لمواليد التسعينات في البحرين.. دردشة

هذه التدوينة للأحبة في البحرين من مواليد عام ١٩٩٠ وما بعده،

سؤال يتردد (ليش معور راسك بالسياسة؟)، رغم أني، وللأسف، لستُ منخرطاً في عمل جماعي، أو متفانياً في عمل فردي، من أجل قضية أو مسألة من مسائل الشأن العام، إلا أن تغريداتي وتدويناتي هنا وهناك، المُعلِّقة على بعض جوانب هذا الشأن، والتي يمكن تصنيفها ضمن باب “التحلطم” ليس إلا، تستدعي هذا السؤال بين حين وآخر من اﻷصحاب والمتابعين، وقد فكّرت في اﻹجابة مليّاً لاكتشف عدة أسباب تجعلني أهتم، على رأسها رفض الاستحمار وما فيه من إهانة لتلك الكرامة التي منحها لنا الرب منذ خلق آدم، كل استحمارٍ للإنسان أراه في تصريح أو خبر، يرسم أمامي مشهد سجود الملائكة ﻵدم، فأصاب بالاشمئزاز أكثر، فأكتم كثير أسف وغيض، قبل أن أنفس عنه بتغريدة أو منشور.

ليس هذا موضوع التدوينة، ليس تماماً على اﻷقل، فقد أضفت إلى السؤال المشار إليه أعلاه سؤالاً آخر، ليساعدني في عملية بحثي الشخصي عن تحليل أكثر شمولية لهذا الاهتمام، الوجع السخيف، وهو: لماذا الجيل الذي جاء بعدنا مبتعد كل هذا البعد عن الشأن العام، ونادراً ما يلتفت أبناؤه إليه؟! أتكلم عن الحالة العامة ولا أُعمم.

تأسست الجمعيات السياسية، سارعت إلى تشكيل لجان شبابية، سعت إلى نشر أفكارها واستقطاب أكبر عدد من المواطنين، انتماءً أو مناصرة. وكحال بدايات أي حراك، كانت هناك ملاحظات تستوجب النقد والتوجيه، نراها اليوم واضحة إذا ما استرجعنا الذاكرة. اختلفنا كثيراً، وقادنا التعصب في بعض اﻷحيان إلى تصرفات نضحك عليها اليوم، ولكننا بطريقة أو بأخرى، شعرنا جميعاً بأننا مسؤولون، منتمون للوطن فكراً وروحاً، أكثر من انتماء الولاء والطاعة العمياء الرائج اليوم، وقصص التاريخ تُخبر أيهما أجدى وأبقى.

ليس بعد تخرجنا من الجامعة، إنما بعد اختلاف اﻷوضاع، هناك من طلق السياسة، وهناك من اقترب إليها لفهمها أكثر ومن ثم تحقيق بعض المصالح الشخصية، وهناك من انشغل في عمله الخاص، وآخر انقلبت كفه الحمراء المرفوعة دوماً إلى تحية عسكرية (نعم سيدي، حاضر سيدي)، وهذا طبيعي، لكلٍ دربه، وكلٌ ميسرٌ لما خُلقَ له. إلا أننا جميعاً، تفاعلنا مع قضايا الشأن العام، وكان ذاك التفاعل جزء أساسي من تكوين شخصيتنا، وهذا ما تفتقدونه يا أحبة.

صحيحٌ لم يكن لدينا وسائل تواصل اجتماعي لنتفاعل مع اﻷحداث حينها بالزخم الذي نفعل به اليوم، ولكن الفارق كبير بين تفاعل المتفرجين، وحراك من يعيشون اﻷحداث، من كانوا جزءًا من قصة حراك سياسي ومجتمعي غني، من كانوا جزءًا من رواية وطن، كثيفة ومتنوعة، وليسوا وجهة نظر واحدة، مع أو ضد.

هل للتفاعل صورة واحدة؟ أيجب أن يكون سقف الحرية أعلى، كما كان، لنتفاعل؟ ليس هذا موضوع التدوينة، ولكن بما أنه قفز هنا دون استئذان، أقول.. بالطبع لا، تتغير وسائل الحراك من جيل ﻵخر، وفقاً لتغير آلية التعبير والنشر، وبالتالي التأثير. اﻷهم هو أن تكون هناك فكرة ففكرة ففكرة، وأن يكون هناك همٌ أبعد بكثير من الهم الشخصي الضحل.

