ليست مجرد تجربة (18)

أخلاق حداثية أعجبتني !
قرأت منذ زمن ليس بالقريب، كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" للشيخ عوض القرني، وكلمة "الحداثة" تعني الكثير فيما أظن، وتحتمل أكثر مما قد تعنيه! وهي من الكلمات التي ليس لها تعريف محدد، ككلمة "العولمة"، فهناك من يؤكد بها –العولمة- نظرية اقتصادية، وينفي أخرى، وهناك من يستخدمها في بيان موقفه من قضية ما، أياً كانت، دنيوية أو دينية، وهناك من يختزلها في مدارس أو تيارات أدبية. كتابنا هذا تطرق لتيار فكري وأدبي يطلق على أعلامه بالحداثيين، وتناول مسألة الشعر الحديث، أو الشعر الحر، خاصة غير المفهوم منه.
بالمناسبة، لا أحب هذا النوع من الشعر، ولا أعتبره شعراً! فهو لا يطرب الأذن عند سماعه، وقاعدتي البسيطة: كل ما لا يطرب السمع فليس بشعر! هذا بالنسبة للمفهوم منه. أما غير المفهوم، فعلاوة على كونه ليس شعراً –عندي- فهو هرطقة سخيفة !
( يقول عبد الله نور في ملف نادي الطائف الأدبي العدد السادس صفحة 55 : " الشعر يفهم ليس بشعر " !! ومادام من شروط الشعر عندهم ألا يـفهم، فما الغاية منه إذاً ؟ هل هو طلاسم سحر، أم أحاجي ألغاز، أم رموز شعوذة ؟؟! )[1].
يفضح الكتاب عدداً من ألمع نجوم الحداثة، حيث تتستر أفكارهم خلف رموز وطلاسم أبيات غير مفهومة، وعبارات غريبة غامضة! احتوى الكتاب على نماذج كثيرة منها، ولا داعي لإزعاج أذهانكم بنقل جزء منها.
للحصول على نموذج من هذه العبارات، التي تسمى فناً، اعطوا طفلاً دون السابعة، كلمات لا يمكن الجمع بينها، واطلبوا منه ترتيبها في جملة مفيدة، وستحصلون على بيت شعري مرهف الحس، عميق المعنى، يستوقف القارئ، وربما يأسر خياله لشهور !!
لا يقتصر استخدام الغموض ولغة الطلاسم على الشعر الحديث، بل نجدها في كتابات كثيرة، وروايات كثيرة. عَلَّق الكاتب حسن نصر الله، في لقاءٍ جمعني به في معرض البحرين الدولي للكتاب، على هذه المسألة: "كثير من الكُتاب يبالغون في غموض كتاباتهم، غدت اليوم كثير من الكتابات مزعجة، وكأن الكاتب الأصعب قراءة هو الكاتب الأقوى!". فرحت بهذا التعليق، لأن أحد أهل الصنعة الكتابية يوافقني الرأي.
في جريدة محلية، ملحق أسبوعي يُعنى بالثقافة، لمشرف الصفحة عمود ثابت فيه، يظهر نصف وجهه فقط في صورته الشخصية التي تعتلي العمود! حداثة تصويرية؟! لا شك أنها "حركة" تحمل في طياتها الكثير !
التقيت في الجامعة بصاحبنا مشرف الصفحة، دخلت مكتبه بعد استأذان، وفتحت موضوع نقاش بعد استأذانٍ آخر..
         لدي سؤال، لماذا تكتبون أشياء لا يفهمها أحد؟
         أنت لا تفهمها، نحن، وغيرك، نفهمها..
         كيف؟!
         هناك أدوات إذا تعلمتها، بإمكانك فيما بعد أن تفهم كلامنا، فهي تعينك على تحليل الكلام ومعرفة مدلولاته!
وبعيداً عن نصيحة البروفيسور في رواية "العصفورية"، فقد أصبحت في تلك اللحظة "نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً"، لأن الأستاذ الفاضل أرجع عدم فهمي لما يُكتب إلى جهلي بأدوات ومعدات فك الرموز والطلاسم، التي يسمونها فناً، لا إلى غرابة ما يكتبه هو وأصحابه! ربما أحتاج في المرات القادمة لمساعدة "لانغدون" الذي ساعد "صوفي" في فك الرموز التي تركها لها جدها بعد مقتله في رواية "شيفرة دافنتشي" المشهورة! سألته مع الاحتفاظ بقدر كبير من الهدوء :
         ما هي الرسالة العظيمة التي تحملونها، والتي وصلت، لسموها وعظمتها، إلى درجة تستعصي على العوام فهمها ؟!
