المواطنة في تيارات الخليج

لا أدري كيف أشرح التباس مفهومي الوطن والمواطنة في مخيلتي، كَشَفَ هذا الالتباس عن نفسه منذ زمن ليس بقصير، ربما منذ ممارستي للعمل الطلابي من خلال مجلس الطلبة، التجربة التي فتحت لي باب “الشأن العام” على مصراعيه، أو بعد ذلك مباشرة، حين انتقلت إلى دكّة المتفرج خارج اللعبة، فغدت الصورة أوضح. ولكن الأمر لم يعد التباساً بقدر ما صار أشبه بالفوضى مع انكشاف المنظومة الأخلاقية “الحقيقية” خلال الأزمة الخليجية. وقد تلمست هذه الفوضى، فوضى مفهومي الوطن والمواطنة، في حوارات متفرقة هناك وهناك.

سألني: ماذا يعني لك الوطن؟ سؤال لم يفاجئني، فقد شغل بالي كثيراً، ولكني أشعر بأني لا زلت قاصراً عن الإلمام بالإجابة النموذجية، لا من حيث صوابها من خطئها، بل من حيث تعبيرها عن شعوري، لذلك كلمة “وطن” في رأيي الشخصي هي أكثر كلمة ذات شجون، معجونة بالمعاني، الذكريات، والمشاعر. ولكن لا بد من الإجابة:

الوطن كلمة تدل على كثير أشياء، معاني مركبة،

فالوطن باعتباره أرض ومكان، لا شك بأن القلب يهفو له، ويحن إليه.

الوطن باعتباره أهل وأصدقاء وخلان، فدونهم الروح.

الوطن باعتباره نظاماً سياسياً، فمكانته بقدر شعوري بأنه يحفظ كرامتي، وبأني مساوٍ للمواطنين الآخرين، بقدر ما أكون فيه رقماً حقيقياً في اعتباراته وحساباته.

واصلت استطرادي: ماذا أنا وأنت في معادلة الوطن باعتباره نظاماً سياسياً؟

تسعى الأنظمة عموماً إلى خلط هذه المكونات بعضها ببعض، تراه بوضوح في الخطابات أو المقالات العاطفية، والمناسبات والأغاني الوطنية. وهذا خلط متعمد، حتى بات طبيعياً أن يُقدح في “وطنية” أي شخص ينتقد نظاماً سياسياً، في الوقت نفسه يُقدم على منابر “الوطنية” من فاحت رائحة فساده!

2019

هذه مجرد مقدمة لأوضح سبب إعجابي بهذا الكتاب الذي أود تناوله معكم هنا، وهو مجموعة من الأوراق لعدد من الباحثين الخليجيين المتميزين، وهذا وصف الناشر (مركز دراسات الوحدة العربية):

يركز هذا الإصدار على المواطنة بوصفها مفتاح الخلل السياسي المزمن الذي يواجه دول مجلس التعاون، المتمثل بحكم مطلق ينحصر في قلة قليلة من محتكري السلطة في مقابل ضيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. والأدبيات التي تتناول المواطنة في الخليج نادرة إجمالاً، والأندر منها هو ما يتناول المواطنة كمفهوم وممارسة بين النخب والتيارات السياسية والاجتماعية في بلدان مجلس التعاون. فعادة ما ينصبّ التركيز على الأنظمة الحاكمة، وهذا أمر منطقي، إلا أنه يبقى ضرورياً أيضاً التطرق إلى تعاطي التيارات السياسية والنخب والمواطنين عموماً مع المواطنة كمفهوم وممارسة.

ما هي المواطنة، وماذا تعني في سياق بلدان مجلس التعاون؟ ما هي طبيعة الحكم في المنطقة، وكيف تطور تاريخياً؟ وما هو دور المواطنة فيه؟ في المقابل، ما هو دور المواطنة في فكر ومنهج الحركات والنخب السياسية في الخليج، الإسلامية منها والوطنية؟ وكيف يتعاطى المجتمع المدني بتجلياته المختلفة مع المواطنة؟ هذه هي الأسئلة التي يتمحور حولها محتوى هذا العمل.

