ليست مجرد تجربة (10)

أزمة التسجيل !

   خلال فترة العطلة الصيفية، ربطت نفسي بعقد عمل مؤقت لمدة ستة أشهر مع مصرف الشامل، ومن يعمل في مجال البنوك والمصارف، يعلم كيف العمل في قسم العمليات ( Operation) في هذه المؤسسات، حيث كنت أعمل، يقتل الوقت قتلاً، ويجهز على ما يملك الإنسان من طاقة إجهازاً! فأصبحت بين خيارين، إما أن أعمل، وأكمل دراستي مساءاً، خاصة وأن نسبة فرصة التثبيت في العمل كانت 100% تقريباً، وإما أن تنتهي فترة العطلة الصيفية، وأنهي عملي قبل انتهاء مدة العقد بثلاثة شهور وأرجع للدراسية الصباحية في الجامعة.

   لذلك، ضغطا علي، الكواري ومطر، كثيراً لترك اللجنة الخدماتية للزميل صادق الشعباني، خوفاً من فشلي فيها، فقد كانت ثقتهم في طالب جديد على العمل الطلابي متضعضعة، ومن ناحية أخرى، لأنهم وجدوا أن فرصة ترك الدراسة الصباحية والعمل في المصرف كبيرة جداً، وهذا يعني أنهم لن يروني في الجامعة أبداً، سوى وقت الاجتماعات الاعتيادية، ورغّبوني لأنزل عند رغبتهم بمنصب الأمين المالي، وما دور الأمين المالي في هيئة لا تملك التصرف أبداً في ميزانيتها؟!

مع نهاية العطلة الصيفية، نظّمت دائرة شئون الموظفين بالمصرف رحلة لجزرحوار، وفي طريق العودة، على القارب الأبيض، ومع راحة النفس وسط الأفق المغمور في ماء البحر من كل جهة، اتخذت قرار ترك المصرف الذي عملت فيه لمدة ثلاثة أشهر، ولم أطق أن أستمر أكثر لطبيعة عملي فيه! لم يكن طموحي يوماً أن أصرف الساعات الطوال والجهد الكبير، في النظر والتدقيق في الأرقام، وتحويل الحسابات، والتأكد من صحة المبالغ، وغيرها من أعمال مضنية تؤدّى بعيداً عن إعمال الفكر ومقابلة الناس. أليس هذا الكلام غريب أن يصدر من طالب محاسبة!

   يوم العودة من الرحلة كان اليوم الأول من أيام فترة الحذف والإضافة للفصل الأول من العام الدراسي 04-2005 ، وكثر السؤال عن رئيس لجنة الخدمات في أول امتحان له، وكان يغطي مطر على صاحبه المستمتع في رحلته، برده على السائلين: (إنه مريض!).

   فترة الحذف والإضافة من أكثر الفترات التي يحتك فيها أعضاء المجلس بأعداد كبيرة من الطلبة، وذلك لأن فيه تكثر المشاكل، وبعبارة أدق، تبرز المشاكل أكثر من أي فترة أخرى، فحري على المجلس أن يكون متواجداً لمساعدة الطلبة، والسعي لحل المشاكل التي قد تصادفهم خلال عملية تسجيل المواد. تتولى لجنة الخدمات مهمة تنظيم عمل المجلس خلال هذه الفترة.

   في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي، أيقظني اتصال: (وينك الحربان؟). وكان صوتي المرعب يكفي للإجابة على سؤاله. أضاف المتصل: (ألحق، هناك مشكلة كبيرة جداً في التسجيل، لقد تم حذف المواد من جداول الطلبة!). هرعت لتأدية الطقوس "الحمامية" الصباحية، المفروضة عليّ من جسدي، النحيف ذلك الوقت! ولبست ثيابي وطرت إلى الجامعة.

   قبل وصولي إلى هناك تلقيت اتصالاً من أحد أنشط أعضاء المجلس، يخبرني فيه عن نيته لتنظيم اعتصاماً أمام مكتب رئيسة الجامعة، احتجاجاً على ما جرى (حذف المواد المدرجة في جداول الطلبة) وما سببه ذلك من أزمة وإرباك، فطلبت منه أن يكف عن هذه الفكرة، إلى أن أصل للجامعة وننظر في الأمر. ذهبت للصالة الرياضية، حيث مكان التسجيل في فترة الحذف والإضافة. أحد الأعضاء أشار علي من بعيد، دون أن ألحظ، وقال مخاطباً طالبتين: (هذا هو رئيس لجنتكم)، زهرة وفاطمة، تطوعتا في العمل في اللجنة من اليوم الأول، وانصدمتا من رئيس اللجنة، بالأحرى من شكل رئيس اللجنة! أخذت معي مطر والكواري وذهبنا إلى مكتب عميد القبول والتسجيل، الدكتور عيسى الخياط.