         أنظر للدين مثلاً، نحن لا نفهم الدين دون العلماء، هم يفسرون لنا الآيات والأحاديث، من خلال استعمالهم لأدوات تعينهم في ذلك !
         ولكن محمد عليه الصلاة والسلام كان يكلم الرجل والصغير والمرأة والعجوز، وكان الكل يفهمه، وهو صاحب أعظم رسالة، فهل رسالتكم أعظم كي لا يفهمها الجميع ؟!
بشكل غريب تطور النقاش سريعاً، ولا أدري كيف وصلنا لهذا السؤال الذي سألته: "هذا المصحف الموجود على مكتبك.. كيف تثبت لي أنه القرآن المنزل من الله على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل عليه السلام؟!!". وبشكل أكثر غرابة، انتقلت عدوى "النرفزه" إلى صاحبنا، فأصبح " نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً" ولكن دون الاحتفاظ بأي قدر من الهدوء، وطردني من مكتبه !
بعد أيام، رآني جالساً في ممر من ممرات الجامعة، ومد يده مصافحاً، ومعتذراً عن نتائج "النرفزه" التي صدرت منه، ابتسمتُ، ومضى مبتسماً.. أخلاق حداثية أعجبتني !
 
 


[1]من كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للدكتور عوض القرني.

ليست مجرد تجربة (17)

الحشمــة 3
في دورة المجلس الرابعة، عندما أُبتلي المجلس بإدارتي له، اتفقنا على التحرك حيال موضوع "الملبس اللائق" خلال الفصل الدراسي الثاني، على أن نتفرغ خلال الفصل الأول لإنجاز بعض الإنجازات التي يمكن إنجازها في فترة إنجاز وجيزة !
إلى ذلك الحين، في إحدى زياراتي لرئيسة الجامعة، دار بيني وبينها حواراً عن نفس الموضوع، وأشرت لها بأن التجاوزات – إن صحت تسميتها بالتجاوزات، فلم تكن هناك لوائح واضحة تحدد التجاوز من عدمه في ملبس الطالبات – لا تقتصر فقط على الطالبات، بل كثير من الموظفات، بل عدد من المرشدات الاجتماعيات التي يفترض بهن أن يكن قدوة للطالبات في مظهرهن وسلوكهن.
يختلف وزن بعض المرشدات قبل وبعد "مجابل" المنظرة صباحاً! بفعل وزن الـ"الهمبل" المستخدم لإعادة ترميم وتجديد السطوح والجدران المتشققة! وتزيينها بألوان الـ"رينبو" الباهية !
الهمبل.. الهمبل.. آه كم أكره الهمبل؟! كم أخفى خلفه من جمال؟! في الوقت ذاته.. كم أخفى من قبح؟! هناك من يلعن الهمبل.. فقد كان سبباً في تضليل الرأي العام الشبابي الذكوري، حول طبيعة وصحة جمال خلق الله الذي يتفكر فيه الشباب ليل نهار!! وهناك من يشكره ويشكر مخترعه، فقد ساعد على التخفيف من وقع المصيبة بعد اكتشاف الحقائق!! وهؤلاء، الهمبل بالنسبة لهم كالمساعد على الرضا والقبول بما قسمه الله لهم!! بالنسبة لي، فأنا أكرهه، وبشدة شديدة! ليس لأنه ضالٌ مُضلٌ فقط، ولكني أجده يخفي خلفه من الجمال أكثر مما يخفي من العيوب! من قال لتلك الفتاة أن لون شفتاها أجمل بعد صباغتها؟! ومن قال أن الحمرة الصناعية للوجنتين أحلى من تلك الطبيعية التي يرسمها الخجل أو الحياء وأحياناً كثيرة الإحراج، وأحياناً أكثر في البحرين الحر؟! ومن قال… يُفضل أن أقف هنا، فالإستطراد يؤدي في بعض حالاته لكلامٍ لا تحمد عقباه. هذا إذا سلمت من عقبى ما اكتفيت به !
نقلت للرئيسة ما قالته لي أختي الكبيرة ذات يوم، فقد كانت برفقتي ونحن في طريقنا لفناء المطاعم، بعد أن رأت إحدى المرشدات، ضحكت، ثم قالت لي: (هذه البنت كانت معروفة عندنا في ….. –دول خليجية، حيث أكملت أختي دراستها الجامعية- والحين هي مشرفة اجتماعية عندكم!). لا داعي لنقل نوع المعرفة التي كانت تُعرف بها مرشدتنا الاجتماعية!
