لوحة مفاتيح جهازك القديم

ماذا لو كانت أزرة لوحة مفاتيح جهازك القديم جداً تنطق؟
هل ستُقبّل أطراف أصابعك شوقاً ولهفةً بعد طول غياب؟
أم أنها ستنتظر إيقاع خطواتها عليها، لتقرأ روحك قبل أن تحدد: أتستقبلك استقبال المشتاقين أم تواصل عملها الآلي بجمود، لأنك لست أنت، أو لم تعد كذلك.
هل تقرأنا لوحة مفاتيح أجهزتنا؟
هل تكتشف اخضرار روحنا أو تصحرها بما نكتب؟

قد يفعل ذلك الذكاء الصناعي قريباً، وستخاطبنا أجهزتنا بعد استخدامها بعض الوقت: (مرحباً أحمد، لماذا كل هذا الحزن؟) (أسلوبك القديم أجمل، لا تقلق هذا بسبب انقطاعك عن الكتابة، استمر وستندهش بالنص لاحقاً!) (توقف هنا وراجع رسالتك مرة أخرى غداً قبل إرسالها. حاول أن تمارس رياضة قليلاً!).

نجح باحثون، وبنسبة عالية من الدقة، في تحديد مزاج عدد من مستخدمي الجوال، وذلك من خلال طبيعة تفاعلهم مع البرامج المثبتة فيه، لذا الأمر بقدر ما هو فانتازي حقيقي.

في الصورة لوحة مفاتيح جهازي القديم.. أثارت هذه الشجون.

لا توجد عاصفة.. الأمور بخير

ربما كان هذا جواب أبطال غسان كنفاني في “رجال في الشمس” على السؤال الذي جاء بعد أجلهم، ورددت الصحراءُ صداه:

لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟
لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟

لا توجد عاصفة.. الأمور بخير
لا توجد عاصفة.. الأمور بخير

كان يلازمه استغرابه من الناس.. كيف لا يشعرون؟!
أيجب أن تعصف بهم الريح كما عصفت به حتى يُلقوا لها بالاً. مُستغربٌ إلى أن نظرَ إلى نفسه بتمعُّن،
كانت عينه مصابة، ذراتُ غبارٍ حمّرتها لأيام،
كانت العاصفة في عينه. لم يكن هو في عينها!
هكذا متصالحاً مع واقعه اعتقد.
فقام يردد.. لا توجد عاصفة.. الأمور بخير
لا توجد عاصفة.. الأمور بخير

لم يعد التحدي استلام الجريدة بأقل قطرات مطر ممكنة

كان أبي يُجهّز الروبية “100 فلس”، وثم صارت روبيتين، قبل أن ينطلق بسيارته التويوتا البيضاء ذات ناقل السرعات اليدوي، ليوصلني إلى المدرسة في مشوارٍ صباحي لمدة 12 عام، طيلة المراحل الابتدائية، الاعدادية، والثانوية، وعند هذه الإشارة تحديداً التي صار اسمها “إشارة جسميز عراد”، كُنت أفتح النافذة، يدوياً أيضاً، بسرعة لألحق أن أعطي العامل الفلوس ويعطيني جريدة اليوم بسرعة قبل الضوأ الأخضر. كان التحدي في الأيام الماطرة، ألا يدخل الكثير من المطر عبر النافذة، وألا تتبلل الجريدة قدر المستطاع! 

كنت أقرأ العناوين الرئيسية أيام قبل أن نصل إلى باب المدرسة، وأيام أضعها مثل ما هي مطوية بجانبي. وكان أبي يدردش معي أيام وأيام نكتفي بسماع البرنامج الصباحي على الإذاعة المحلية. ولكن كل يوم كان هناك كوب شاي الحليب المطبوخ الذي أساعد أبي في إمساكه له بينما يقوم هو بتغيير سرعات المحرك.