   شرح لنا الخياط أسباب الأزمة، وكيف أنه اضطر لاتخاذ قرار حذف المواد من جداول الطلبة، بعد أن أصبح هناك نقصاً غير متوقعاً في عدد الأكاديميين! حتى يتمكن بعدها من إعادة إضافة المواد للطلبة، مع ضمان حصول كل طالب على أربع مواد على الأقل، وهو ما يجب أن توفره الجامعة لكل طالب في الفصل الواحد. بعدها عقدنا اجتماعاً عاجلاً لجميع أعضاء المجلس، وأخبرتهم بأنه لا شك عندنا في تقصير إدارة الجامعة، على الأقل في متابعة موضوع الكادر الأكاديمي من الأساس، ومهما كانت الأعذار فالجامعة لديها من الجهاز الإداري والتنظيمي، ما ينبؤها بالأزمة قبل حدوثها، المفروض! وسألت الأعضاء: (هل تودون أن نتفرغ للطلبة ومشاكلهم ونحاول قدر الإمكان التخفيف من تبعات هذه الأزمة، أم نتفرغ لمقارعة الجامعة وفضح سوء إدارتها في هذا الظرف؟). وكان الإجماع دون نقاش على الخيار الأول. وهكذا طار الاعتصام المقترح من قبل صاحبنا في أدراج الريح، طبعاً بقناعته التامة!

   وبدأت تجربة مفيدة وممتعة في نفس الوقت مع عميد القبول والتسجيل. كيف تعامل المجلس الطلابي مع إدارة الجامعة المتمثلة في هذا العميد الفاضل خلال هذه الأزمة؟
كان العميد يتواصل مع أربعة من الأعضاء، رئيس المجلس، عبدالعزيز مطر، ونايف الكواري، وصاحب فكرة الاعتصام، وأنا. أما مطر والكواري فقد تجنبا الدخول في نقاش حقيقي مع الدكتور طيلة تلك الفترة، خوفاً من توتر علاقتمها معه، فقد كانوا يأملون في الحصول على مقترحات ومشاريع منه يضيفونها في نهاية دورة المجلس إلى سجل انجازاتهما، ويؤسفني أن أقول بأنهما خرجا من المولد بلا حمص! رغم الوعود والأماني التي حصلوا عليها.

   أما صاحبنا الآخر، الذي كان سيقود اعتصاماً في الصباح، فقد وكّلَ نفسه بالليل محامياً عن الإجراء الذي اتخذته إدارة الجامعة، وقام يبرر ويعلل فعلتها في المنتديات الالكترونية، بتوجيه من الدكتور، وهما يدخنان "الشيشة" في أحد المقاهي! يتوجب علي أن أسجل هنا اعترافاً بدهاء هذا العميد الذي استطاع أن يُسكت هذا المشتعل غضباً وحماسةً، ويجعله في جيبه -كما يقولون- بهذه السرعة!

   أما أنا فقد كنت إذا قال العميد: (لقد تم تسجيل أربعة مواد لهذا العدد من الطلبة)، أباشره بالسؤال: (وماذا عن الباقي؟)، فلحظ العميد حاجتي للترويض أكثر من غيري، خاصة بعد أن صرحت في إحدى الصحف (سيعقد مجلس الطلبة لقاءاً صحفياً حول الأزمة بعد انتهاء فترة الحذف والإضافة مباشرة، وسيقف على أسبابها وآثارها). قامت القيامة ولم تقعد عند العميد، رغم أنه لا يتحمل كثير من أسباب هذه الأزمة، ولكنه كان حريصاُ كل الحرص لإخماد أي تحرك يضخم من تبعات ما حصل، حاله حال أي إداري في أي مؤسسة، حكومية خاصة.
 
   وبدأت سيل اتصالات العميد لكبح جماح هذا المندفع. دون مبالغة كانت الاتصالات تصل في بعض الأيام إلى عشر اتصالات. وهروباً من المواجهة، أو أي محاولة للتخفيف من الموقف، تعمدت عدم الرد على العميد. فلجأ العميد لرئيس المجلس، وضغط عليه ليقنعني بالعدول عن هذه الفكرة المجنونة في نظره! وكنت أطمئن رئيس المجلس بأن اللقاء الصحفي لن ينعقد، ولكن لا بد أن نتقن لعب الأدوار! أظن هكذا تزداد مكانة ممثلو الطلبة عند الإداريين!