أبدت الرئيسة استيائها من الوضع، ووافقتني بأن بعض الموظفات يلبسن ملابس قصيرة لا تليق، ووضَحَت بأنها منذ أن استلمت منصبها، حاولت التغيير ما استطاعت، وأن الأمر كان أسوأ. بعد حوار قصير رفعت الرئيسة الهاتف، وطلبت عميدة شئون الطلبة، ثم سألتها بكل حزم وجدية: (دكتورة.. كيف ملبس مشرفاتنا الاجتماعيات؟! هل تراقبينهن؟ … متأكده من مظهرهن؟ تأكدي تأكدي.. و"جوفي شيلبسون"). ثم أنهت المكالمة بنفس الحزم الذي بدأت به، بعد أن شددت على مسألة مراقبتهن وعدم التهاون في ذلك.
أتفق أعضاء المجلس على أهمية تنظيم حملة، توعوية، إعلامية، ثقافية، سمها ما شئت، حول المظهر اللائق، وأثر ذلك في الدراسة والسلوك. وَكَلنا المهمة للجنة الاجتماعية، التي وضعت تصوراً لبعض المحاضرات والندوات. رفضت عمادة شئون الطلبة أولى فعاليات هذه الحملة، وكانت ندوة. ربما بسبب عنوانها الذي كان أقرب إلى (مناظرة مع عميدة شئون الطلبة حول "الحشمة")!! لم يعجبني تصرف صاحبنا الذي تولى زمام الأمور، فقد كان مندفعاً جداً، كعادته في أي موضوع.
أكدت العمادة أن هناك لائحة في الطريق، لذا عليكم الانتظار، وبالفعل خرجت اللائحة التي وقعها الدكتور ماجد النعيمي، وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس أمناء الجامعة. أرى من المهم أن أنقل معظمها هنا..
 
لائحة مواصفات الملبس لطلبة وطالبات جامعة البحرين داخل الحرم الجامعي
الفصل الأول
مواصفت الملبس
مادة (1)
يجب أن يكون مظهر وملبس طلبة وطالبات جامعة البحرين متفقاً مع عادات وتقاليد المجتمع البحريني، وقيميه الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية المتعارف عليها، وذلك مع مراعاة احترام حرياتهم الشخصية، والتنوع في خلفياتهم الاجتماعية والثقافية.
مادة (2)
يجب أن يكون ملبس ومظهر طالبات جامعة البحرين وفقاً للشروط الآنية:
1.     ألا يكون الملبس شفافاً يكشف معالم الجسم.
2.     ألا يكون الملبس ملتصقاً بالجسم (STRECH)، أو ضيقاً يحدد معالم الجسم.
3.     ألا يكون الملبس قصيراً، ويندرج تحت الملبس القصير ما يأتي:
              i.            البودي والقميص الذي يستر بالكاد منطقة البطن.
            ii.            الفستان أو التنورات القصيرة التي تظهر الركبة في جميع الأوضاع (الوقوف أو المشي أو الجلوس).
         iii.            الكم القصير جداً الذي يكشف أكثر من منتصف الزند.
         iv.            الشورت والبرمودا.
4.     ألا يكون الملبس ذا فتحات واسعة تكشف معالم الجسم، ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
            i.            الملابس ذات فتحات الصدر الواسعة.
          ii.            الفساتين والتنورات الي تظهر الركبة في جميع الأوضاع (الوقوف أو المشي أو الجلوس).
       iii.            التنورة اللف المفتوحة بدون أي مشبك.
5.     ألا يكون الملي مقترناً بإكسسوارات مبالغ فيها ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
            i.            سلسلة القدم أو الزند.
          ii.            الرسم على الوجه أو الزند.
       iii.            أصباغ الشعر ذات الألوان الغريبة غير المألوفة.
6.     ألا يكون الملبس ذا تقليعات غير لائقة، ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
       i.            العباية الخفيفة أو المفتوحة التي تكسف عن اللباس المخالف لمواصفات الملبس في الجامعة.
     ii.            البرقع المقترن بإبراز مكياج العينين المبالغ فيه.
 iii.            ربط الصدر، أو الصديري الضيق القصير، الذي يلبس فوق تي شيرت، أو القميص الذي يبرز معالم الصدر.
 iv.            ارتداء قمصان أو بنطلونات أو بلوزات مكتوباً عليها كتابات أو رسوم غير لائقة. وتنطيق هذه الشروط على الطالبات المرتديات العباءات فوق الملابس المخالفة لها.