لم يعد من يبيع الجرائد هنا اليوم، ولن تكون هناك جرائد عندما تدخل مرحلة نهم القراءة. لا تبتئس لن يفوتك شيء بغيابها. أخترع دائماً دردشات، قصص أو أسئلة، محاولاً إشغالك عن طلباتك المعتادة: (“خبز تميس” بابا) -نعم، سعود يحب هذه الأغنية وقد احترت كثيراً كيف لطفل أن يحبها!-، “you welcome”، “friend like me”، و”the lion sleeps tonight” وغيرها. تغيّر الكثير يا سعود.. تغيّر الكثير. ويبقى ظل أبي في كل لحظاتي معك، في السيارة، في البيت، وفي السفر، كان أنا الآن، وكنتُ أنا أنت! لم يعد التحدي استلام الجريدة بأقل قطرات مطر ممكنة، إنما إنجاح صداقتنا يا صغيري، ولك أن تتخيل المسافة بين التحديين! 

شكراً أبي 💙

WHEN THEY SEE US

نيتفليكس ينير عقول العامة، وينشر وعياً أساسياً بين الناس بعدد غير قليل من الأعمال الدرامية المميزة، وهي الأعمال الأكثر تأثيراً في مخيال الناس في وجهة نظري غير المسنودة بأي إحصاءات علمية. لذلك أنا من الناس الذين يسعدون كثيراً برواج مسلسل قصير أو فيلم مثل WHEN THEY SEE US المكون من 4 أجزاء، ويسرهم تأثر الناس به. الفيلم الذي يكشف فساداً عظيماً لا يأبه بحياة البشر، فساداً قد يكون موجود بيننا، ربما لا نعرف عنه الكثير، ليس لأنه غير موجود، بل لأننا لم نكن ضمن ضحاياه، أو لم يُكشف بعد.

أقتبس لكم من المسلسل القصير هذا الحوار بين المدعية العامة Elizabeth Lederer  والمحامي Mickey Joseph والذي جاء في أحد أروقة المحكمة، بعد عدد من الجلسات:

  • هل استدعيتني إلى هنا للاعتذار؟
  • أعتذر عن ماذا؟
  • تقولين إن دليل الحمض النووي لم يكن حاسماً. وهذا ليس تصرفاً نزيهاً كما اتفقنا.
  • نزيه؟ ما معنى هذه الكلمة أصلاً؟ 
  • لا أعلم، شيء يتعلق بالعدالة حسبما أظن.
  • لم تعد المسألة تتعلق بالعدالة أيها المستشار. بل تتعلق بالسياسة، والسياسة هدفها الأول النجاة، والنجاة أبعد ما يكون عن الالتزام بالنزاهة.
  • النجاة بأي ثمن؟ لا يستحق هؤلاء الأولاد دفع الثمن..
  • لا أرغب في نقاش فلسفي..
  • لماذا إذاً؟ لماذا أنا هنا؟
  • طلبت منك القدوم لمناقشة صفقة.

Untitled

يقول Joshua Jackson الممثل الذي أدى دور هذا المحامي في لقاء أوبرا الذي تناول هذا العمل: (لكن ما تعلمته عن نظام العدالة هو أن التسمية غير ملائمة).

57111-ليندا-فيرستين-المدعى-العام-والكاتبة

أعلن في وقت سابق أعلن ناشر ليندا فيرستين (محامية أمريكية ومدعيا عاما سابقا فى مدينة نيويورك، وكانت تركز على جرائم العنف ضد النساء والأطفال، ورئيسة وحدة الجرائم الجنسية فى مكتب المحامى فى مانهاتن من عام 1976 حتى عام 2002) والتي تولت قضية فتيان السنترال بارك الخمسة حينها، وصارت مؤلفة روايات لاحقاً، أعلن ناشرها تخليه عنها، وعدم نشر أية روايات جديدة لها، وفى نفس السياق، تم الإعلان عن إسقاط عضوية الكاتبة من مجالس الجمعيات الخيرية، وإجبارها على تقديم الاستقالة.

أما عن الرئيس ترامب الذي قال قبل ثلاث سنوات أنه لا زال يعتقد بأن الرجال الخمسة كانوا مذنبين، رفض الاعتذار عن الإعلان على الصفحة كاملة الذي نشره في 1989 يدعو إلى إعدام مراهقين متهمين أطلقوا عليهم اسم سنترال بارك فايف – والذين تم العثور عليهم في نهاية المطاف بريء وتم تبرئتهم في 2002.

