوّار، وضعت حقيبتها في جهاز الأشعة، حملقت في وجهي قليلاً بينما يأخذ البوّاب درجة حرارتها، وحملقتُ في وجهها قليلاً. ماذا يفعل هذا هنا؟ ماذا تفعل هذه هنا؟ سمع كلٌ منا سؤال الآخر نظراً للهدوء الطاغي بالمكان، رغم أننا لم نتفوه بكلمة. ذهبت لطابق تعلمه ولا أعلمه. غرفة تعرف رقمها جيداً، ولا أملك ترف تخمينه. وصل كوب القهوة، المكافأة.

مكافأة على ماذا؟ بدأت تمرين الدراجة داخل الغرفة اليوم، وحسب معلومات ساعتي، فإن آخر مرة مارست فيها رياضة الدراجة، الرياضة التي كنت أعشقها، ولا زلت أعشقها دون وصلٍ، كانت بتاريخ 25 سبتمبر 2017! ربما هناك مرة وحيدة بعدها لم تسجلها ساعتي، ولكن لا أكثر من ذلك. أليس حدثاً يستحق الاحتفاء والتكريم؟

تجوّلتُ افتراضياً في لندن، مُدشِّناً أول تجربة رسمية لي على برنامج زويفت. وأرجو أن أقطع مسافات طويلة خلال هذه الفترة، علّ علاقتنا، أنا والدراجة، تعود إلى سابق عهدها، حب وممارسة. هذا فقط ما لدي اليوم.

strava3725418867995063470

أمر أخير، تشذيب اللحية، عمل منزلي، هذا أيضاً يستحق الإشادة. وشكراً.

20200328_214525 (1)

الإنجاز في زمن الكورونا

هل تشعر بشيء من الذنب لأنك لم تنجز الكثير خلال فترة عزلتك هذه؟!

لا عليك، هذا الشعور ليس لأنك مُقصّر أو فاشل في استغلال وقتك، ولكن لأن هناك من أخبرك، بشيء من الاستعباط غير المقصود غالباً، بأن هذا الوقت هو الأمثل لإنجاز الكثير، والتفرغ لأشياء لم تكن تملك لها وقتاً، أو لم تخصص لها وقتاً، خلال أيامك الطبيعية التي غادرتها مُرغما قبل أسابيع قليلة. ولكن من قال أن المسألة مسألة “وقت” فقط؟!

تمر البشرية اليوم بفترة تاريخية غير عادية أبداً، تستحق كل التشتت، القلق، والغبش الذي تشعر به. آثار هذه الجائحة لم تقتصر على الجانب الصحي، بل تمددت ظلالها على جميع حقول حياتنا، الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية. هذه التداعيات ستؤثر حتماً في حياتك تأثيراً مباشراً، قد يكون عنيفاً، فمن الطبيعي أن تفقد السيطرة وحدة التركيز لوقت يقصر أو يطول. إنها مرحلة الاجتهاد قدر الإمكان للخروج بأقل الأضرار الممكنة، بعد الحفاظ على الحياة والصحة، وليس وقتاً لاكتساب عادات جديدة، غير تلك التي تُجبَر على اكتسابها، كامتناعك عن تقبيل من تحب، أو الجلوس في مقهىً يضج بحكي روّاده.

هناك بطبيعة الحال أناسٌ خارقون، ستجد يوميات عزلتهم مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، مليئة بالإنجازات. هل أنت خارق؟ أشك. الأغلب أنك طبيعي، فلا تبتئس بمستوى انتاجيتك هذه الفترة، ولا تتحمس كثيراً بكتابة قائمة طويلة من الأهداف والمهام لإنجازها خلال الأسابيع القادمة، فتضيف عبء التزامك بها على أعبائك النفسية المتوقعة والطبيعية في مثل هذه الظروف.

رغم ذلك، لا تغرق في القلق، واحذر من الاكتئاب، فهو عادةً لا يأتي فجأة. تشاغل بكتب خفيفة إذا رأيت بأن الثقيلة أصبحت أعسر هضماً، انغمس في أحداث مسلسل، دردش مع أصدقائك بمكالمة فيديو، وبالمناسبة ألعاب الفيديو.. ليست للصغار فقط. إذا شعرت بأنك بدأت تفقد السيطرة فعلاً، فامتنع قدر الإمكان عن متابعة آخر أخبار الفيروس، أعداد المتوفين والإصابات الجديدة، رغماً أن بواكير التحولات التي يشهدها العالم جديرة بالمتابعة.

ولا تنس.. ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

حول المسألة اليهودية

بقلم الصديق الفاضل بسام مال الله:

كتيب للمفكر والفيلسوف الألماني كارل ماركس صدر في سنة 1843 بالألمانية وقد نقلته إلى العربية باقتدار الدكتورة نائلة الصالحي.