ربما لم تستغربوا السؤال السخيف الجريء، الذي كان ليُعتبر عصاً في عجلة مشروع جلالة الملك اﻹصلاحي في أيامنا، والذي يستحق طارحهُ عصاً على رأسه، بينما يُطرح اليوم عليكم في مقابلات التوظيف بكل أريحية، كاختبار أخير للتأكد من سلامة عقلكم قبل اجتيازكم المرحلة الأولى من عملية التوظيف (عندك حساب في تويتر؟ وهل لك في السياسة؟).

بين عدم استغرابكم من هذا السؤال، ومدى جرأته ووقاحته يوماً، يكمن جزء كبير من إجابة سؤالي الذي طرحته على نفسي: لماذا أنا أهتم؟

فكرة لـ #فريق_البحرين الاقتصادي

تلوح في الأفق أزمة اقتصادية، لن أقول بسبب جائحة كورونا، فهذا خلل في التعليل وتبسيط في الطرح، في الحالة الخليجية على الأقل، ولكن بإمكاننا القول بأن كورونا سرّعت من “مشوار” اختارته بعض الدول بشيء من اطمئنان، لأن نهايته المنطقية كانت تبدو بعيدة، وطبيعة الإنسان للأسف لا يخشى المستقبل البعيد كثيراً، ولا ينتبه إلى خياراته ويحرص على اختبارها، إلا متأخراً في معظم الأحيان.

أريد أن أتقدم برسالتي هذه إلى فريق البحرين الاقتصادي وقيادته، مقترحاً فكرة، ولكن قبلها يجب أن لا أقفز على نقطة مهمة، الوجه الثاني من “روبية” الاقتصاد، السياسة أعني.

عند اتخاذ أي إجراءات اقتصادية، أو البدء في تنفيذ أي خطة، سيصمت عموم الناس ما دامت الأرقام لا تزال بعيدة عن جيوبهم وعن نمط حياتهم وقدرتهم الشرائية، ولكن كلما اقتربت الإجراءات من دائرتهم الشخصية، فمن الطبيعي أن يبدأوا في السؤال عن مدى ملائمة الخطط، وعن أوجه صرف المال العام، ومدى نجاح آليات الرقابة المعمول بها، وطرح السؤال (من أين له هذا؟) بصوت أعلى بعد أن كان همساً في المجالس والأحاديث الجانبية، وهذا حقهم. أقول ذلك لأن هناك بعض الكُتّاب استبقوا أي ردة فعل بالحديث عن “التنبؤ باحتجاجات قادمة” و”رصد تحركات مشبوهة” وغيرها من كليشيهات تعرفونها، ليُرهبوا الناس من الحديث في الشأن العام باسم قطع الطريق أمام “المخربين أصحاب الأجندات”. ليس هذا موضوع رسالتي ولكن باختصار، عملية الإصلاح السياسي وقتها أمس واليوم وغداً وفي كل حين، بل تتأكد خلال الأزمات، الاقتصادية خاصة، إن الإصلاح السياسي، بغض النظر عن شكله ومضمونه، عن تشعبه ومحدوديته، هو كعملية التغذية الراجعة لأي نظام، تساعد على تطويره وتقويته واستدامته، ومن يقف أمام هذه العملية بأي حجة كانت، فهو لا يريد خيراً لا للنظام نفسه ولا للوطن ولا لأبنائه. 

لقد مر وقت طويل منذ إعلان رؤية البحرين 2030 -لم أجدها هنا-، ولا أذكر أنه منذ ذلك الحين جرت مداولات مفتوحة مع المجتمع المدني، تُعطي المواطنين مزيداً من الراحة والأمان، للتعبير عن هواجسهم الاقتصادية، وفي الأزمات تتأكد أهمية السماع قدر الإمكان لأبناء البلد، وإشراكهم قبل توصيات المؤسسات الدولية من بنوك وبيوت خبرة، في رسم الرؤية والمعالجات الاقتصادية، ليس فقط لضمان فاعلية أكبر في التنفيذ، وإنما مخرجات “العصف الذهني الوطني” يُنتج بلا شك أفكاراً وحلول. ولدى البحرين أثمن عنصر في المعادلة الاقتصادية، ليس الألمونيوم، ولا النفط، وبالتأكيد ليس المساعدات الخليجية، والتي لا نعلم إلى متى ستستمر، إنما المواطن المؤهل، الذي أحسنت الحكومة الاستثمار فيه، تعليماً، وتطويراً، وصحة. 