مادة (3)
يجب أن يكون ملبس ومظهر طلاب جامعة البحرين وفقاً للشروط الآتية:
1.     عدم إظهار الشعر الطويل.
2.     عدم اتباع تقليعات وقصات الشعر الخارجة عن المألوف مثل الكاب كيك وغيرها.
3.     عدم ارتداء الإكسسوارات التي تنافي الذوق العام مثل الحلق والأساور والقلائد وغيرها.
4.     عدم ارتداء الشورت والبرمودا.
5.     عدم ارتداء تي شيرت بدون أكمام.
6.     عدم إرتداء الفانيلات ذات الحمالات.
7.     عدم ارتداء نعال المنزل أو الشاطئ.
8.     عدم ارتداء قمصان أو فانيلات أو بنطلونات عليها كتابات أو رسوم غير لائقة.
 
يلاحظ القارئ أن الضوابط التي وضعتها الجامعة معقولة، رغم اختلاف ما أرجوه حقيقة عن بعض ما جاء فيها، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. مع ذلك لاقت اللائحة من "المتنورين" انتقاداً في صفحات الجرائد. هذا أمر طبيعي، فماذا ننتظر منهم؟! وستظل هذه القضية بالنسبة لهم أمراً هامشياً يجب عدم الالتفات له، ولا نعلم ما هي القضايا الرئيسية التي يركزون هم جهودهم عليها !
ومن الأشياء التي لم أتمكن من فهمها حتى هذه اللحظة، هو السماح للبنت أن ترتدي البرمودا طالما الركبة لا تظهر، بينما الولد يُمنَع من ذلك!! هناك من يعزو هذا التمييز المضحك لجمال سيقان البنات وقبح سيقان الشباب. أخالفه تماماً، فالجمال نسبي!
كنا ننوي، عدد من الشباب وأنا، أن نرتب حملة احتجاجية على هذا التمييز، ونتفق على يوم محدد نذهب فيه جميعنا إلى الجامعة بالبرمودا! في الحقيقة لا للمطالبة بالسماح للبس البرمواد بقدر ما هو لفت نظر، لإعادة النظر، في السماح للطالبات بلبس البرمودا. فكما أن الجامعة حرم تعليمي لا يليق أن يأتيه الشباب بالبرمودا، فكذلك لا يليق أن تأتيه الفتيات بالبرمودا! إلا إذا الحرم الجامعي كان حرماً جامعياً بالنسبة للأولاد، وداراً للأزياء بالنسبة للبنات. نرجو من جمعيات حقوق الإنسان، أن تؤسس حركة مناهضة لهذا التمييز العنصري داخل الجامعة !
ويتناول الفصل الثاني من اللائحة آليات توجيه وتوعية الطلبة بشأن مواصفات الملبس، أما الفصل الثالث فيتناول الجزاءات. وهنا مربط الفرس! فنحن لا نطالب بلائحة أفضل من هذه، ولكن نطالب بتعديل الجزاءات التي وردت، أو إلغاؤها. فالجزاءات هي كالتالي: توجيه، فتنبيه شفوي، فإنذار كتابي، فتأديب مسلكي، وهذا الأخير قد قد قد، وأقول قد بكل ما تحمله الكلمة من معنى القدقده، ولا تسألوني ما هي القدقده، ولكني أقصد "قد من قلب!" أو قد بشدة! قد يُمنع الطلبة المخالفين من دخول الجامعة !
أرسلت مرة سؤالاً مكتوباً لعميدة شئون الطلبة، أستفسر فيه عن الإجراءات التي اتخذتها العمادة حتى يوم السؤال، في حق إحدى طالبات الحقوق، التي كانت ولا زالت، تخالف لوائح الجامعة في ملبسها ومظهرها. وذكرت في سؤالي أن الطالبة المعنية ستتخرج قريباً دون أن نرى أثر إجراءات العمادة على مظهرها! فأي إجراءات هذه؟! بالمناسبة، يُرجِع كثيرٌ من الطلبة سبب تفوقها الدراسي لمظهرها وزياراتها للأساتذة الأكاديميين في مكاتبهم التي تطول لساعات! طبعاً لم يصلني رد من العمادة.