   ومنذ ذلك الحين، ولا أدري إلى أي حين، وصورة الشاب المتهور المندفع الذي لا يزن الأمور قبل أن يقدم عليها، هي المرسومة في ذهن العميد عني، ولا أدري من الذي رسمها، هو أم أنا؟! ولكني لا زلت مقتنعاً بأنه كان يقوم بما يجب أن يقوم به، وكذلك أنا.

 

 

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

8 تعليقات على “ليست مجرد تجربة (10)”

  1. اخيييييييرا وبعد غياب شهور رجعت لمذكراتك

    بصراحه وبدون مبالغه كان المقال حددده مشوق… كنت ابي اعرف شنوا كان دور المجلس في الازمه الي صارت ذيج السنه

    الله يعطيك العافيه، وناطرين تكملت المقال بفاااارغ الصبر 🙂

  2. اخييييييييرا وبعد غياب طويل دام شهووور رجعت لمدوناتك

    بصراحه وبدون مبالغه كان المقال حدددددده مشوق… كنت ابي اعرف شنوا كان دور مجلس الطالبه في ذاك اليوم

    الله يعطيك العافيه، وناطرين تكملت المقال بفارغ الصبر 🙂

  3. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته اسمحلي اخي احمد الحربان عن موضوع طلعنا من المولد بدون حمص في اعتقادي احنه حصلنا على التبوله والحمص بتقولي اشلون اشرح لك حبيبي اشصار تتذكر التسجيل ما اظن حصلنا على اي سبورت من التسجيل اكثر من ما حصلنا عليه في عهدي فكانوا قد وفروا لنا موظف يقوم بالاعمال التي نحتاجها لنا وكنا نتصل بالطلبه في البيت لتسجيلهم فأي شيء كنا نريده اكثر فأنا اذكر في وقت خلافتك للمجلس وغيرك من بعدي لم تكونوا اصحاب اهميه في التسجيل وقتها ليس تقليل من شأنكم كلا بل اثبات ان خرجنا بالحمص و التبوله وجزاك الله خير وبارك الله فيك فأنت تعلم يا أخي احمد الحربان كم انا احبك في الله والى الامام وجزاك الله خير انتظروا مذكراتي بعنوان مقالب الجامعه في الكتل الطلابيه عبد العزيز مطر

  4. أخوي عبدالعزيز مطر
    مشكور على المرور والتعليق

    عزيزي صح كلامك.. بس أنا ما قصدت هذي التسهيلات الي ذكرت شيء منها (واربط التسهيلات مع الأزمة!).. أنا قصدت مشاريع.. مثل تعديل في لوائح التحويل ما تحويل.. شيء من هالقبيل..

    أما المساعدات العادية.. فكلامك صح.. كانت أكثر من الدورة الي بعدها..
    يمكن لأن كانت أزمة.. فكان العميد يبي يسهل وايد علينا لنقوم بدورنا بالشكل المطلوب

    بانتظار مذكراتك 🙂

  5. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

    من الجيد معرفة ما دار من وراء الكواليس إثر هذه الحادثة التي ألمت بنا نحن الطلبة.. و التي كان بدورها – خربطة – ترتيب أوراق طريق التخرج..

    على الرغم من أن أول درس لنا في الmanagement هو الplanning.. لكن على ما يبدو أن عمادة و القبول و التسجيل لم تحضر درس الlong-term planning !!!

    و الحمد لله أن الخبرة أكسبتهم فنون إدارة الأزمات .. و تمكنوا بفضل من الله من درء المخاطر عن أكبر عدد ممكن من الطلبة المتضررين..

    >

    * همـــــ الــــــروح ـــــــس *

  6. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

    تحياتي لك يا احمد وللأخ العزيز الذي فقدته من سنوات ولم التقي فيه، وهذا الاخ هو عبدالعزيز مطر، اتمنى منك التواصل مستقبلا..

    اما عن موضوعك يا احمد .. لقد عاصرتو فترة من فترات الجامعة ،، لم نعش فيها ، ولكن لكل زمان رجال وهموم ,, فمثل ما لديك قصص وروايات مع الإدارة العليا للجامعة ،، فنحن عشناهه وانا اشاطرك الراي في مجمل كلامك .. كان هناك قصور واضح من الجامعة ولكن مع الاسف هناك دائما ما يجعل لتلك اللحظات بريقاً ، بمعنى آخر هناك ما يجعل الجامعة مدينة فاضلة كأمثال الأشخاص الذين ذكرتهم ولك تحياتي.

  7. جميلة هذه المواجهة
    على الأقل كانت سببا في تثبيت حضوركم
    في أول اختبار حقيقي لكم

اترك رد