الفكـرة

تشكيل فريق عمل، يتفرغ تحت مظلة أي وزارة أو هيئة معنية بالاقتصاد، مهمته مساعدة العلامات التجارية البحرينية المناسبة للتوسع إقليمياً وعالمياً، لدينا عدد من العلامات التجارية في مختلف القطاعات، أهمها: المطاعم والمأكولات السريعة، المجوهرات، الأزياء، الفنون، المقاهي، وغيرها. بإمكان هذه العلامات إذا ما حصلت على دعم قوي مسنود بقرار سياسي، أن تتوسع وتكون مصدر من مصادر الدخل الوطني، وسوقاً يستوعب أعداد الخريجين المتزايد.

الخدمات التي بإمكان هذه المبادرة تقديمها: الدعم الفني، الخدمات المحاسبية، القانونية، الإعلامية والعلاقات العامة، وخدمات التمويل منخفض الضرائب، أو بدونها، بالإضافة إلى تسخير سفارات الدولة لتوفير كل الخدمات الممكنة لدراسة السوق في العواصم التي تتواجد فيها، وتشبيك هذا الفريق مع المسؤولين هناك (دعم دبلوماسي) لتيسير الحصول على التراخيص المطلوبة. في المقابل تُوظف هذه العلامات البحرينيين، وتدفع نسبة ضريبة عالية على الأرباح.

أقترح أن يتم جرد العلامات التجارية المتميزة، وتصنيفها، ودراستها، ودراسة الأسواق المستهدفة لكل علامة، ومن ثم التشاور مع أصحابها، والتفاوض معهم. ومن الأفضل، عدم الإعلان عن مبادرة من هذا النوع، فهي ليست عملاً خيرياً، أو حملة علاقات عامة لتلميع الصورة، بل خطط وجهود دؤوبة تعمل بصمت وترنو للإنجاز والإنجاز فقط. عمل مثل هذا أنجع للاقتصاد في رأيي من التركيز على التعاقد مع شركات أجنبية لتفتح فروعاً في البحرين مستغلة كثير من التسهيلات.

هذه خربشات فكرة، تحتاج لمن يهمه الأمر أن يرعاها بالنظر والدراسة، وفكرة أخرى، الإعلان عن فتح باب المشاركة للجميع، ليدلو بدلوهم، الاقتصاد بحاجة إلى أفكار، فكيف إذا ما صار تحدياً وطنياً! وأغلب الشركات صاحبة الميزانيات الضخمة اليوم، لم تخرج من عقول فطاحلة الاقتصاد النظري، أو كبار المصرفيين، إنما كانت أفكار أناس عاديين، تحولت إلى قوة اقتصادية.

بعد أن تكلمت عن هذه الفكرة في الانستغرام، أخبرني أحدهم عن شيء مشابه تقدمه تمكين، ولكن بعد أن بحثت قليلاً، رأيت أن الفكرة التي طرحتها تتكلم عن مستوى آخر، بإمكان تمكين تحقيقه إذا ما وُجد القرار السياسي.

لن أسمي “الخراولة” فراولة

منذ أن بدأت الأزمة الخليجية وأنا ومن هم مثلي، يعملون في قطر بينما عائلاتهم في البحرين، وهم كُثُر، في وضعٍ ضبابي غير مريح، بل هو أقرب للسواد من الضبابية، معاناة شبه مستمرة، تزداد حدة خلال رحلاتنا المكوكية من وإلى الوطن. خلال هذه الرحلة، أكثر من أي وقتٍ آخر، تطفح الكثير من الأسئلة التي ربما لا تدور في بال أولئك، أسئلة حول الوطن والمواطنة.. المعنى والمبنى، الحقوق والواجبات، الإرهاب.. مُحاربة ومُمارسة، الحرية.. الدعوة لها وعدم ممارستها، السيادة و”التعاون” الأمني، الاستعمار والاستثمار، الإعمار والاستحمار، ووسط هذا كله الناس البسطاء -نعم هناك ناس بسطاء وناس غير بسطاء- دورهم ومكانتهم في المجتمع، تمثيلهم في الدولة وقراراتها، وغيرها الكثير. كما تطفح هواجس أخرى غريبة مثل أسعار الخراف في سوق الماشية، حماية المزارع في الفصول الأربعة، فن  إدارة الفِرق، الموسيقية طبعاً، وغيرها من هواجس لا أريد أن أزعجكم بها لا تقل غرابة. 

