أولى الاجتماعات الرسمية، في أول محطات الرحلة، واشنطن دي سي، التقينا بثلاث نساء ورجل، عرضوا لنا خدماتهم النبيلة المشكورة، الساعية لحرث تربة الشرق الأوسط، تلك التربة القفرة القاحلة، التي لا تستوعب بذور الاصلاح والتطوير إلا بعد عمليات الحرث الشاقة، ولهؤلاء من مقرهم المتواضع في واشطن دي سي، وبمساعدة فروعهم في بعض الدول العربية، لهم من عملية الحرث هذه حظٌ ونصيب.
من هناك، يرسمون الخطط ويضعون الخطوات العملية، لأجل من؟ لأجلي وأجلك أيها القارئ الكريم، إنهم يجدون ويجتهدون لحياة أفضل، لي ولكَ ولكِ، حياة العدل والمساواة، حياة الحرية والكرامة، حياة في ظل حكم رشيد!
ولكننا نحن المتخلفون، لا أدري لماذا نعتبر هذه الخدمات الجلليلة المجانية تدخلاً في شئوننا الخاصة! أرأيتم أناساً جائعون، لا يعرفون كيف يزرعون، فضلاً عن أن يحرثون، وفي هذا الوضع المأساوي المزري، مساعدة الغير يرفضون!
بعد دقائق من بداية الاجتماع، دخل الأستاذ فوزي جوليد، وجلس مستمعاً قريباً من الباب، آه.. جهز سؤالي الآن: (تعتبر بعض الدول جهودكم تدخلاً في شئونها الداخلية الخاصة، ومثال على ذلك ما حصل للأستاذ فوزي جوليد في البحرين، فقد كان وجوده غير مرغوب فيه.. أتمنى أن يبين لنا ما حصل له هناك). لم أسمع تعليقاُ من جوليد، وسمعت من إحداهن إقرار بصحة وجود هذه النظرة لدى بعض الدول. سألت عن جوليد قبل مغادرة المبنى. عنده اجتماع مع امرأة سعودية. السعودية، حيث الأرض الأكثر وعورة. من المؤكد أنهم يعملون في حرثها، من المؤكد أنهم يجتهدون أكثر من غيرهم! أعانكم الله يا الشعب السعودي! عليهم وعلى غيرهم!
نكتة "دسمه" قالتها إحدى الثلاث، وهي العربية الوحيدة بينهم، مغربية، قالت: (نحن لا نأتي بأجندة، لا نفرض شيئاً على الناس، مجرد نساعد الناس على تنظيم أنفسهم، وكيف يمارسون السياسة…) يا لها من "مجرد" بريئة! لم نضحك كعادتنا بعد سماع النكت، ربما لأن النكتة قديمة قِدَم "آخر كم؟؟.. كم آخر؟؟". بالمناسبة، تعتبر الولايات المتحدة المغرب مثالاُ تطلب من الدول العربية الاحتذاء به، ومن يعرف أن مستشاري الملك المغربي يهود، لا يستغرب هذه المعلومة.
مداخلة أخيرة، سعيت كما أسعى دائماً لتكون من نصيبي: (أنتم تُعلمون الناس الديمقراطية، و"حماس" أنتخبت بكل ديمقراطية، والآن أصبحت "حماس" حركة إرهابية! لذا أقترح أن تكون هناك منظمة NRI، National Respect Institute ، نسعى من خلالها لتعليم الأمريكيين أن يحترموا خيار الشعوب الأخرى!).
سادت ثواني من الصمت، ثم قالت واحدة من الموظفات، منسقة مكتب المعهد في البحرين مستقبلاً، نحن نعمل بالوزارة الخارجية الأمريكية، وعندما تصنف حكومتنا إحدى الجماعات أو المنظمات على أنها إرهابية، فلا يمكننا نحن تغيير ذلك، وبالتالي لا يمكن أن نتعامل حتى معهم. شعرت بأن التعليق صدر فقط ليكسر ثواني الصمت التي سادت قبل قليل، لا غير.
تعرض مصطفى الدباغ في كتابه (إمبراطورية تطفو على سطح الإرهاب) للأعمال الإنسانية هذه، التي تقوم بها الولايات المتحدة، باستخدام وسائل وأذرع عدة، ما معهدنا هذا إلا واحد منها: "وطالما أننا شرعنا في مناقشة برنامج محاور الاصلاحات الأمريكي وأولها محور التغيير أو الإصلاح السياسي بفرض الديمقراطية فلا بأس من الاستطراد لنجد كما رأينا في تفنيد زبيغنيو بريجنسكي لفرض الديمقراطية وزج المسلمين قسراً وبالإكراه في مدرسة الديمقراطية الأمريكية أن هناك الكثير من الآراء المضادة لما فيها آراء المسؤولين حيث انتقد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر تصريحات رايس وغيرها حول (بناء الديمقراطية) وأن أمريكا قوة محررة للدول الإسلامية غير الديمقراطية وقال: (إننا لسنا بحاجة إلى دروس من أحد) … وهذه الرؤية العربية هي رؤية غربية منصفة كذلك عبر عنها كبار المفكرين ففي لوس انجيلوس تايمز كتبت ايرا ريفييكن تقول: (من الخطأ الفادح جداً أن نحاول فرض قيم ثقافتنا الغربية وحشرها حشراً في العقول ووجدان الآخرين، ذلك أن ردة الفعل ستكون دامية ومأساوية)".
