أحكام الأسرة.. قانون لنصف المجتمع !

   قبل أيام طلبت مني الأخت العزيزة زهراء أن أكتب شيئاً عن قانون أحكام الأسرة، كما اتصلت بي صحفية تطلب مني رأيي حول نفس الموضوع لنشره في تحقيق تجريه، وكان جوابي واحداً، وهو أنني لا أستطيع أن أصرح أو أكتب في شيء لست ملماً به، على الأقل، بالقدر الذي يخولني أن أعطي فيه رأياً. وأستغربت طلب الصحفية بأن أعطي رأيي رغم ذلك، فكثير من الناس، حسب ما قالت، لهم رأيهم رغم عدم إلمامهم بالموضوع! إلا أني تحفّظت وقلت بأني لست من هؤلاء الناس. ولكن دعيني يا زهراء أكتب لك اليوم شيئاً عن هذا القانون، بعد أن أطلعت على شيء من التفصيل حوله..

   تقنين الشريعة مسألة اجتهادية، فيها خلاف بين العلماء، رغم حدة آراء بعضهم. فلا يمكنني وإياك يا زهراء، بأي حال من الأحوال إلا احترام الجميع، سواءاً المعارضين لمبدأ التقنين أم الذين لا يجدون حرجاً في ذلك. علينا أن نحترم الرأي الآخر في المسائل الاجتهادية، مهما كان رأينا الشخصي في الموضوع، أو ما تميل إليه وترتاح له قلوبنا.
  
    
يرى المؤيديون لتقنين أحكام الأسرة أن القانون ليس فيه مخالفات شرعية. ولكن الأمر الذي يخشاه المعارضون هو تغيير القانون في المستقبل بما لا يتوافق مع أحكام الشريعة، فليس هناك ضمانة، أي ضمانة كانت، تضمن عدم تغييره حسب أهواء المشرعين، وإذا كانت الغرفة التشريعية ذات أغلبية إسلامية اليوم، فلا يعني أن استمرار هذه الأغلبية غداً. وإذا قيل بأنه لا بد أن يكون التغيير موافقاً للشريعة إن كان هناك تغيير في المستقبل، فهو لن يكون إلا من قبل مختصين وعلماء شرعيين، فالمعارضون يخشون من ذلك أيضاً، فكما تعلمين أختي زهراء، هناك من لا يخشى الله ممن يتلبسون بلباس أهل العلم، وليس لديه أي حرج لتحليل الحرام وتحريم الحلال، حسب ما يُطلب منهم، والمخارج كثيرة !
  
   والسؤال هو: هل النواب مسئولون أمام الله عن ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، خاصة وأن تجارب الدول التي سبقتنا في التقنين لا تبشر بخير، أم أنهم ليسوا بمحاسبين عن أي تغيير مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى يجري لاحقاً ؟! هناك من يقول بأنهم محاسبون إذا غلب الظن أن الأمور ستخرج عن السيطرة مستقبلاً، وهناك من يقول بخلاف ذلك. وأيضاً يا زهراء، بما أن هناك علماء معتبرين قالوا بهذا وهذا، فلا يمكننا إلا أن نحترم آراء الجميع.

  
   ولكن العجيب الغريب في الموضوع يا زهراء، هو أن القانون سيطبق عليَّ أنا السني، ولن يطبق عليك أنتِ الشيعية!! سواءاً كنتي ممن يرغبون في تقنين الأحوال الشخصية أم ممن يعارضون التقنين!! كيف ذلك ؟!

  
   سيقدم القانون للمجلس، ولكنه خاص بالطائفة السنية دون الشيعية! وسيصوت عليه الجميع داخل المجلس، سنة وشيعة! –طبعاًهذا هو الإجراء الصحيح، ولا يُفهم من كلامي بأني أطالب أن يتم التصويت عليه من قبل النواب السنة فقط-، وستظل كتلة الوفاق ثابتة على موقفها الرافض للقانون، أما النواب السنة، فكتلة المنبر موافقة، الأصالة مختلفة، منهم من سيوافق ومنهم من سيرفض، ولا أدري إن كان هناك من سيمتنع، كل حسب ما يراه صواباً. وليس لسبب معين، ولكنني لم أكلف نفسي السؤال عن موقف كتلة المستقبل، وسيقر المجلس القانون!