تخيلوا كل هذه الهواجس تجتاحني مرتين كل أسبوعين، مرة في رحلة الشتاء/الذهاب، وأخرى في رحلة الصيف/العودة، وتستمر لثلاثة أيام في كل مرة، أي بمعدل 6 أيام في كل 14 يوم، وهذا كفيل أن يزداد توتر، ويرتفع ضغط، وتزور كآبة، وثياب تزداد اتساعاً. لكنني أجيد بفضل الله التعامل مع الوضع، هكذا أعتقد وأدعي، رغم أن كرشتي تُشكك في هذا الادّعاء. 

اليوم مثلاً، بعد أن تناولت غداءً خفيفاً في إحدى قاعات المغادرة، وقبل توجهي للطائرة، ذهبت إلى الحمام وتبوّلت، وشعرت براحة غريبة أكثر من مجرد قضاء الحاجة، طارت الهواجس والأسئلة، اختفى نشاز الفرق الموسيقية فجأة، وحلّت سكينة وشعرتُ بالرضى وأنا أتساءل كم شخص يود أن يكون في مثل وضعي على أن يملك صحةً وعافية ويستطيع أن يتبول براحة؟! هكذا أجيد التعامل كما أخبرتكم لأستمر في النجاة، أجيد ازدراد “الخراولة” المزروعة بكثرة في أوطاننا لألا أموت جوعاً، لكن هذا لا يعني أبداً أني سأسميها يوماً “فراولة”. لا ولن أجمّل القبح رغم اضطراري لرؤيته. ولا ولن أصف الاستحمار يوماً بغير ما يستحق. سأسكت أذا اضطُررت لكني لن. 

لماذا نعمة التبوّل تحديداً يا أحمد؟ كثيرة هي النعم الأخرى! لا أدري، ربما لأن هذه الخاطرة جاءتني فكرة كتابتها وأنا أتبوّل، وربما الوضع الخرائي يحتاج إلى أمثلة تناسبه!

لا أقول لكم هذا يا أصدقاء بثاً لِهَم، فقد صار  التَشَكي شيئاً مُملاً لا أطيقه، ولا أدري إن كان هذا مُطَمئِن أم يدعو للقلق، ولكني أقول لكم ما أقول لكم من باب الدعوة إلى التفكّر في نعم الله الكثيرة جداً جداً،  خاصة وإذا كنتم يوماً في عين مشكلة يراها البعض صغيرة جداً جداً، والبعض لا يراها أساساً، فقط لأنها لا تمسّه شخصياً، وأقول لكم ما أقول لكم لتحذروا من قلب المعاني وتسمية الأشياء بغير مسمياتها مهما دعتكم الظروف يوماً للتعامل والتأقلم. 

والحمدلله من قبل ومن بعد.

أحمد الحربان

في الجو من الدوحة إلى الكويت، مروراً فوق الوجهة الأخيرة، القريبة البعيدة.. البحرين

الخميس 18 يوليو 2019

نلبي الواجب

شعار جميل وإن كنت أختلف مع مضمونه، لأنه يحمل معنى -وهو مقصود طبعاً- أن من لا يشارك بصوته في الانتخابات فهو مقصر في واجباته تجاه الوطن، وهذا لا شك بأنه غير دقيق.

كلماتي هنا ليست لمراجعة مآلات نظام المجلس النيابي، ومدى فاعليته الحقيقية في حفظ وتعزيز حقوق المواطن وتنمية الوطن -المكتسبات كما يحب البعض تسميتها- ولكنها للمواطنين البحرينيين، المتحمسين للمشاركة والتصويت خاصة.

واجبنا تجاه بحريننا الحبيبة أكبر بكثير من مجرد المشاركة بصوت في الانتخابات، بل إن فعلنا/صوتنا هذا يفقد كل قيمته ومعناه إذا ما اكتفينا به وحده، بل الواجب عزيزي المواطن هو متابعة أداء النائب الذي يمثلك، متابعة أداء المجلس عموماً، والتفاعل مع قضايا الشأن العام بشكل أوسع.

الواجب الذي ينبغي تلبيته حقيقةً بعد مشاركتنا -أو عدمها لا فرق هنا- في الانتخابات هو السعي الحثيث لجعل مجتمعنا أكثر فاعلية وحيوية تجاه القضايا التي تمس حياتنا كمواطنين بشكل مباشر، وأن نساهم جميعاً في صنع القرار أو التأثير في صناعته قدر الإمكان. لا أقول بأن الجميع يجب أن يكونوا ناشطين سياسيين، ولكني أحاول أن أوضح ما هو أوجب إن كان هناك واجب.

تحية لكل الناشطين سواءً المشاركين بصوتهم في الانتخابات هذه أو المقاطعين منهم، وتحية أخرى لمن يُقدّر نشاطهم بالتفاعل والدعم، وتحية أخيرة لمن لا يختزل حب الوطن وحقه من واجبات في صوت انتخابي.

