SICKO

        قد لا تصدقون، بعد دقائق من انتهاء المشهد الرائع- أعني روعة التصوير والإخراج- الذي يروي أحداث قصف بيرل هاربر من قبل اليابانيين، في عملية انتحارية رهيبة، اتصل بي صديقي، وأنا داخل صالة العرض بالسينما، يقول بصوت الدهشة والاستغراب :(أحمد جفت "شصار"؟!)، بصوت منخفض قلت: (علي أنا في السينما، "شصاير"؟!)، فقال: (تم إسقاط برجين في الولايات المتحدة بواسطة طائرتان دخلتا فيهما!)، استغراب ودهشة ممزوجين بشيء من الـ..، لا يهم! وقلت: (علي، الأميركيين يُقصفون هنا أيضاً، في الفيلم!). كانت تلك آخر زيارة لي إلى السينما، 11 سبتمبر 2001، فيلم بيرل هاربر.
     في الحقيقة لا أعلم ما هو الشعور الذي سينتابني اليوم إذا تكرر نفس الحدث، بعد أن عشنا، وبكل ذل، تبعات تلك الهجمات!
     بعد عمر أحسبه طويلاً، دخلت السينما مرة أخرى، ففي صباح يوم أمس وقعت عيناي على إعلان عرض فيلم SICKO، الفيلم الوثائقي الذي يفضح فيه المبدع مايكل موور مساوئ وظلم النظام الصحي الأميركي، ولأني أجد نفسي مهتماً بعض الشيء، في هذه الفترة بالذات، لمعرفة المزيد عن المجتمع الأميركي، ولأني معجب جداً بعمل هذا الرجل، بغض النظر عن الانتقادات التي يواجهها –بعضها بطبيعة الحال في محلها-، كان من الأهمية بمكان بالنسبة لي أن أشاهد هذا الفيلم، فسارعت بالاتصال بالسينما لحجز مقعد، ففيلم حصد مخرجه على جائزة الأوسكار، وأثار ضجة كبيرة، واليوم أول أيام لعرضه، لا شك أن المقاعد ممتازة الموقع سيتم حجزها.
     بعد محاولات مضنية، لم يجب أحد على الهاتف، فقررت الذهاب قبل فترة عرض الفيلم بمدة كافية، وصلت إلى شباك التذاكر في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءاً، ويبدأ عرض الفيلم بعد ثلاث ساعات ونصف، أي في تمام الساعة الثانية عشرة، وعند شراء التذكرة، لي ولصديقي الذي دعوته لمشاهدة الفيلم، وفي النظر للمقاعد الفارغة لاختيار اثنين متلاصقين، تبين أننا الوحيدان حتى الآن في قاعة العرض! كنت سأسأل بائع التذاكر: (أعلم أن سؤالي غبي، ولكن أعذرني فمنذ زمن طويل لم أدخل السينما، هل الفيلم مترجم؟!) ولكن فطانتي "ذكائي" منعتني من إلقاء نفسي في إحراج سخيف! وقالت لي: (أكيد مترجم يا أحمد! وهذا سؤال؟!).
     دخلنا الفيلم، وبعد دقائق، أخذت راحتي وكأني جالس في البيت، وضعت غترتي وعقالي على مقعد فارغ أمامي، في الحقيقة كانت كل المقاعد فارغة! فقط اثنان حضروا عرض الفيلم، الأول صديقي، والآخر أنا. سألت صديقي: (هل تظن أن الوضع سيكون كما هو في فيلم "عمر وسلمى" ؟)، وتساءلت، هل هذا له علاقة بوعي الناس واهتمامهم؟!
     لم أتحدث عن الفيلم إلى الآن، وهو موضوع المقال أساساً! لأني أريدكم فعلاً أن تشاهدوه بأنفسكم، وتعلموا أكثر عن هذا النظام الديمقراطي الرائع الراقي، الذي يحكم الولايات المتحدة، وكيف تديره مصالح الشركات الكبرى، وإن كان ذلك على حساب حياة المواطنين الأبرياء! ولا تنسوا بعدها أن تحمدوا الله على النعمة التي نعيشها نحن المتخلفون في العالم الثالث!
     حفظ الله عالمنا الثالث، ونظام عالمنا الثالث، وفساد عالمنا الثالث، على الأقل وفّرَ لنا عناية صحية تحفظ أرواحنا بإذن الله لم توفرها أعظم دولة من دول العالم الأول لمواطنيها!
نظرة خاطفة:
     قرأت في جريدة الوسط قبل يومين، في مقابلة مع الأستاذ حسن مشيمع، أن تأشيرة دخوله للولايات المتحدة قد تم إلغاءها، فأقول له: قدّم طلب الحصول على التأشيرة مرة أخرى، وأسأل الله أن تُوَفق في الحصول عليها دون إلغاء لاحق، وكلي أمل في أن تذهب إلى هناك وتقف مع المعارضة الأميركية لتعديل نظامهم الصحي، الذي يموت بسببه الكثير من الضحايا، ستفعل خيراً عظيماً لو نجحت، ولن ينساك الشعب الأميركي يوماً! فإن مصيبتهم هذه وحدها، والله أكبر من كثير من مصائبنا التي تسعى لحلها هناك بكل وطنية!