  
   ماذا لو كانت الأغلبية للرافضين -والغالب أنها ليست كذلك-؟ سيجتمع المجلس الوطني، وسيقر القانون.

  
   الغريب العجيب، والمضحك المبكي، والمسخرة الفظيعة، أنه من الوارد أن يجتمع المجلس الوطني لإقرار القانون، ولكن أي قانون؟ القانون الذي سيطبق عليَّ فقط، لا عليَّ وعليك أيضاً، أي على السنة فقط، أما أن يجتمع لإقراره  بشقيه، السني والشيعي، فليس ذلك بوارد !!

  
   مسألة التقنين من عدمها مسألة خلافية ونحترم جميع الآراء، ومسألة الخوف على مستقبل القانون يرى البعض أنها أيضاً خلافية ونحترم جميع الآراء، أما مسألة أن يطبق القانون بشقه السني دون الشيعي فهذه مسخرة ما بعدها مسخرة، وقضية تقف خلفها تداعيات كبيرة ليس المجال للتطرق لها هنا، وأنا لا أريد أن أعرّض هذه المدونة البريئة المتواضعة لخطر الحظر !

  
   ولكن المتابع يدرك خطورة تمرير هذا الأمر، ويجب على كل مواطن أن يدرك خطورته، وخاصة النواب السُنة، سواءاً المعارضين أم الموافقين أم الممتنعين منهم، فهذه المسألة بعيدة عن الخلاف حول مبدأ التقنين، وبعيدة عن الخوف على مستقبل القانون! إنه قانون يلتزم به نصف المجتمع دون النصف الآخر، إنها مسألة… خلوني ساكت.. فأنتم يا نواب، ويا شوريون، تعلمون قبل غيركم بفظاعة سخريتها إن مرَّت !!

  
   أختي العزيزة زهراء، بصراحة، أتمنى أن تغير كتلة الوفاق موقفها، وأن تقتنع بالقانون وتقرّه مع النواب السنة، ليس لأنني مقتنع تماماً من أن التقنين هو الحل لما تعج به المحاكم الشرعية من مشاكل كما نسمع ونقرأ، ولكن أولاً حتى يسري القانون علي وعليك، ونتجنب كثير من الفوضى، فأنا وأنتِ نعيش في بلد واحد. ثانياً، يبدو أن موافقة الوفاق على القانون، وصدوره بشقيه السني والشيعي، هو الضمانة الوحيدة لعدم العبث به مستقبلاً، واللبيب بالإشارة يفهم !

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

6 تعليقات على “أحكام الأسرة.. قانون لنصف المجتمع !”

  1. صديقي العزيز أحمد، أنا لا وافاقي ولا أصالة ولا منبر ولا وعد ولا أمل ولا حقبس أنت كإنسان مسلم هل تقبل إلغاء المحاكم الشرعية وتحولها إلى محاكم مدنية؟ فيكون القانون مخالف للشرع اللإسلامي فلا يفرض ضرورة وجود شاهد/شهود على عقود الزواج او الطلاق (مثال)بعض الأماكن-لاس فيغاس على سبيل المثال-شروطها إن الإثنين الرجل والمرأة يكونان لديهم الأهلية القانونية و يتزوجون من دون كاهن ولا وكالة أو إذن من الأسرة.ولكن في لبنان-أيضاً فقط على سبيل المثال-فهناك الإختيار للمواطن أما المحاكم الشرعية أو المحاكم المدنية.وهذا القانون المقترح في البحرين يقلص صلاحيات القاضي الشرعي في المحكمة إلى فقط قراءة ما ورد في بنود قانون الأسرة نفسه فيلغي فعلياً وجود المحاكم الشرعية.فإذا أرادت الدولة أن تنشأ محاكم مدنية، فلتفعل و الشخص الذي يريد أن يراجعها بدل المحاكم الشرعية فليفعلفأنا شخصياً لا أقبل بهذا القانون لا على السني ولا على الشيعي ولا على أي إنسان في العالم. حتى المسيح والأديان الأخرى، فلا يمكن إلغاء الكنسية أو المعابد التي تكون بمثابة “الحاكم الشرعي” لهم وإستبدالها بالقانون المدني.رأي مواطن بحريني

  2. شكرا لك أحمد على كتابتك في هذا الموضوع المهم جدا

    اتفق معك معظم ما كتبت

    ولكن اختلف معك بتمنيك على كتلة الوفاق أن تغير موقفها … وذلك أولا لأن الوفاق لا تملك قرارها … ولعلمك يوجد في الوفاق من يؤيد القانون ولكنه لا يجرؤ على التصريح أو التلويح برأيه .