ارتأيت أن أكتب ملاحظتي هذه يوم الانتخابات وليس قبل ذلك، حتى لا يفهم “فهيم” بأني أدعو لمقاطعة الانتخابات، مُجنّد من قبل أعداء فضائيين صفويين كانوا أم عرب، بل عن نفسي لو كنت أستطيع المشاركة لشاركت بصوتي لأني وجدت بين المترشحين من هو أهلاً لتمثيلي في المجلس القادم، ولو أني لم أجد مثله، لن أصوت ولن أطبق مبدأ “اختيار أفضل السيئين” كما يدعو له البعض.

هنا وجهات نظر حول موضوع المشاركة والمقاطعة:

مقالة للكاتبة سوسن الشاعر تدعو للمشاركة طبعاً هنــا

مقال للأخ الفاضل مراد الحايكي يسرد فيها مبررات المقاطعة هنــا

مقالة للكاتب الأستاذ غسان الشهابي، والمعنى بين سطوره هنــا

رواية(صالح)

“اسمع أنت يا خميس، أنت مب عارف شتسوي بروحك، تسوي الغلط، وبعدين ترقعه بغلط. ساعدتني أطلع من الديرة عشان تثبت للكبارية إن الضابط اللي فوقك مب كفو! سعيت تصدر لي عفو بطريقة تشب بها الطائفية! حاولت تعطل رجعتي بالتعهد وشروطه لأنك فشلت في المرة الأولى والثانية، ووين ما تطقها عوية! انت ما فشلت لأنّي قوي! لا! أنت فشلت لأن أهل الديرة واعيين لك. ما تبوني أتدخل في السياسة، أصلاً مافي حياة سياسية عندنا! ما تبوني أسوي حراك حزبي، أبشرك، الأحزاب ماتت من نفسها! الشي اللي ما تقدرون توقفوني أنا وغيري عنه، هو إني أربّي عيالي وعيال الديرة، وأخليهم واعيين لك ولأمثالك. إحنا رايحين، وانتوا رايحين، وهم باقيين، والديرة باقية”.

صالحهذا كان آخر مشهد من رواية (صالح)، وهذا ما قاله بطل الرواية (صالح) لصديق له يعمل في الأمن  بعد عودته إلى البحرين، خرج منها قبل 15 عام، نهاية 1970 تحديدًا، هاربًا من الإنجليز، الذي كان هو ورفاقه يناضلون لطردهم من البلاد، ليستقر في دمشق ويُصبح عضوًا في حزب البعث العربي الاشتراكي، لينتقل بعدها إلى اليمن ويشارك أصحابه هناك النضال عن طريق إدارته لورشة تعيد تأهيل قطع السلاح، ويرجع بعدها إلى دمشق ويُعلن عن قراره الانعتاق من الحزب، قلت انعتاقًا لأن استقالته لم تكن مجرد التخلص من الالتزامات الحزبية فحسب، وإنما كانت كفرًا بأفكار الحزب أو توجهاته، هكذا يبدو لي كقارئ، وينتهي به المطاف عائدًا إلى البحرين بعد أن سعى له رفاقه القدامى عند بعض “الشيوخ” بتهيئة ذلك وتأمين وضعه.

الرواية للكاتب البحريني الشاب يوسف حسن، وقد حرصت على قراءتها لسببين رئيسيين، أولاً لأن كاتبها صديق عزيز جدًا، ثانيًا لأنها تتكلم عن شيء من تاريخ بحريننا الحبيبة، ونضالات شعبها.

احترت كثيرًا في تقييم الرواية، فهي جاءت مختزلة ومختصرة جدًا، فيها قصة ولكن ليس فيها إلا القليل من “الأدب” إن صح التعبير، وكأنها عبارة عن رؤوس أقلام لقصة فيلم قدمها كاتب لمنتج، ولكن في الوقت نفسه في هذه الرواية القصيرة، ورغم ما تفتقر إليه من جماليات وأجواء يود القارئ عادةً أن يعيشها عندما يقرر قراءة رواية، رغم ذلك إلا أن فيها قصة كما ذكرت، وليست أي قصة، تُسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ البحرين الحديث، ومن الحراك الحي المقاوم للاستعمار فيها.

من يقرأ الرواية يتذكر المسلسل البحريني العظيم (سعدون)، وكأن الرواية تحكي الفصل الثاني من قصة سعدون.