ما نطالب به، كثيرون وأنا، هو عدم السماح للطلبة، ذكوراً وإناثاً، المخالفين للوائح التي وضعتها إدارة الجامعة من دخول الجامعة. فقط لا غير. حتى يحترم الطلبة القوانين، ويحترموا مكانة الحرم الجامعي.
هل نطلب من رجال الأمن تفتيش الطلبة والطالبات عند البوابات قبل دخولهم؟ هل نقول لهم قيسوا لنا طول التنورة أو البنطلون؟ هل.. هل.. هل..؟؟ لا. ببساطة، على الأستاذ أن لا يسمح للطلبة المخالفين دخول الصف الدراسي، أو إخراجهم من الصف إذا دخوا قبله. كما على الأمن إذا رأى من هو مخالف، يطلب منه الخروج من الجامعة فوراً، ويتأكد من خروجه. أما الجزاءات التي جاءت في اللائحة، فهي لا تعلم الطلبة على احترام القوانين، بل تشجعهم على عدم الإكتراث بها.
 

ليست مجرد تجربة (16)

الحشمــة 2
تفاعل الطلبة مع الموضوع، وخرجت مسيرة طلابية بتنظيم قائمة الطالب أولاً، التابعة لجمعية الوفاق، وإذا الطالب أولاً نَظَّمَت مسيرةً فلا تخشَ عليها! أعني لا تخشَ على المسيرة لا القائمة. طالب السائرون في مسيرتهم بتفعيل قانون الحشمة، وهي مطالبة غير دقيقة، فلا وجود أساساً لقانون بهذا المسمى، ولكن يمكن اعتبارها شعاراً لوضع إجراء صارم لأصحاب الملابس شبة الشاطئية، وهم قلة قليلة، بدأت تصبح قلة أكثر من قليلة شيئاً فشيئاً !
انتهت المسيرة ببهو إدارة الجامعة، بعد قراءة بيان أشار إلى أهمية الالتفات للوضع الأخلاقي في الجامعة، ولم تتطرق لموضوع الفصل بين الجنسين.
في اليوم التالي، أو بعد يومين، لا أذكر تحديداً، خرجت مسيرة أخرى، وهذه المرة بتنظيم قائمة الوحدة الطلابية التابعة لجمعية الشبيبة، وإذا نظمت "الشبيبة" مسيرةً فاستنشق رائحة الثورة المُتَّقِدَة من اللون الأحمر وصور الثائر الراحل جيفارا !
أما شعار هؤلاء "الثُوّار"، عفواً السائرون، هذه المرة هو التنديد بالمطالبة الرجعية والمتخلفة – حسب وصفهم – التي تدعو للفصل بين الجنسين في الجامعة! وقادة هذه المسيرة، ومن يقف وراءها، يرفضون أيضاً تقييد الطالبات بحد معين من "التفسخ" أو التبرج والزينة! صحيح أنهم لم يتطرقوا لهذا الموضوع في مسيرتهم، ولكنه موقفهم الذي صرحوا ويصرحون  به في مواطن أخرى.
استغربت لقوَّة العين التي خرجت بها الطالبات وهن يهتفن بـ"لا للفصل بين الجنسين"!، تتقدمهم عضوة المجلس أمل فريد، ببنطالها ومعطفها الجينز، مغطيةً رأسها بربطة "bandana" مطبوع عليها علم أمريكا، أستبعد بطبيعة الحال أن تكون الشمالية الإمبريالية !
معظم من كان في المسيرة من الطالبات، هل البنات أكثر رغبة من الأولاد لمواصلة التعليم الجامعي برفقة "زميل الدراسة" ؟!
لا تُقارن المسيرة الثانية بالأولى من حيث العدد المشارك فيها، فقد كانت الثانية أكثر من هزيلة، ولما استغربت بعض الوجوه المشاركة، قيل لي بأنهم شاركوا فقط "علشان خاطر فلانه وعلانه"! ولكن الصحافة قلبت الأعداد، فكانت المسيرة الثانية غفيرة الحضور على صفحات الجرائد، بينما الأولى شارك فيها عدد محدود فقط، حسب وصف عناوين أخبار المسيرتين !
وصلت المسيرة إلى المقر المناسب لختام المسيرات، بهو إدارة الجامعة، وأشارت عضوة المجلس أمل في خطابها الذي ألقته هناك، فيما أشارت إليه، إلى أن الطلبة بحاجة لمن يمثلهم، بحاجة لاتحاد طلابي، له صلاحيات و و و..