betawards1-640x480
يوسف سلام متوسطاً أصدقاء الأربعة

يقول يوسف سلام، أحد المظلومين الخمسة، في لقاء أوبرا الخاص بالعمل: (خرجنا من تحت سيطرة النظام في أواخر العام 2002، رفعنا الدعاوى القضائية لتحصل على نوع من العدالة التصالحية. تطلب الأمر 12 سنة أخرى حتى يقوم الحق العام بالاهتمام بالدعاوى القضائية). وتعلق الكاتبة والمخرجة والمنتجة  أفا دي فيرني فوراً: (إلا أنهم لم يعتذروا قط. لم يعتذر أحد للرجال أو عائلاتهم على ليس على ما حصل بل ما فعلوه)!

rexfeatures_10286708bz-e1560175355718
صانعة الأفلام الأميركية Ava DuVernay

وتعقيباً على إنكار ليندا فيرستين وأنها لم ترتكب خطأً، تقول صاحبة العمل أفا دي: (لم أتفاجئ من الرد، من المهم أن أعتقد أنه أمر متوقع … من المهم أن يتحمل الناس مسؤولية أفعالهم. وهذه المسؤولية تحصل بطريقة ما اليوم لم تحدث مع الأشخاص الحقيقيين منذ 30 عاماً. أعتقد أنها كانت لتكون مأساة إن كانت هذه القصة وسردها، تتعلق بامرأة واحدة وما فعلته، لأن الأمر لا يتعلق بها. إنها جزء من نظام ليس فاسداً إنما بُني ليكون كذلك. تم بناؤه هكذا.بُني ليقمع وبُنيَ ليسيطر، بُنيَ ليُهندس حضارتنا بطريقة معينة … إنه يتغذى من جهلنا ولا يمكننا أن نظل جاهلين. لذا فإن الهدف الحقيقي من هذا هيا أميركا، فلنفعل هذا، فلنغير هذا، ولا يمكنكم تغيير ما لا تعرفونه).

مثل هذه الأعمال تذكرني بسؤال يتردد بين حين وآخر، هل أنت مؤمن بالديمقراطية؟ ألا ترى الجرائم والفقر والظلم الواقع في دول تدّعي الديمقراطية مثل أمريكا. والرد قد يطول لأن السؤال ينطوي على ثنائية يراها البعض متلازمة، إما استبداد ورخاء، هذا إذا سلمنا بأن الجميع في رخاء، وإما حرية رأي وتعبير وتضحية بالرخاء، وهذا باطل، ولكن نعود.. تذكرني هذه الأعمال وردود الأفعال التي تُحدثها بذلك السؤال، لأجيب: (لا نريد الديمقراطية التي تتبادر في ذهنك، ولكننا نريد حرية رأي وتعبير كهذه، حرية إنتاج أعمال درامية، تنتقد نظاماً قائماً، تسلط الضوء على ظلمه، وتدعو علانيةً إلى تغييره). والنظام هنا بمعنى system، لأن النظام باللغة العربية تدل أكثر على شكل نظام الحكم والأشخاص المتربعين على قمته، بينما “السيستم” تعني لدينا التفاصيل دون شكل النظام ودون من يقف على هرمه، أو من يقفون على هرمه، وبالتالي أكثر سلامة حتى.. ربما!

سؤال: لو قرر منتج العمل على مسلسل كمسلسل سعدون اليوم، هل سيرى النور؟ هل تقدمنا في مجال حرية الرأي والتعبير ومناقشة الهموم الوطنية أم تأخرنا؟

لن أسمي “الخراولة” فراولة

منذ أن بدأت الأزمة الخليجية وأنا ومن هم مثلي، يعملون في قطر بينما عائلاتهم في البحرين، وهم كُثُر، في وضعٍ ضبابي غير مريح، بل هو أقرب للسواد من الضبابية، معاناة شبه مستمرة، تزداد حدة خلال رحلاتنا المكوكية من وإلى الوطن. خلال هذه الرحلة، أكثر من أي وقتٍ آخر، تطفح الكثير من الأسئلة التي ربما لا تدور في بال أولئك، أسئلة حول الوطن والمواطنة.. المعنى والمبنى، الحقوق والواجبات، الإرهاب.. مُحاربة ومُمارسة، الحرية.. الدعوة لها وعدم ممارستها، السيادة و”التعاون” الأمني، الاستعمار والاستثمار، الإعمار والاستحمار، ووسط هذا كله الناس البسطاء -نعم هناك ناس بسطاء وناس غير بسطاء- دورهم ومكانتهم في المجتمع، تمثيلهم في الدولة وقراراتها، وغيرها الكثير. كما تطفح هواجس أخرى غريبة مثل أسعار الخراف في سوق الماشية، حماية المزارع في الفصول الأربعة، فن  إدارة الفِرق، الموسيقية طبعاً، وغيرها من هواجس لا أريد أن أزعجكم بها لا تقل غرابة. 