وبمناسبة الحديث عن مقاومة الاستعمار البريطاني، من المناسب التذكير هنا أن البحرين استقلت 14 أغسطس 1971، وقد مرت ذكرى هذا الاستقلال قبل أيام مرور الكرام على الإعلام الرسمي، بل أن كثيرًا من الشباب لا يتذكر هذا التاريخ ولا يعني له شيئًا، وهذا لا يقتصر على البحرين وحدها، بل كل دول الخليج. وأقول صادقًا، لا أدري لماذا أثار هذا الأمر انتباهي هذا العام أكثر من أي عام سابق، وأنا الذي بلغ عمري خمس وثلاثين عامًا! بحثت في الانترنت عن (دول لا تحفل بعيد استقلالها)، فحصلت على هذا الموضوع (دولة لا تحتفل بعيد استقلالها)، فابتسمت وقلت، هذا ليس صحيحًا، نحن لا نحتفل بذكرى استقلالنا أيضًا.

وقد سألت بعض الأصدقاء، لماذا لا نحتفل بيوم الاستقلال، فجاءتني مجموعة من الإجابات، كانت أكثرها إثارة (وهل دولنا مستقلة؟). هذه الإجابة ذكرتني بتساؤل آخر، كان ولا زال يتردد صداه بعد أن طرحه أحدهم: (ماذا سنخسر نحن كشعوب لو رجع الاحتلال البريطاني المباشر للمنطقة؟!).

“صالح” وإن كانت رواية قصيرة جدًا بإمكانك أن تُنهيها في يوم واحد، إلا أنها تضيء منطقة شبه مُعتمة من تاريخنا الوطني، فخيوط حكايتها لم تكن من نسج الخيال..!

الرواية متوفرة في متجر كيندل.

أول وآخر شرده

20151207_133427-01

أخيراً اقتنعت، فذهبت إلى آخر الساحة الرملية بالمدرسة (الهداية الخليفية) وخلف غرفة محوّل الكهرباء، تسلقت السور بمساعدة أحدهم، لأقفز إلى الجهة المقابلة، الشارع العام. لم أفعلها من قبل، وفعلتها فقط لأنعم بوجبة إفطار لذيذة: سندويش مكس “فول وطعمية” ساخن من مطعم (بو نواس)، الواقع في شارع “اليواعه” بالمحرق!

أنتظر الطلب لألتهمه بشراهة، وشعور غريب يلمؤني بالحرية، فأنا خارج أسوار المدرسة قبل نهاية ساعات الدوام، وإذ بسيارته البيضاء الصغيرة أراه قادماً من بداية الشارع، كان بإمكاني الهرب قبل أن يصل، ولكني وقفت كالأبله في مكاني. أوقف سيارته أمام المطعم، نزل وفي يده ورقة بيضاء وقلم، طلب مني بابتسامة عريضة: “قول لربعك الي داخل يطلعون”. وفي الحقيقة لم يكونوا أصدقائي، إنما جمعتنا تلك “الشردة”، فقلت: شباب.. طلعوا طلعوا. فخرج اثنان أو ثلاثة من مطبخ المطعم، وسأل الجميع أسماءهم ليُدونها في ورقته البيضاء، أما أنا فدوّنه دون أن يسأل، لأنه يعرفني جيداً رحمه الله. كان أستاذ الرياضة الفاضل، محمد الماجد.

دخلنا بعدها المدرسة كما خرجنا منها، عبر السور، وبعد الحصة الرابعة ركضت أبحث عنه، وجدته أخيراً في الصالة الرياضية، رجوته شطب أسمي من الورقة، فقال: لم تعد معي، هي مع المدير المساعد. ليتها كانت مع المدير وليس المدير المساعد، فقد كان حينها خالي محمد عبدالرحيم فلامرزي مديراً مساعداً لمدرستنا “العريقة”، الذي ما إن قرأ أسمي وجّه: هذا أول طالب تستدعون لي ولي أمره.

في اليوم الثاني، وفي السيارة، كان أبي عادياً جداً، وقبل أن ينزل معي إلى المدرسة قال: ما راح أسوي لك شي، بس هذي أول مرة وآخر مرة يستدعوني، فاهم؟. رددت: إن شاء الله. ولم أكرر التجربة بعدها.

هذا الموقف الذي التقطته بالهاتف قبل يومين في البحرين، استدعى تلك الذكرى!

