بلازا هولندي

في هذا المقهى -الذي تحول فجأة من كوستا إلى كالدي، وكما يستبدل وزير بآخر في وزارة ما، تغير الشعار واللون وطعم القهوة هو نفسه- أجلس كثيراً في اﻵونة اﻷخيرة، حيث أتنقل منه إلى ٣ مقاهي أخرى في مجمع اللاغونا بالدوحة، أقضي ساعات العمل غير محددة العدد مع جهازي المحمول، وكنت قبل أمس الخميس منشغلاً بغير ما ينشغل به الرجال عادة عندما يجلسون وحيدين في المقاهي، لا لا أقصد القراءة طبعاً، فالرجال غالباً ينشغلون بأمور أخرى في المقاهي، تلك التي في المجمعات خاصة، بينما هم خلال ذلك يتشاغلون بالقراءة. أقول كنت منشغلاً بإنهاء اجتماع بدأ قبل خروجي من شقتي، ومن ثم اجتماع آخر، فآخر.

وانتبهت وأنا جالسٌ أسمع فلسفة أحدهم في ثاني الاجتماعات الثلاث، وتفلسف آخر في الاجتماع نفسه، وأثناء استماعي لفلسفة المتفلسفين، انتبهت إلى تكرار مشهد يحدث أمامي، باختلاف تفاصيل بسيطة بين مشهد وآخر، وهي تفاصيل مهمة تجعل من التكرار في عين المنتبه تنوع، بل قصص لا يشبه بعضها بعضاً.. لون الورد، حجمه، وطريقة ترتيبه.

أمامي هناك أحد أشهر محلات الورد في قطر، تأتي فتاة بعبائتها المرتفعة شبراً عن اﻷرض، كحال الفتيات هنا، نصف شبر للكعب طولاً، والنصف الثاني لا دخل لطول الكعب فيه، تقضي عشرة إلى خمسة عشر دقيقة داخل المحل وتخرج بورد في يديها، وتورّد خديها أكثر منه بعد خروجها من المحل قبل دخوله، ربما تتخيل فرحته وهو يستقبله، أو وهو يدس أنفه بين هذه الورود الحمراء الكثيرة.. وتلك الوجنتان.. ويحتار أيهما أشهى عبقاً.

أخرى أكبر سناً منها، تخرج بمجموعة ورود مختلفة اﻷلوان، أهو لتجمع عائلي، أم ﻵخر تستحي أن تصارحه بالأحمر، فتواري ما يعتمل في قلبها بألوان زاهية متنوعة؟

فتاتان جائتا مسرعتان، أخذتا ورداً طويلاً بنفسجي اللون في “فازا” طويلة، يبدو أنه لمريض من أفراد اﻷسرة، قطعاً هو لأحد أفراد اﻷسرة.. أولاُ: فتاتان، ثانياً: لا تورّد في خدودهن رغم أنهن كانتا أجمل من اشترى الورد ذاك اليوم من ذاك المحل، أو ربما من جميع محلات الدوحة! لا تتورّد وجنتا فتاة تشتري ورداً ﻷحد أقاربها، هذه قاعدة كتبتها للتو، أدعيها ومستعد للدفاع عنها.

إحداهن أخذت ورداً أصفراً، حملته بيديها شمّته وهي تمشي إلى باب الخروج من المجمع، ربما هي تحب الورد، تشتريه لنفسها وتضعه في غرفتها، تصوره وتشارك الصورة متابعيها على الانستغرام، حدسي يقول أنه لها. ليس في حركتها، ولا عضلات وجهها أي اضطراب خفي!

يتكرر المشهد، وتختلف التفاصيل، كثير من الورد يعبر هنا، كثيرة هي الحكايات التي تنطلق من هنا، وأنا.. كثيرة كانت اجتماعاتي يومها.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

اترك رد