          لا أدري كيف يشك الواحد، مجرد شك، في أن الولايات المتحدة ستهتم بحياة الناس، وديمقراطية نظامهم، أكثر من اهتمامها الرديء جداً بشعبها؟! جنون وحماقة، بكل ما في الكلمتين من معنى، ولكي لا أحرق موضوع مقال آخر، فلن أطيل عند هذه النقطة، سأتوقف هنا. ولكن، ولكي لا يتهمني الأستاذ وأنصاره بالتهمة المعتادة، فها أنا أحلف (والله إني لستُ بوقاً حكومياً).

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

5 تعليقات على “SICKO”

  1. قد ننخدع بالنظام الأمريكي أنه متطور تقنيا ولكنه نظام عسكري وليس تقني بخلاف النظام الياباني ومع ذلك فإن الأعلام أعطى الأمريكان التطور الخادع لدى شعوووبنا المغيبة فكريا وتقنيا وممزوجة بالدخان والجنس
    شكرا أحمد و إلى الأمام إن شاء الله 🙂
    وإن شاء الله ناكل في عرسك

  2. بارك الله فيك اخوي احمد

    المشكلة ان العالم الثالث منغشين ومخدوعين بالنظام الأمريكي شلون

    انا اقولك

    احد المدرسين في دورة التخصص التي درستها العام الماضي عاش في امريكا احد عشر سنة وقد لاحظت هذا المدرس تقريبا ان لم يكن في كل المحاضرات يقول في مستشفيات امريكا القانون كذا وكذا وهو من اشد المعجبين بسياسة وقوانين المستشفيات الأمريكية

    وكلما يسرد قصة من تلك القصص ادرك اننا نحن العالم الثالث نعيش بألف خير

    واحدة من تلك القصص او قانون من تلك القوانين التي تختلف من ولاية لأخرى او من مستشفى لأخر تلزم من طلب الأسعاف وحالته غير طارئه بدفع مبلغ مادي قد لا يكون هينا بالنسبة لبعض الأمريكان

    وكما تعلم اخي الكريم انني اعمل بالقطاع الصحي فاني اقول لك بكل ثقة انه لو طبق هذا القانون هنا لأصبحت وزارة الصحة من اغنى الوزارات ولكن اقول الحمدلله انه لم يطبق ولم يلتفت اليه احد رغم التعاون الصحي بين البلدين

    من ناحية اخرى قد تكون لهذا القانون نقاط ايجابية منها انه ستتركز اعمال الأسعافات فقط للحالات الطارئه

    المهم اخوي اني في اجازة وابي اكون بعيد عن اي شي يخص الصحة فما اظن اني راح اشوف هالفلم

    وجزاك الله خير وعساك عالقوة

    اخوك
    طارق

  3. أخوي أحمد،،

    قرأت كل كلماتك وفهمت كل ما بين السطور وذلك بسبب قربي منك لفترة وجيزة، لكن الأهم بعد هذا المقال أن ترجع بحفظ الله ورعايته من وطن الحرية (كما تسمى)، وأنت على مشارف 11 سبتمبر ، فادعو الله ان يرجعك سالما.

    أما تعليقي عن مقالك، فأنا أعتقد أن الحياة اليوم أصبحت سيناريو أمريكي لفيلم تنتجه هوليود، فكل حروب اليوم كانت سيناريو مكتوب على ورق وتنتجه لتعرض على الشاشات وخاصة العربية منها.

    فأتمنى أن تبقى الأقلام العربية حره تكتب وتحلل كل ما يدور اليوم من غير تزايدات وتحيز لفئة دون الأخرى، وأنا اتمنى من الشباب المسلم أن يبحث في التفاصيل ويبتعد عن العناوين.

    مع تحياتي وتقديري

اترك رد