وتر (حلقة تجريبية)

أطلُّ عليكم عبر قناتي الجديدة “وتر”
لأدُقَّ خلالها عزفاً سريعاً
على وترٍ في كل مرة

أسأل الله أن يوفقني في اختيار الأوتار التي تعكس ترانيم المواطن
وأن يكون عزفي إضافة بسيطة لسيمفونية تطوّر الوطن وتنميته

تابعوني، ولا تبخلوا علي بأي ملاحظة أو مقترح.

أسواق الميقات

20150920_211649

أمام هذه اﻷسواق تمتد ساحة لمسافة مئة متر تقريباً، تملأها السيارات، وتسوّرها أبواب بيوت اﻹسكان من ثلاث جهات، هذه الصورة تُشكّل الجهة الرابعة. آخر الساحة، في الجهة المقابلة لﻷسواق، يقع بيت أبيض، كان ينتصب أمامه كرسيان خشبيان متقابلان، كانا شاهدين على الكثير من حكايا مراهقتنا أنا وأصدقائي خلال المرحلة الثانوية.

كنت آتي إلى هنا بالدراجة كل يوم، وأجلس مع أصدقائي بالساعات.. تستغرق المسافة من بيتنا حوالي دقيقتين إلى ثلاث.

قلب أحدهم تعلق بابنة الحي، ينتظر طويلاً خروجها من البيت مع أختها لتذهبان إلى هذه اﻷسواق، لا أدري سر إعجابه بها، كانت أختها أكثر نعومة في رأيي!

وآخر كان ينتظر مرور حبيبته هي اﻷخرى بالسيارة، ليلمحها وهي تجلس بجانب أمها. تتعمد أن تطلب من أمها الذهاب إلى اﻷسواق يومياً، فقط لكي تراه لبضع دقائق، أو ثواني!

لم يكن سهلاً عليهما أن يعلما موعد خروج هذه أو مرور تلك، لم تكن الهواتف بحوزة الجميع كما اﻵن، ولم يكن الانترنت قد خرج من مقاهيه الشحيحة بعد ليستقر في كل كف.

كان كافياً لخالد بوحمود (رحمه الله)، إداري فريق كرة الطاولة بنادي البحرين سابقاً، أن يلمحني هناك مراراً وتكراراً ليؤكد لي بعدها مُعاتباً مرة بعد مرة: أنت لم تنقطع عن التمارين ﻷنك مشغول بالدراسة كما تدّعي.

رحم الله جدة صديقي فهد السيد، صاحبة المنزل، كانت امرأة فاضلة، تجمعنا كثيراً، ويُسعدها إن قررت أن أتناول وجبة الغداء عندها. أم الجميع. اللهم اغفر لها وارحمها وأسعدها، آمين.

كبرنا نحن، وكبر حجم هذه الأسواق أيضاً. غريب كيف كان هذا المكان يضج بالحكايا والمشاعر، وأصبحت اليوم أمر عليه مروراً خاوياً.. اليوم فقط عندما توقفت هنا لشراء بعض الحاجات، وليس من عادتي أن أفعل، قررت أن ألتقط صورة وأن أكتب شيئاً.

20 سبتمبر 2015

تطمينات وزير المالية غير مُطمئنة

وزير المالية

نشرت جريدة الأيام الأربعاء الماضي لقاءً مع وزير المالية، تسبق فيه إبتسامة الوزير الواثقة تطمينات صرّح بها، ورغم أن اللقاء كان عبارة عن سرد لعدد من المشاريع بالإضافة إلى كلام إنشائي عام، إلا أن لي تعليقين أود مشاركتكم إياهما.

قال الوزير: “تقلص إسهام قطاع النفط والغاز من %44 عام 2000 إلى %21 عام 2014” !!

وبالعودة للأرقام أنقل لكم هنا ما جاء في ملخص مشروع قانون الميزانية للسنتين 2015 و2016 مع الأرقام المقارنة للسنتين 2013 و2014.

الإيرادات

 أخذت الجدول من المشروع المشار إليه أعلاه، والمنشور في موقع مجلس النواب، وأضفت السطرين الأحمرين لمعرفة نسبة إسهام إجمالي إيرادات النفط والغاز في الميزانية العامة (1)، أو نسبة إسهام صافي تلك الإيرادات في الميزانية (2)، والرقمين أبعد ما يكونان عن الرقم الذي ذكره الوزير.