كان رئيس المجلس، الأخ عبدالعزيز مطر حاضراً، وطلب من منظمي المسيرة الفرصة لإلقاء كلمة، وبعد أن صعد السلم قبل أن يبدأ حديثه، نظر إليَّ ثم إلى المستبشرون بوقوف رئيس المجلس معهم في هذه المسيرة دعماً لإستنكار الفصل بين الجنسين، فكانت المفاجأة..
"إن ديننا يقول عكس ما تطلبون، وكذلك العقل.. لو أخذنا الموضوع بالعقل لرأينا الفصل هو الأفضل، ولكن يجب أن نرى إمكانيات تطبيق الفصل من عدمها.." تغيرت الوجوه، وبدأ الهمس يصبح فوضى، استنكاراً لمنطق رئيس المجلس الذي خيب ظنهم! حتى هذا اليوم لا يكف مطر عن الضحك وهو يُذَكِرُني بهذا الموقف.
صَرَّحَت أمل بنفس الكلام الذي ألقته في إحدى الجرائد المحلية، فتبعه تصريح آخر لرئيس المجلس :
تعليقاً على حديث عضوة المجلس
مطر: تفعيل الحشمة والفصل بين الجنسين مطلبان أساسيان، والعمل من داخل المجلس خير من الشعارات الرنانة
"عبر رئيس مجلس طلبة جامعة البحرين عبدالعزيز مطر عن دهشته واستغرابه لما ورد على لسان عضوة المجلس أمل فريد في الخبر المنشور في صحيفة الأيام يوم الثلاثاء الموافق 30 نوفمبر 2004م تحت عنوان: " مسيرة الطلبة الديمقراطيين الرافضين للفصل بين الجنسين في الجامعة، نرفض الوصاية والقوانين القروسطية " قائلاً لقد أشارت العضوة في حديثها إلى الاتحاد الطلابي بوصفه الممثل الشرعي والوحيد، ذاكراً أن طلبة جامعة البحرين لهم تمثيل من خلال مجلس الطلبة، وهذا المجلس هو الإطار القانوني والشرعي لطلبة الجامعة، الذي يستطيعون من خلاله طرح القضايا التي تهمهم، مضيفاً أن مثل هذا التصريح حين يصدر عن إحدى عضوات المجلس يبعث على الحيرة كون هذه العضوة تصرح بأن قضية الفصل قضية غير ذات أهمية، في حين أنه من المفترض أن تقوم بطرح القضايا المهمة داخل المجلس من أجل خدمة الطلبة لكنها مع الأسف لا تفعل ذلك.
وأضاف مطر إن عضوة المجلس رغم مرور أشهر طويلة على بدء الدورة الحالية للمجلس، لم تتقدم حتى الآن بأي مشروع يسهم في خدمة الطالب في الجامعة، كما أنها لم تطرح أية قضايا أومشكلات أوصعوبات تواجه الطالب في الجامعة، داعياً في الوقت نفسه عضوة المجلس إلى التركيز بشكل أكبر في عملها داخل المجلس لخدمة طلبة الجامعة، وتذليل الصعوبات التي تواجههم. بدلاً من الكلام الشعاراتي الرنان الذي لا يسهم في تنفيذ الوعود المرفوعة إبان الانتخابات.
من ناحية أخرى علق مطر على ما جاء في الخبر نفسه من حديث حول موقفه من المسيرتين المطالبتين بتفعيل الحشمة، والرافضة للفصل بين الجنسين بالقول: إن موقفي واضح بهذا الخصوص، فالحشمة قضية أساسية وهي مطلب لنا جميعاً، أما الفصل بين الجنسين فإنه يستند على مبدأ وقرار سليمين، ويجب الأخذ به في حال توافرت الإمكانات اللازمة لتنفيذه."
وفي اجتماع لاحق مع رئيسة الجامعة، أنَّبَت الرئيسة العضوة بسبب تصريحاتها حول قرار المجلس: "يجب أن تلتزمي بقرار مجلس أنتي عضوة فيه، حتى وإن كان لك رأي آخر"! ضاربة بنفسها -الرئيسة- مثالاً، إذ أنها تختلف أحياناً مع أعضاء مجلس إدارة الجامعة، ولكنها تلتزم بما يصدره المجلس من قرارات، ولا تقف ضدها في الصحف وغيرها. كما انتقدت موقفها من مسألة تمثيل الطلبة، والمطالبة بالاتحاد داخل الجامعة، فَوَضَّحَت لها أن هذه المطالبة لا تكون داخل الجامعة، إنما عند الوزارة أو الجهة المعنية –ولا تسألوني من هي الوزارة أو الجهة المعنية!- إذ أن إنشاء إتحاد لطلبة البحرين ليس من صلاحيات إدارة الجامعة. فما كان من العضوة إلا أن أستأذنت للخروج بعد دقائق من تأنيب الرئيسة، وخرجت من قاعة الاجتماع !