يتناول ماركس في مؤلفه هذا ابتداء مسألة مطالب الجاليات اليهودية في القرنين الثامن والتاسع عشر في أوروبا بشكل عام ومملكة ألمانيا بشكل خاص بالتحرر لنيل الحقوق السياسية الاعتبارية أسوة بالمواطنين من المسيحيين ذوي الإمتياز في دول أوروبا المسيحية، ومدى جدوى ذلك المطلب في ظل عدم انعتاق اليهودي ذاته من قيود ديانته وعزلته المجتمعية وتكريس الفردانية التي فرضها على نفسه، فاليهودي بحسب ماركس وباور يريد أن يتحرر بخصوصيته كيهودي لا كإنسان ومواطن متساوي في الحقوق والوجبات في مجتمع حتى المسيحي فيه لم يكن متحررا بشكل كامل كإنسان، وقد ألمح ماركس أنه في حال نيل اليهودي تحرره الظاهري الموهوم دون انعتاقه من موروثه العقائدي فإنه سيعيد إنشاء ذات النموذج الذي ينتقده ويطالب بالتحرر منه وهو ما تحقق فعلا في سنة 1948 حين اُحْتُلَت فلسطين وأقام الصهاينة اليهود فيها دولة القومية اليهودية التي يحتكر فيها “المواطنون” اليهود أغلب الإمتيازات مقابل إضطهاد المواطنين والسكان المقيمين من الفئات والقوميات الأخرى.

وقد عرج في ذات السياق الى تعريف ماهية التحرر السياسي -والذي يشكل نواة الدولة العلمانية- القائم على عزل أثر الدين عن المجال السياسي للدولة دون أن يعني ذلك إلغائه في مجال الأفراد الخاص، ورغم إشادته بهذه الخطوة الا أنه يشير إلى أنه تحرر جزئي وقد استشهد بنموذجي التحرر السياسي الفرنسي و الأمريكي وحقيقة أنها كانت – ولازالت- قائمة على وتروج للفردانية الأنانية (أن الفرد هو الغاية والمركز)، بدل النموذج الجمعي الأممي حيث الفرد يشكل جزء من كل، جزء من تجربة تطور مجتمعية -والتي سيأتى ماركس على ذكرها في مؤلفاته الأخرى ضمن اطار الفكر الشيوعي- وقد رأي أن كل من النموذجين الفرنسي والأمريكي ما هما إلا تجسيد في حقيقتهما لخصائص ومصالح المجتمع البرجوازي الذي صاغ بدوره إعلان حقوق الإنسان الأول في القرن الثامن عشر بما يتلائم مع قيمه، قيم الفردانية.

وينهي ماركس طرحه بوصف دقيق لوظيفية اليهودي في المجتمع الأوروبي والأمريكي التي تمثلها عقيدته الدنيويه “التجارة” وإلهه “المال” الذي يسعى الى احتكار أسواقه ومصارفه ما أمكنه، وتوظيفها لترسيخ نفوذ مجتمعها الضيق ومصالحه الأمر الذي سمح لليهود بمتلاك التأثير والنفوذ الأوسع رغم عدم نيلهم كافة الحقوق السياسية، وبرأي ماركس فإن تلك الوظيفة الدنيوية التي تمثلت نموذج سيادة الملكية الفردية والمال الخاص ببرجوازية اليهود الرأسمالية هو ما إنساقت خلفه المجتمعات الأوربية والأمريكية الشمالية واصطبغت به، فانتصرت بذلك عملياتية اليهود على الترفع المسيحي الروحاني وارتدت بذلك المسيحية الى اليهودية، التي انتجت نموذجا يتنكر للطبيعة ودور الإنسان المتسق مع مجتمعه في تحقيق قدره كقائد لهذا العالم.

المسألة اليهودية

إقتباسات:

“وعلى العكس يقف ما يسمى بالدولة المسيحية* موقفا سياسيا ازاء الدين ودينيا إزاء السياسة. وحيت تحط هذه الدولة من الأشكال السياسية ظاهريا فإنها تحط ظاهريا من الدين بنفس القدر”.

“حقوق الإنسان ليست منحة من الطبيعة، وليست صداق التاريخ المنصرم وإنما هي ثمن الكفاح ضد صدفة الميلاد وضد الإمتيازات التي أورثها التاريخ من جيل إلى جيل حتى الآن. وهي نتيجة للتعليم ولا يستطيع أن يمتلكها إلا من إكتسبها وإستحقها”.

“التحرر السياسي هو في نفس الوقت إنحلال المجتمع القديم الذي يستند إليه كيان الدولة الغريب عن الشعب. سلطة الحكام”.

“لقد بلغت سلطة اليهودية على العالم المسيحي في أمريكا الشمالية التعبير الطبيعي الذي لا لبس فيه حتى أن التبشير بالإنجيل نفسه ووظيفة التبشير المسيحي أصبحا بضاعة يتاجر بها، والتاجر المفلس في الإنجيل يفعل ما يفعله الإنجيلي الذي أصبح ثريا في التجارة”.