ماذا كتب المدير السابق للموساد عن قطر ؟

184784أقتبس -ومن دون تصرف- لكم اليوم من كتاب (رجلٌ في الظلال) لكاتبه المدير السابق للموساد، إفرايم هالفي، والذي نُشر بالإنجليزية في 2006، ونشرته الدار العربية للعلوم-ناشرون باللغة العربية في 2007:

الخلاصة من هذا كله كانت ولا تزال في أنه لم يبرز في الجانب العربي أساساً أية محاولة جدية من أي نوع لتغيير مناخ التحريض العنيف والكراهية المطلقة لإسرائيل الذي ميّز العالم العربي والإسلامي منذ نشأة دولة إسرائيل. ففي العديد من الحالات، كانت النظم العربية التي أبرمت معاهدات سلام (وخصوصاً مصر والأردن) أو توصلت إلى تفاهمات عملية مع إسرائيل، مثل المغرب، وتونس، وسلطنة عمان، وقطر، هي التي أفسحت المجال أمام حملات التحريض ضد إسرائيل في وسائل الإعلام، إلى جانب أشياء أخرى، كإجراء كان الغرض منه السماح للجماهير بالتنفيس عن غضبها؛ وبالتالي التخفيف من الضغوط الداخلية التي تولّدت ونمت لأسباب لا علاقة لها بالصراعي العربي الإسرائيلي.

من الأمثلة الصارخة على هذه المقاربة الجدلية المزدوجة ما نجده في إمارة قطر، التي أطلقت وطبقت سياسات متعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولّدت سوابق وحقائق جديدة على الأرض. تعتبر قطر في مقدمة الدول العربية في المنطقة التي أبقت على حوار مستمر مع إسرائيل، فاستضافت ممثلاً دبلوماسياً رسمياً إسرائيلياً في الدوحة، ولعبت دور المضيف لوزراء في الحكومة الإسرائيلية زاروا البلاد لحضور مؤتمرات دولية. وفي نفس الوقت، لعبت قطر دور المضيف للشيخ يوسف القرضاوي، وهو شيخ دافع عن التفجيرات الانتحارية، وحرّض الفلسطينيين وغيرهم على اللجوء إلى هذه الاستراتيجية التي كانت لها نتائج مميتة. وهذه هي دولة قطر نفسها التي تلعب دور المضيف لقناة الجزيرة التي استُغلّت بشكل مكثّف من جانب القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى في نشر تعاليمها التي تؤمن بالعنف في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.

المحصلّة النهائية لذلك كله هي أنه في حين شهدت المستويات العليا على صعيد الحكومة والمسؤولين في العالم العربي قبولاً متنامياً ومتواصلاً لإسرائيل كحقيقة واقعة –بل وكشريك حيوي بالنسبة إلى البعض في الحرب ضد العنف والكراهية- فقد رعت تلك الأنظمة نفسها بل وشجّعت في بعض الحالات النشاطات الشعبية التي سارت في اتجاه يتعارض مع ما سُمّي سياسات ومصالح استراتيجية.

Qatari ruler's Gaza visit

تشكّل قطر مثالاً شديد الخصوصية على علاقة بالأوجه الإضافية للمسار الحالي للأحداث في المنطقة. فهي تأتي في طليعة اهتمامات الولايات المتحدة وتحركاتها منذ أكثر من عقد، كما أنها لعبت دوراً محورياً في توفير المنشآت للجيش الأميركي الذي لا يزال يعمل داخل العراق منذ أن شنّ الرئيس بوش الحرب التي أدت إلى سقوط نظام صدام حسين. وللقيادة القطرية ولع شديد بالشروع في خطوات يمكن تصنيفها على أنها علنية، ولذلك فقد لعبت دوراً مزدوجاً كحليف يمكن الاعتماد عليه وكشريك متقلّب يحدث المفاجآت باستمرار ويهدد بقلب الطاولة. في حين لعب القطريون بدور المضيف لقائد الحركة الفلسطينية، أو مازن، الخليفة الأول لياسر عرفات، فقد بسطوا تأثيرهم على الرئيس الفلسطيني في التفكير والنظر إلى الأمور إلى ما هو أبعد من مدخلاتها النسبية، بالنظر إلى صِغر حجم الإمارة وعدد سكانها الذي يقارب نصف مليون نسمة. وسعوا إلى بسط نفوذهم على الفسلطينيين من أجل تليين مواقفهم والسعي إلى التوصل إلى تسويات عملية مع إسرائيل.

وفي الوقت نفسه، وفرت قطر الملاذ الآمن لشخصيات مهمة في حركة حماس بعد أن أبعدهم الأردن بعد وقت قصير من اعتلاء الملك عبدالله الثاني عرش أبيه المتوفّى والموقر، الملك حسين. كما أن تواجد شخصيات قيادية كبيرة من فتح وحماس على التراب القطري منح القطريين القدرة على الحركة في مسعى إلى صياغة تسويات بين الفصيلين الفلسطينيين المتخاصمَين، وتسهيل التوصل حتى إلى تفاهمات ضمنية مع إسرائيل.

في العام 2005 اعترفت الولايات المتحدة بأبو مازن كقائد للفلسطينيين يمكن التعويل عليه، والتزمت بدعم هذا القائد الفلسطيني لموازنة دعمها القديم لأرييل شارون ومعظم أسلافه. وهذا ما لم يكن ممكناً لو لم تكن هناك دولة مثل قطر، التي رعت شخصيات مثل أبو مازن خلال السنوات الطويلة العجاف التي سبقت وفاة عرفات. وفي معرض هذا الحديث، يتعيّن علي القول بأنه من المدهش، وأنا أكتب ولم تمضِ سنة على وفاته، كيف أن الفلسطينيين طووا الصفحة، وتابعوا حياتهم، وجدّدوا أجهزة حكومتهم، وأودعوا عرفات وميراثه في ذمّة التاريخ، وتخلّوا عن كافة نواياهم وأهدافهم الحالية، وبدأوا بالتخطيط لمستقبلهم.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

اترك رد