اقتباسات من الكتاب:

“بقي الثالوث الخليجي: الأنظمة، والحركات المدنية، والحركات الإسلاموية، بعيداً من مفاهيم «المواطنة»، ذلك بأن من مفاهيم المواطنة حقوق التجمّع، وتكوين الأطر والهيئات التي تنظم الجمهور، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، وهذا ما ليس متوافقاً مع أنماط الحكم القائمة على السيطرة الكاملة من الأسر الحاكمة على مفاصل الحكم، وعدم السماح بقيام المؤسسات والمنظمات التي تمثِّل إزعاجاً لها. ولم تكن المواطنة ضمن أولويات الحركات المدنية، نظراً إلى ما تقدم من تفسيرات للأفكار الآتية من البلدان والمجتمعات العربية التي لم تكن تفسح للفردية مكاناً لائقاً. في حين أن التنظيمات الإسلاموية لم تكن مستعدة للمناقشة في أمور مثل حقوق المرأة، وحقوق الأقليات، والتعايش… إلخ”.

“حين نهتم بالمكان نحن نهتم ببعضنا البعض وبناء العلاقات بين الناس يصبح سهـلاً لأننا لا نناقش الـ أنا والـ أنت، بل نناقش هذا المكان – القاسم المشترك – الذي يجمعنا جميعاً”.

“تحمل الإشارة إلى مفهوم الأبوة دلالات كثيرة بالنسبة إلى الدولة الخليجية بعامة وسلطنة عمان بخاصة. أولاً، لكون مفهوم الأبوة يخلق بالضرورة علاقة غير سوية بين الحاكم والمحكوم، حيث يُصوَّر الحاكم كبالغ وراشد يتحمل مسؤولية تربية رعاياه وحمايتهم، بينما المحكوم (المواطن) يظل قاصراً يدين للحاكم بكل ما يملكه من نِعَم، وهو مفهوم بالتأكيد لا يؤسس لعلاقة قائمة على أساس المواطنة”.

“فمن دون المشاركة الشعبية الفعالة في اتخاذ القرار، لن يكون بالإمكان التطرق إلى الخلل الإنتاجي المتمثل بالاعتمادية المتصاعدة على مورد ناضب يستغل بنحو غير مستدام، ولا التطرق إلى الخلل السكاني المتفاقم الذي حوّل من يقطن المنطقة إلى سكان تنقصهم حقوق المواطنة، ولا تدارك الخلل الأمني من الاتكالية المتواصلة على القوى الغربية كالعراب الأخير للحماية، وستبقى الديمقراطية والتنمية والوحدة أهدافاً بعيدة المنال‏”.

“من المهم أن تحرص أي كتلة على ثلاثة شروط أساسية كحد أدنى: الأول هو الاتفاق على أهداف واضحة ومحددة تمثل أساس المطالب التي يتم التوافق عليها، وأن يكون جوهرها هو تفعيل المواطنة الحقة عبر الديمقراطية. وثانياً، على الكتلة أن تشمل أوسع طيف من التيارات المختلفة التي تؤمن وتهدف إلى هذا المطلب. أما ثالثاً، وربما هو الأهم، فقد بات من الملح أن يكون العمل على مستوى دول مجلس التعاون ككل، مع فهم والتطرق إلى خصوصية كل من أقطاره على حدة. فما يحصل في الكويت يؤثر في السعودية، وما يستجد في السعودية ينعكس على قطر، ولا يمكن لأي إصلاح حقيقي أن يتجذر إلا إذا انتشر على مستوى الخليج ككل، بحيث يتكاتف الناس حول مبدأ المواطنة، كما تكاتفت الأنظمة حول الحكم المطلق. فما من مفر من وحدة المصير، وحريّ بنا أن نمحور هذا المصير حول المواطنة”.

“ويبدو أن التحدي الأكبر سيكون بناء «كتلة تاريخية» من الأطياف والتيارات السياسية والمجتمعية المختلفة التي تعمل نحو هذا الهدف”.

بإمكانكم الاطلاع على محتوايت الكتاب أو تحميله من خلال هذه الصفحة. كما أنه متوفر أيضا على كيندل.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

اترك رد