نيتفليكس ينير عقول العامة، وينشر وعياً أساسياً بين الناس بعدد غير قليل من الأعمال الدرامية المميزة، وهي الأعمال الأكثر تأثيراً في مخيال الناس في وجهة نظري غير المسنودة بأي إحصاءات علمية. لذلك أنا من الناس الذين يسعدون كثيراً برواج مسلسل قصير أو فيلم مثل WHEN THEY SEE US المكون من 4 أجزاء، ويسرهم تأثر الناس به. الفيلم الذي يكشف فساداً عظيماً لا يأبه بحياة البشر، فساداً قد يكون موجود بيننا، ربما لا نعرف عنه الكثير، ليس لأنه غير موجود، بل لأننا لم نكن ضمن ضحاياه، أو لم يُكشف بعد.
أقتبس لكم من المسلسل القصير هذا الحوار بين المدعية العامة Elizabeth Lederer والمحامي Mickey Joseph والذي جاء في أحد أروقة المحكمة، بعد عدد من الجلسات:
- هل استدعيتني إلى هنا للاعتذار؟
- أعتذر عن ماذا؟
- تقولين إن دليل الحمض النووي لم يكن حاسماً. وهذا ليس تصرفاً نزيهاً كما اتفقنا.
- نزيه؟ ما معنى هذه الكلمة أصلاً؟
- لا أعلم، شيء يتعلق بالعدالة حسبما أظن.
- لم تعد المسألة تتعلق بالعدالة أيها المستشار. بل تتعلق بالسياسة، والسياسة هدفها الأول النجاة، والنجاة أبعد ما يكون عن الالتزام بالنزاهة.
- النجاة بأي ثمن؟ لا يستحق هؤلاء الأولاد دفع الثمن..
- لا أرغب في نقاش فلسفي..
- لماذا إذاً؟ لماذا أنا هنا؟
- طلبت منك القدوم لمناقشة صفقة.
يقول Joshua Jackson الممثل الذي أدى دور هذا المحامي في لقاء أوبرا الذي تناول هذا العمل: (لكن ما تعلمته عن نظام العدالة هو أن التسمية غير ملائمة).
أعلن في وقت سابق أعلن ناشر ليندا فيرستين (محامية أمريكية ومدعيا عاما سابقا فى مدينة نيويورك، وكانت تركز على جرائم العنف ضد النساء والأطفال، ورئيسة وحدة الجرائم الجنسية فى مكتب المحامى فى مانهاتن من عام 1976 حتى عام 2002) والتي تولت قضية فتيان السنترال بارك الخمسة حينها، وصارت مؤلفة روايات لاحقاً، أعلن ناشرها تخليه عنها، وعدم نشر أية روايات جديدة لها، وفى نفس السياق، تم الإعلان عن إسقاط عضوية الكاتبة من مجالس الجمعيات الخيرية، وإجبارها على تقديم الاستقالة.
أما عن الرئيس ترامب الذي قال قبل ثلاث سنوات أنه لا زال يعتقد بأن الرجال الخمسة كانوا مذنبين، رفض الاعتذار عن الإعلان على الصفحة كاملة الذي نشره في 1989 يدعو إلى إعدام مراهقين متهمين أطلقوا عليهم اسم سنترال بارك فايف – والذين تم العثور عليهم في نهاية المطاف بريء وتم تبرئتهم في 2002.

يقول يوسف سلام، أحد المظلومين الخمسة، في لقاء أوبرا الخاص بالعمل: (خرجنا من تحت سيطرة النظام في أواخر العام 2002، رفعنا الدعاوى القضائية لتحصل على نوع من العدالة التصالحية. تطلب الأمر 12 سنة أخرى حتى يقوم الحق العام بالاهتمام بالدعاوى القضائية). وتعلق الكاتبة والمخرجة والمنتجة أفا دي فيرني فوراً: (إلا أنهم لم يعتذروا قط. لم يعتذر أحد للرجال أو عائلاتهم على ليس على ما حصل بل ما فعلوه)!

وتعقيباً على إنكار ليندا فيرستين وأنها لم ترتكب خطأً، تقول صاحبة العمل أفا دي: (لم أتفاجئ من الرد، من المهم أن أعتقد أنه أمر متوقع … من المهم أن يتحمل الناس مسؤولية أفعالهم. وهذه المسؤولية تحصل بطريقة ما اليوم لم تحدث مع الأشخاص الحقيقيين منذ 30 عاماً. أعتقد أنها كانت لتكون مأساة إن كانت هذه القصة وسردها، تتعلق بامرأة واحدة وما فعلته، لأن الأمر لا يتعلق بها. إنها جزء من نظام ليس فاسداً إنما بُني ليكون كذلك. تم بناؤه هكذا.بُني ليقمع وبُنيَ ليسيطر، بُنيَ ليُهندس حضارتنا بطريقة معينة … إنه يتغذى من جهلنا ولا يمكننا أن نظل جاهلين. لذا فإن الهدف الحقيقي من هذا هيا أميركا، فلنفعل هذا، فلنغير هذا، ولا يمكنكم تغيير ما لا تعرفونه).
مثل هذه الأعمال تذكرني بسؤال يتردد بين حين وآخر، هل أنت مؤمن بالديمقراطية؟ ألا ترى الجرائم والفقر والظلم الواقع في دول تدّعي الديمقراطية مثل أمريكا. والرد قد يطول لأن السؤال ينطوي على ثنائية يراها البعض متلازمة، إما استبداد ورخاء، هذا إذا سلمنا بأن الجميع في رخاء، وإما حرية رأي وتعبير وتضحية بالرخاء، وهذا باطل، ولكن نعود.. تذكرني هذه الأعمال وردود الأفعال التي تُحدثها بذلك السؤال، لأجيب: (لا نريد الديمقراطية التي تتبادر في ذهنك، ولكننا نريد حرية رأي وتعبير كهذه، حرية إنتاج أعمال درامية، تنتقد نظاماً قائماً، تسلط الضوء على ظلمه، وتدعو علانيةً إلى تغييره). والنظام هنا بمعنى system، لأن النظام باللغة العربية تدل أكثر على شكل نظام الحكم والأشخاص المتربعين على قمته، بينما “السيستم” تعني لدينا التفاصيل دون شكل النظام ودون من يقف على هرمه، أو من يقفون على هرمه، وبالتالي أكثر سلامة حتى.. ربما!
سؤال: لو قرر منتج العمل على مسلسل كمسلسل سعدون اليوم، هل سيرى النور؟ هل تقدمنا في مجال حرية الرأي والتعبير ومناقشة الهموم الوطنية أم تأخرنا؟