يتبع ..
 

ليست مجرد تجربة (15)

الحشمــة
كانت "الحشمة" من ضمن النقاط التي تضمنها جدول أعمال ذلك اليوم – وكلمة الحشمة وإن كانت تحمل قدر كبير من الصحة في الدلالة للمعنى، إلا أني غير مقتنع بإطلاقها في التعامل مع هذه القضية- اتفَقَ جميع أعضاء المجلس على ضرورة وضع حد "لمسخرة" الملبس الذي ترتديه قلة قليلة جداً من أخواتنا الطالبات غفر الله لهن !
وإذا نسيت أسماء المتغيبون عن ذاك الاجتماع، فلا أنسى العضوة أمل فريد، وقد كنا نعلم أن استبسالاً عظيماً سيكون لمعارضة هذا القرار لو أنها حَضَرَت، معارضة بطبيعة الحال لا تغير شيئاً من الإجماع المبني على قناعة تامة لدى جميع الأعضاء، سواها !
لم تكن المسألة مدروسة من جميع النواحي، أعني أننا لم نكن نعرف بالضبط ما تفصيل الملبس الذي يُعَد مخالفاً وفقاً للوائح الجامعة في هذا الشأن، رغم أننا نرى المخالفة، كما يراها الجميع، متمثلة في قصر تنورة، أو اتساع فتحة الصدر، أو "حفره" صيفية –وهل هناك حفرة شتوية؟!-، أو ضيق بنطال، أو غيرها، ولا أظن أن هذه المظاهر بحاجة للوائح وقوانين لكشف مخالفتها وخروجها عن الأدب العام في الشارع فما بالنا في حرم جامعي !
"الأدب العام" مسألة نسبية، عدنا للنسبية، وعدنا لاختلاف المعايير باختلاف أصحابها، وثقافة أصحابها، (ولكن أعتقد أن هناك حد يجب عدم تجاوزه). (من يضع هذا الحد؟!). (الدين). (لا إكراه في الدين)! (المجتمع). (من بالضبط؟ نواب المجتمع؟). (عموم المجتمع.. العرف العام). (ماذا عن الحرية؟). (للحرية ضوابط). (ولكن الدستور كفل الحرية الشخصية!). (إذاً إلى أي حد نسمح لحرية الملبس؟). (لا حد ولا تحديد ولاحدود!). (تو بيسس؟! أم توب لِس؟! أم… حسناً لا داعي للمزيد -وهل بقيَ شيء لمزيد!-). (لا تعليق) !!
اتفقنا على متابعة الموضوع مع عمادة شئون الطلبة، ومناقشة، أو الإطلاع على الأقل على الإجراءات المتبعة من قبل العمادة مع المخالفين والمخالفات، من الطلاب والطالبات !
 بعد الاجتماع بأيام قليلة فاجأنا النائب الشيخ جاسم السعيدي بطرح موضوع "الفصل بين الجنسين في الجامعة" في إحدى جلسات مجلس النواب! هكذا دون سابق إنذار، وهل تسبق مقترحات السعيدي إنذار؟! فاسوّدت صفحات الجرائد بكلام كثير حول الموضوع، وبرزت ساحة من الساحات القديمة المتجددة "الفصل بين الجنسين" بين العلمانيين، أو المعارضين لفكرة الفصل على الأقل، والآخرين المؤيدين لها.
قبل ذلك بكثير، فتحت موضوع الملبس اللائق، وضرورة وضع آلية عملية لوضع حد لتجاوزات الطلبة، مع الشيخ عادل المعاودة، الذي كان وقتها نائباً ثانياً لرئيس مجلس النواب، وأخبرته بأنه ينبغي أن يكون التحرك طلابياً بحتاً في البداية، مدعوماً باستطلاعات رأي، واستبيانات، وغيرها، ومن ثم يكون الدعم من مجلس النواب، أو من بعض أعضاءه، إذا كان الدعم سيحقق نتيجة. ولكن السعيدي هداه الله "فركش" هذا كله، بتحركه الفردي غير المدروس. فاتصلت بالشيخ المعاودة بعد تصريحات السعيدي ومقترحه، وأبدى أيضاً أسفه واستياءه من هذا التصرف !