سيُفسر مُفسر الأرقام تفسيراً آخر لتكون تماماً كما صرح بها الوزير، وأنا درست المحاسبة وعملت قليلاً في هذا المجال، وأعرف كيف يمكن أن تختلف التفسيرات وتختلف الأرقام بناءً على كل تفسير، فيختار صاحب الشأن التفسير الذي يُظهر الرقم الذي يشتهي. ولكن مع عرض الأرقام (المادة الخام) يستطيع الباحث عن المعلومة أن يجدها بعيداً عن مثل هذه المراوغات. إن نسبة إسهام قطاع النفط والغاز أكبر بكثير من التي ذكرها الوزير. من المؤكد أن الوزير استبعد صناعات مرتبطة بهذا القطاع ليوردها تحت بند آخر، ونحن نقول إذا كان الأمر كذلك، فلتنعكس نفس “الحسبة” على الميزانية حتى يكون هناك تناغم بين تصريحات الوزير والأرقام الواردة في الميزانية التي تعدها وزارته.

أمر آخر لفت انتباهي في المقابلة هو قول الوزير: “السياسات الاقتصادية لحكومة المملكة قادرة تماماً على التعامل مع التحدي المرتبط بالدين العام والعجز المالي من خلال تصور متكامل يشمل حزمة من الإجراءات والتدابير“.

وهنا السؤال المهم، أين هو التصور الكامل؟؟!! إذا كان النواب في مجلسي النواب والشورى بُحّت أصواتهم وهم يقولون بأننا بحاجة إلى استراتيجية واضحة للتعامل مع الدين العام الذي قفز إلى أرقام كبيرة جداً، والتي بات من الواضح أنه خطر حقيقي يهدد مستقبل المملكة واستقرارها ليس الاقتصادي فقط بل الاجتماعي والسياسي أيضاً. قد يكون هناك تصوراً واضحاً سيتم تمريره ببصم أعضاء الشورى والنواب شيئاً فشيئاً، أما العرض الكلي الواضح والصريح للتصور، فهذا قد يكون بعيد المنال، لأنه بطبيعة الحال مُربك!

السؤال الأهم، أين رؤية البحرين 2030؟ هل من update عليها؟ مجلس التنمية الاقتصادية.. صباح الخير 🙂

للإطلاع على اللقاء كاملاً: هنــا

تأجيل إعادة توجيه الدعم للحوم

ترحيب بقرار رئيس الوزراء

اترك عنك عزيزي القارئ الإشادات والتطبيل الذي جاء في الخبر أعلاه، ففي تفاصيل الخبر الثاني والمنشور في صحف اليوم تجد تصرح النائب ماجد الماجد:

  • أعضاء مجلس النواب في اللجنة رفضوا استكمال الاجتماع مع الوفد الحكومي، وتم رفع الاجتماع دون الخوض في التفاصيل، حيث أكد النواب للوفد الحكومي أن قرار رفع الدعم عن اللحوم بحاجة لاتفاق مع مجلس النواب.
  • اللجنة ترى أن الوفد الحكومي حضر الاجتماع وأراد أن يفرض سياسة الأمر الواقع على المجلس النيابي، ومن دون التنسيق مع مجلس النواب، كما أن الوفد الحكومي يريد أن يرسل عددا من الوزراء في كل اجتماع ليحدد بنفسه أجندة الاجتماع، دون التشاور مع النواب، وهذا أمر غير مقبول إطلاقا.
  • اللجنة تتساءل عن سبب غياب الوزير المعني برئاسة الوفد الحكومي، ولماذا لا تقوم الحكومة بتحديد انعكاسات العائدات والفوائد وحجم تنمية الإيرادات بما يعود على المواطن مباشرة والحياة المعيشية، وفق دراسة مستفيضة شاملة، وعدم تجزئتها.

تخيلوا.. موضوع كبير مثل إعادة توجيه الدعم الحكومي للحوم، كانت تنوي الحكومة أن تمرره سلامٌ سلام بدون مشاورة الشعب (البرلمان هنا) !!

إن التأجيل كان أمرٌ لا بد منه، وواجب السلطة التنفيذية أن ترجع للسلطة التشريعية وتتشاور معها، خاصة في أمر كهذا يمس حياة المواطنين بشكل مباشر. نقول هو واجب وليس تفضُلاً، ويجب أن تعي السلطة التنفيذية ذلك، وأن تتأقلم عليه.

أعزائنا المحترمين في السلطة التنفيذية، سياسة “اشفهمكم”.. و”نجوف شي ما تجوفونه”.. يجب أن تنتهي، واستمرار تعاملكم بهذه “الفوقية” مع الشعب أمر يدعو للخجل في ظل التصريحات الرنانة حول الديمقراطية التي نعيش!

نشكر هنا النواب الذين رفضوا عقد الاجتماع.

hgk,hf النواب يرفضون