ولكن، هل بإمكاننا أن نعتبر مكاتب صغيرة هناك وهناك في الوطن العربي، المتصلة بهذا المقر المتواضع بواشنطن دي سي، آلية فرض للثقافة السياسية؟! لا أظن، إلا إذا تخيلت الضغوطات التي تمارس على الحكومات العربية، والتي تتم هندستها في مكاتب كهذه.
ثمة نقطة ملحة تقفز إلى الذهن، كلنا متفقون على ضرورة التغيير السياسي في بلداننا العربية، لماذا إذاً هذه النظرة للمساعدات الخارجية؟ وهل نتوقع من المضطهدين، الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية في بعض –بعض!- الدول العربية، غير الترحيب بهذه التدخلات والمبادرات؟ سؤال أخير، هل كلنا متفقون أساساً على ضرورة التغيير؟! هل أنا شخصياً واحد من المتفقين؟!
أهم معلومة للمستثمرين الكبار قبل أن يستثمروا ثرواتهم في شركة ما، هي معرفة أعضاء مجلس إدارة تلك الشركة كما بينت إحدى الدراسات، ومعرفة مؤهلاتهم وكفاءتهم وخبراتهم، وفكرهم الاقتصادي إن صح التعبير، أعتقد أن الأمر لا يختلف أبداً بالنسبة للمنظمات السياسية، لذا أجد من المناسب أن أنقل هنا شيئاً مما ورد في كتاب (الجبروت والجبار) لمادلين أولبرايت، رئيسة مجلس إدارة معهدنا (NDI)، وزيرة خارجية الولايات المتحدة 97-2001م، في عهد كلنتون، تقول:
"عندما غادرت الحكومة في سنة 2001، عدت إلى التدريس الجامعي، عشقي القديم. وفي جامعة جورج تاون، أعلّم مقرراً واحداً في الفصل يتقلّب بين طلبة الدراسات العليا والطلبة غير المتخرجين. وفي بداية كل مقرر، أوضح لطلابي الغاية الرئيسية للسياسة الخارجية هي إقناع البلدان الأخرى بأن تفعل ما نريد –عدنا لنكتة الأجندة-. ولهذه الغاية، يوجد لدى الرئيس أو وزير الخارجية أدوات تتراوح بين القوة العسكرية الصريحة والعمل التفاوضي الشاق جيئة وذهاباً والاستخدام البسيط للمحاجة المنطقية. ويتكون فن سياسة الحكم من إيجاد المزيج الذي يعطي أفضل النتائج. ويتطلب ذلك بدوره فهماً واضحاً لأكثر ما يهمّ من نحاول التأثير عليهم. ويترجم ذلك بالنسبة لرجال الأعمال إلى "معرفة الزبون". ويعني في الشؤون العالمية، التعلم عن البلدان والثقافات الخارجية، ولا يمكن القيام بذلك فيما تلفّ المشاعر الدينية العالم بدون أخذ المعتقدات والدوافع الدينية في الحسبان".
وفي معرض حديثها عن القضية الفلسطينية: "ونقبل المقولة بأننا لم نطلب الكثير من العرب، الذين لديهم مدن مقدسة أخرى وكثير من الأرض، بإفساح متّسع لشعب إسرائيل الصغير في المكان الوحيد الذي كان لديهم وطن حقيقي فيه".
إذا كان الأثرياء يعدلون عن الاستثمار في شركة ما بسبب اختلاف وجهات نظرهم مع أعضاء مجلس إدارة تلك الشركة، فإنهم سيجدون ستين شركة أخرى بإمكانهم الاستثمار فيها. فماذا يفعل المطحونون هنا وهناك في وطننا العربي إذا لم تعجبهم مجالس إدارة المنظمات السياسية الخارجية، وهم في أشد الحاجة للتغيير؟! خاصة في ظل ضعف المنظمات الأخرى، الإسلامية منها خاصة (انظر: أزمة سياسية إسلامية).