تخيلوا كل هذه الهواجس تجتاحني مرتين كل أسبوعين، مرة في رحلة الشتاء/الذهاب، وأخرى في رحلة الصيف/العودة، وتستمر لثلاثة أيام في كل مرة، أي بمعدل 6 أيام في كل 14 يوم، وهذا كفيل أن يزداد توتر، ويرتفع ضغط، وتزور كآبة، وثياب تزداد اتساعاً. لكنني أجيد بفضل الله التعامل مع الوضع، هكذا أعتقد وأدعي، رغم أن كرشتي تُشكك في هذا الادّعاء. 

اليوم مثلاً، بعد أن تناولت غداءً خفيفاً في إحدى قاعات المغادرة، وقبل توجهي للطائرة، ذهبت إلى الحمام وتبوّلت، وشعرت براحة غريبة أكثر من مجرد قضاء الحاجة، طارت الهواجس والأسئلة، اختفى نشاز الفرق الموسيقية فجأة، وحلّت سكينة وشعرتُ بالرضى وأنا أتساءل كم شخص يود أن يكون في مثل وضعي على أن يملك صحةً وعافية ويستطيع أن يتبول براحة؟! هكذا أجيد التعامل كما أخبرتكم لأستمر في النجاة، أجيد ازدراد “الخراولة” المزروعة بكثرة في أوطاننا لألا أموت جوعاً، لكن هذا لا يعني أبداً أني سأسميها يوماً “فراولة”. لا ولن أجمّل القبح رغم اضطراري لرؤيته. ولا ولن أصف الاستحمار يوماً بغير ما يستحق. سأسكت أذا اضطُررت لكني لن. 

لماذا نعمة التبوّل تحديداً يا أحمد؟ كثيرة هي النعم الأخرى! لا أدري، ربما لأن هذه الخاطرة جاءتني فكرة كتابتها وأنا أتبوّل، وربما الوضع الخرائي يحتاج إلى أمثلة تناسبه!

لا أقول لكم هذا يا أصدقاء بثاً لِهَم، فقد صار  التَشَكي شيئاً مُملاً لا أطيقه، ولا أدري إن كان هذا مُطَمئِن أم يدعو للقلق، ولكني أقول لكم ما أقول لكم من باب الدعوة إلى التفكّر في نعم الله الكثيرة جداً جداً،  خاصة وإذا كنتم يوماً في عين مشكلة يراها البعض صغيرة جداً جداً، والبعض لا يراها أساساً، فقط لأنها لا تمسّه شخصياً، وأقول لكم ما أقول لكم لتحذروا من قلب المعاني وتسمية الأشياء بغير مسمياتها مهما دعتكم الظروف يوماً للتعامل والتأقلم. 

والحمدلله من قبل ومن بعد.

أحمد الحربان

في الجو من الدوحة إلى الكويت، مروراً فوق الوجهة الأخيرة، القريبة البعيدة.. البحرين

الخميس 18 يوليو 2019

محمد شويطر

محمد شويطر

هذا الصديق العزيز ألتقيته الجمعة الماضية، ذكّرني هو بآخر مرة التقينا فيها، يقول: (كانت آخر أيامك في مصرف الشامل -يوم أن كان هناك مصرفاً أسمه الشامل- وكانت أول أيامي هناك)!!

مصرف الشامل الإسلامي، الذي تحول لاحقاً إلى إثمار بنك، كان التدريب العملي المقرر من الجامعة، اشتغلت في إدارة العمليات وعُرض علي الاستمرار في العمل مع إمكانية إنهاء الدراسة في الفترة المسائية، ولكني اخترت الدراسة الصباحية، وكان هدفي هو خوض تجربة الانتخابات الطلابية، فصرت عضواً لمجلس طلبة الجامعة في ذلك العام، ورئيساً للمجلس في العام الذي بعده.. تجربة أضافت لي الكثير.