    الحل برأي أن يرفض النواب السنة تكريس الطائفية في البحرين برفض القانون بغض النظر عن مواقفهم منه أو من مسألة التقنين .

    والحل أن ينعقد المجلس الوطني للإقرار قانون للطائفتين رغم إرادة النواب برفضه … لا أن يجتمع لاقرار قانون لطائفة واحدة وكأن ( هذه الطائفة هي الطوفة الهبيطة التي تمر عليها ما تشتهيه الحكومة )

  3. شكراً يا بوسلطان..على بيانك مستجدات قانون أحكام الأسرة…

    في الواقع أن ما يدفع الجهات الحكومية على تطبيق قانون أحكام الأسرة عدت أمور…منها:
    معانات النساء في المحاكم.. والتأخير في صدور الأحكام ولكن وقد يكون هذا العذر الذي تستعطف به آراء الشارع لتأيد صدور القانون..

    ولعل ما يهم الجهات الحكومية هو تطبيقهم لإلتزاماتهم بإتفاقية السيداو (القضاء على التميز ضد المرأة) والتي من ضمنها إصدار هذا القانون.. وفي آخر جلسة لمتابعة تطبيق هذه الإتفاقية في الأمم المتحده بين الوفد البحريني بأن العمل جاري لإصدار هذا القانون ولكنه يحتاج إلى توافق مجتمعي..

    ولكن بعد المجريات الأخيرة وأصرار الوفاق الذي تجوابت معه الحكومة بأن لا يصدر الجانب الجعفري من القانون.. وأن يصدر الجانب السني فقط..هو تميز جديد للمرأة البحرينية فقد جاء عرف جديد أو تميز جديد يميز المرأة وفق طائفتها..

    وفي هذه الحالة لا يمكن أن نسمي ما سيحدث في الأيام القادمة “توافق مجتمعي”..وفي هذه الحالة لا يمكن أن تطبق البحرين شرط من شروط الأتفاقية (السيداو)..

    أسمحلي يا بو الحنوه على الأطالة…

    أخوك الصغير
    خالد موسى البلوشي

  4. شكرا جزيلا على هذه المناقشة اللطيفة ..

    لكي لا يساء فهم القانون .. تقنين أحكام الأسرة ليس معناه إلغاء دور المحاكم الشرعية وإنما إلغاء دور الفساد والتعسف الذي يحصل في هذه المحاكم، التقنين هي مسألة وضع الأحكام الشرعية المتبعثرة الآن في صورة بنود قانونية لها آليات وصبغة أكثر وضوح ودقة، بالتالي هنا لا نترك القضية لمزاج القاضي الشرعي وإنما للإلتزام بلوائح محددة وواضحة ..

  5. نقطة أخرى، الحكومة لو كانت جادة في الموضوع يا أخ أحمد، لكانت وضعت ضمانة دستورية معينة لطمأنة الجميع بخصوص عدم تغيير القانون مستقبلاً على يد النواب الذي لا يمتلكون باعاً في القضايا الشرعية، وبالتالي القانون يكون معرّضاً للتلاعب والاستغلال مع احترامنا لجميع النواب..لذلك كنتيجة يتضح لنا أن الحكومة غير جادة لتمرير القانون بشكل نظيف ..

    الأمر الآخر، كنت أتمنى أن يكون هناك تحالف بين الطائفتين الكريمتين في مجلس النواب من اجل لملمة موقف موحد يستطيع أن يفرض ثقله، ولكن بما أن ذلك لم يحدث، أيضا هي شكل من أشكال الديمقراطية أن يوافق كثير من الاخوة السنة على القانون ويرفض الأخوة الشيعة القانون.. بناء على اجتهاداتهم الدينية المتباينة..

    تحية كبيرة

اترك رد