قدم أستاذي العزيز يوسف اليوسف عرضاً طيباً لكتاب (الجبروت والجبار)، يمكنكم الإطلاع عليه من هنــا
this is a great article , yes i remember the question about Hamas and how NDI Staff freaked out a little, i actually sent them an e-mail today asking them to send me a report about Libya ( which probably will be a bit negative lol)
as a matter of fact Libya is a country that would not be happy or will never welcome any kind of originasation that promotes any kind of reform or dialouges .. so wether i agree or don’t agree about poilitical and reform changes in my country , my sweet Goverment won’t agree at the first place to even give it a try …
and yes forcing nations to follow and join the American democratic and cultural school will end up badly with A lot of consequences …
again great Article and can’t wait to read more
Alaedeen
عزيزي احمد قد اتفق معك في الشيء الظاهر في ما كتبته ولكن اختلف معك في الجهور وبتحديد في نقطتين وهما:
1- قبل ان نتحدث ان كانت هذه المكاتب تفرض ثقافة اما لا يجب ان ننظر الأول لواقعنا لماذا لا تقوم الحكومات العربية بانشاء مكاتب دعم لمشاريع المجتمع المدني لماذا لاتقوم بارسال مهتمين في الديمقراطية لدراسة هذا التخصص وبعدها فتح مكاتب لها لتقدم العون لبقية الناس وتحل محل هذه المكاتب؟؟؟
اعتقد يجب ان نلوم انفسنا او بالاصح بما اننا لسنا شركاء في القرار السياسي ان نلوم حكومتنا اولا قبل أي شي.
2- الامر الثاني لماذا نسبق النية واذا صحت نيتنا لماذا لانفرض على هذه المكاتب ما نريد ولا نرضخ لاجندتها الخارجية ونضع طريقة العمل التي تناسبنا أليست هذه المكاتب مكاتب منح مالية لمشاريع تهتم في الديمقراطية او حقوق الانسان واذا لم نتوصل معهم الى اتفاق فالخيارة الاخرى كثيرة الامريكية والاوربية ولان ظهرت بعض المكاتب العربية ايضا مثل في ببيروت الكثير منها التي تقدم منح مالية او تساهم في نشر ثقافة السياسة قد تكون خيارتي خارجية وذلك للوضع الفقير لدينا لمنظمات من هذا النوع.
اعتقد اننا نقشنا مثل هذا الحديث في الطائرة ولكن لا مشكلة ان اطرحه لرواد مدونتك
تحياتي
أخي أحمد من الجيد أننا نستعين بالديموقراطية العغربية كمثال لكننا في الحقيقة بحاجة إلى أن نعمل على ديموقراطيتنا الأصيلة ديموقراطية الإسلام ..
الميدان صعب .. والمسار طويل لكنني قرأت عن كل ديموقراطية الغرب وعن شيوعية الشرق ولكني لم أجد مثل الإسلام ..في فترة دراستي الجامعية (أبشرك تخرجت وأعمل سكرتير تحرير لمجلة ترحب بروائعك اسمها روائع ) قرأت الكثير عن الأنظمة السياسية ربما هو جوع إلى مجهول لا أدري لكن .. لا شيء يعدل ديموقراطية الإسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا حمد لله على سلامتك…وانك عدت لنا بفضل الله وكرمه
اخي العزيز ندعوا الله ثبات على المنهج…وليس العبرة بزيارة دول الكفرة والاعجاب بديمقراطيتهم الكاذبة بل الديمقراطية الحق في الكتاب والسنة على فهم سلف الامة…وهي ديننا الحنيف الذي نفتخر به ونعتز….
كلمة اخيرة…
نسأل الله الثبات على المنهج….وفقنا الله واياك لما يحبه ويرضاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا حمد لله على سلامتك…وانك عدت لنا بفضل الله وكرمه
اخي العزيز ندعوا الله ثبات على المنهج…وليس العبرة بزيارة دول الكفرة والاعجاب بديمقراطيتهم الكاذبة بل الديمقراطية الحق في الكتاب والسنة على فهم سلف الامة…وهي ديننا الحنيف الذي نفتخر به ونعتز….
كلمة اخيرة…
نسأل الله الثبات على المنهج….وفقنا الله واياك لما يحبه ويرضاه
السلام عليكم…
خوش مقال يا احمد… الله يعطيك العافيه 🙂
وبصراحه انه اتفق مع راي اخوي احمد السهيمي، فمافي احسن ولا اعدل من ديمقراطية الاسلام… فربك سبحانه ما وضع قانون إلا ومنه حكمه.
فلا مكتب NDI ولا غيرهم بيقدرون اعلمونا شنوا الديمقراطيه مثل ما دينا قاعد اعلمنا
ننتظر المقال القادم
هذه هي سياسة العصا والجزرة التي تتبعها امريكا منذ ان بدأت تستعرض عضلاتها على العالم.