هذا الكلام قديم جداً يا أحبه، وهذه الملاحظات، تحسسك بالذي لا تحس فيه غالباً.. تقدم العمر.

عن نفسي أكثر شيئين يحسساني بتقدم سني: (تدري متى آخر مرة التقينا؟) بالإضافة إلى رؤية “العيال” التي “كبرت”. ومن هؤلاء العيال ابنة خالتي العزيزة منيرة، الصورة أعلاه حفل الرجال لزوجها من حسن.. فعلاً العيال كبرت!

حدائق النور

حدائق النور

حدائق النور by Amin Maalouf

My rating: 4 of 5 stars

قريبة جداً من أجواء رواية (موت صغير) لمن قرأها، في البحث عن الجمال دون التقيّد بدين محدد، وفي العلاقة بين بطل الرواية وملك أو خليفة عصره.

“في القرن الثالث أصبح ماني مؤسسا للديانة المانيشية/المانوية نشأت هذة الديانة في الشرق الأوسط وانتشرت غربا حتى المحيط الأطلسي وشرقا حتى المحيط الهادي وظل هذا الدين منتشرا أكثر من ألف سنة كانت هذة الديانة خليطا من البوذية والمسيحية والزرادشتية لكن هذة الديانة أعلنت أنها تلقت وحيا بمعان أخرى لم تعرفها هذة الديانات الأخرى. وعلى الرغم من أن هذه الديانة نقلت الكثير من المسيحية والبوذية إلا أن افكار زرادشت قد اثرت فيها أكبر الأثر وكان من رأي ماني أنه لا يوجد إله واحد إنما هو صراع مستمر بين اثنين من الالهة أحدهما هو الشر والاخر هو الخير” (ويكيبيديا)

هذه الرواية تحكي قصته، أو كما قال اكاتب في خاتمته “أو ما يزال بالإمكان تخمينه منها بعد هذا القدر من عصور الكذب والنسيان”.

أول رواية أقرأها لأمين معلوف، كتابة جميلة، والترجمة غاية في الجمال، أحياناً شعرت بأن لغة الترجمة عالية جداً أكثر مما ينبغي، ولكن ربما أراد المترجم أن تكون لغته عالية كما هي لغة الكتاب في الأصل.

اقتباسات:

‏”الحقيقة سيدة متطلبة يا “باتيغ” فلا تتسامح في أية خيانة، وكل إخلاصك حقّ لها، وكل لحظات حياتك هي ملكها. فهل الحقيقة هي ما تبحث عنه بالفعل؟”

“إن الوجود عِقْد من الديون وسلسلة من تصفية الحسابات، وفي إمكان المرء أن يسددها بحقارة أو بشهامة، غير أن عليه تسديدها”.

“بل كانت علاقة قد وُلِدَت بين (ماني) وأقوى أسرة حاكمة في زمانها، علاقة سوف تتسم بالاضطراب ولحدّة، والقسوة في بعض الأحيان. وستكون على الدوام مُلتبِسة، كما ينبغي أن تكون العلاقات بين حَمَلة الأفكار وحَمَلة الصولجانات”.

“إن حب الملوك ليس قط أقل تخريباً من كُرههم. وسعيدٌ هو الماء الذي لا يشرب منه أحد! وسعيدةٌ هي الشجرة التي تُزهر بعيداً عن الطُرقات، ولكن أنّى لها أن تدري بسعادتها؟”

View all my reviews

رغوة حجي السوداء

رغوة سوداء

رغوة سوداء by حجي جابر

My rating: 5 of 5 stars

قصة غير اعتيادية، بالنسبة لي، ومتأكد لكثيرين غيري. قرأت لحجي سابقاً سمراويت، أستطيع أن أقول أننا نتحدث هنا عن مستوى آخر تماماً.

أعجبتني الرواية جداً، أعجبني معالجة الكاتب لبعض الجوانب النفسية، فضلاً عن معالجته للقضية الرئيسية: الهوية والبحث عن النجاة.. النجاة بأي ثمن!

كما أن مساري الرواية، الماضي القريب لبطلها، وحاضره بامتداده الوثيق، تكنيكاً يستخدمه كثير من الكُتّاب، ولكن حجي وظَّفَهُ هنا أيما توظيف.

بعض الاقتباسات:

الإرتري لا يعرف الغضب، هو يحزن وينكسر وينزوي فقط، لكنه لا يغضب. الغضب ترف عند المغلوبين، بينهم وبينه سياج من الإذلال والإخضاع. الغضب فعل إرادة، والمغلوب منزوع الإرادة والقرار“.

ليته انتبه وقد حاذاها، ليته اصطدم بها، تعثّر بالعود. ليته لم يحتج ليتقدّم أكثر، ليته وصل قبل أن ينتبه. ما أسوأ الانتباه قبل الأوان، ما أسوأه بعده“.

يشعر الآن أن الوقت قد فات ليكون منتمياً، والانتماء يحدث في جانب منه لأمور قلبية صِرفَة تتشكَّل في البدايات فحسب“.

كثيرة هي المواضيع التي تثيرها الرواية، ولكن يحضرني الآن سؤالاً واحداً بعد أن أتممتها.. أيجب أن يكون الأقصى قضيتنا الأولى حقاً، أم الإنسان المقهور في أوطاننا العربية؟! أم أن هذه لن تتحقق إلا بتلك؟ أم لا علاقة مباشرة بينهما؟

View all my reviews

أنا أجري إذاً أنا بخير

كتبت مرة: أنا أجري إذاً أنا بخير. وكنتُ حينها أمر بمزاج سيء للغاية، ولكن المحافظة على ممارسة الرياضة ولو بصورة متقطعة، كان دليلاً على أن الأمر عارض، وأني بخير. 

لم أكن بحاجة لمراجعة سجل الجري لآخر 12 شهر (أعلاه)، لأكتشف بأن الأمر ليس عارضاً هذه المرة، فالهواء الذي أزفره، ومنذ مدة ليست بقصيرة، بارد، خَبَت كل الرغبات واقفَرََ صدري من اهتمامات كانت تكفخ فيه وتشعله. لذلك أنا سعيد اليوم بالرغبة في ممارسة الجري والمشاركة في أحد السباقات. الأمر أشبه بعودة أشعة شمس دافئة إلى جزء خفي في باطن نفسي، وليس مجرد قرار بارتداء الحذاء والخروج! 

الجري إحدى عاداتي التي تخبرني بصدق عن حالتي دون تحليل. المؤشر الذي لا يمكنني التحايل عليه أو تغافله. 

ما هي عادتك التي تحدثك عن باطن نفسك أكثر من غيرها؟

مئذنة

ماذا لو لم تُولد من عائلة مُسلمة، هل سيعني لك الصوت الصادح من هذه المنارة شيئاً؟ أم أنه سيشبه رنين يَجرسُ أذنك عند مرورك بكاتدرائية في مدينة أوروبية؟ أو حفيف شجرةٍ تحلق حولها بعض العبيد راكعين في قريةٍ أفريقيةٍ نائية؟ أو حتى خواء بقرة قررت أن تظل واقفة في شارعٍ هندي ضيّق بعض الوقت غير آبهة بالمستعجلين، وهم ينتظرون انصرافها دون أبواق أو تذمّر!

مهلاً قبل أن تجزم بأن إجابتك ستكون سهلة، تفكّر في تجرّدك من عادات مجتمعك وتقاليده، من نظرتهم للحياة، من المسافة بينك وبين الآلهة الصغيرة التي يُقدسون، سواء كانت مظهر، معنى، أم أشخاص.

ماذا لو لم تُولد من عائلة مسلمة، أو مسيحية، هل ستكون مسلماً أو مسيحياً؟

ليست الإجابة سهلة، والراحة اللذيذة حد الخدر التي يرفلُ بها عقلك ليست بالضرورة علامة رسوخ أو إيمان، قد تكون كسل واكتفاء بالإجابات الأولى، بالسائد.

تذكر دائماً أن حولك مآذن كثيرة.. هل تستمع لأصواتها كما يستمع لها معظم الناس، قبول وتسليم. أم أنك مُصاب بعقل شقي، لا يكف عن التشكيك والبحث. أم أنك تصمُّ أذنيك حامياً نفسك من شقاء القلق، تماماً كما تفعل عندما تسمع خبراً لا يُعجبك أو رأياً يشكك في قداسة آلهتك الصغيرة؟!