في الواقع، كان هناك مطلبان يختلف كل منهما عن الآخر، الالتزام باللباس اللائق، والفصل بين الجنسين، ولكن طرحهما الذي صادف أن يلتقيا في نفس الوقت، كان فرصة لدعاة الحرية البهيمية أن يشنوا عليهما حملة واحدة في صفحات الجرائد. حملة لا تخلو من جهالات كثيرة وألفاظ فقدت بريقها الزائف لكثرة تكرارها، ظلامية، رجعية, تخلف, طالبانية، مصادرة للحريات، وصاية مرفوضة، وغيرها كثير من عبارات.
حاولت التنسيق مع مجلس النواب، كنت أريدهم فقط أن يسمعوا لرأي الطلبة، أو ينسقوا معهم في تحركهم، فاتصلت فيمن اتصلت بهم بالنائب الشيخ حمد المهندي، الذي رفض حتى أن يجتمع بالطلبة معتذراً: (مستشاري يقول أنه من الأفضل أن لا نجتمع معكم الآن) ! أعتقد أنه لا داعي لوصف شعوري حينها !
واستمر السجال، معروف النهاية، بين المؤيدين والمعارضين، وعقد منتدى الجامعيين التابع لجمعية الإصلاح ندوة حول الموضوع، كانت الكاتبة سوسن الشاعر من ضمن ضيوفها، وكان الشيخ إبراهيم بوصندل من أبرز حضورها، كما كان، أعني بوصندل، من أبرز المبارزين في الرد على المعارضين لفكرة الفصل، جزاه الله كل خير. وعلمت فيما بعد أن جمعية الأصالة لم ترغب في أن يطرح الموضوع بهذه الطريقة، ولكن بما أن الموضوع طُرِح، فلا بد من بيان وجهة النظر والدفاع عنها.
ولكن للأسف، الاستبسال في المتابعة لا ينقذ دائماً العمل من سوء البداية. بل قليلاً ما تفلح المتابعة الجادة في إنقاذ البدايات الخاطئة. فهل ندرك كيف نرسم بداياتنا في كل شيء؟ هذا ما تعلمته أنا، ليس حينها، بل الآن وأنا أكتب هذه الأسطر !
يتبع ..

ليست مجرد تجربة (14)

معرض بيع الكتب المستعملة
       معرض بيع الكتب المستعملة.. أول نشاط نظمته اللجنة فيما أذكر. كَدَّست مكتبة الجامعة مجموعة كبيرة من الكتب القديمة جداً في مخزن ببهو الجامعة، وأرادت التخلص من هذه الكتب بطريقة أو بأخرى، فجاءت فكرة إقامة معرض لبيعها بأسعار رمزية جداً (100 – 300 فلس للكتاب). وكان هذا أول نشاط مختلف عن تلك التي اعتدت على تنظيمها، المحاضرات.
       أعجب صديقي "حمد المسيفر" بالعمل في هذا المعرض، فقد كان يبني علاقته مع عدد لا بأس به من الأساتذة الذين يترددون لشراء الكتب، فأمسك زمام الأمور كلها بمساعدة عدد من الطلبة والطالبات المتطوعين، وكنت ألتقيه نهاية كل يوم دراسي ليطلعني على مدخول ذلك اليوم.
       العاملون في العمل التطوعي، الطلابي خاصة، يعلمون صعوبة العثور على كنز كالذي يمثله حمد المسيفر لي حينها، فهو من النوع (حطّه على يمناك) وليس من النوع (وصَّه ولا تتكل عليه)، في تلك الأيام على الأقل. ولكم أن تتصوروا فرحي به حينها، إذ أن اللجنة ستنجز الكثير مع حمد. واعتبرته من أعضاء اللجنة الذين لا يمكن أن أستغني عنهم، والذين سأعتمد عليهم كثيراً في الأيام القادمة. ولكم أيضاً أن تتصوروا الإحباط الشديد الذي سببه حمد بعد نهاية المعرض، فقد اختفى تماماً، ودون سابق إنذار! وكأن الأرض جائعة ووجدته وجبة ستشبعها! عجزت اتصالاتي المزعجة في العثور عليه لمدة طويلة، ولم توفر حينها شركة الاتصالات "بتلكو" خدمة الاتصال بباطن الأرض بعد، ففقدت الأمل في العثور عليه.
       حقيقة أصبت بخيبة أمل كبيرة، وفي نفس الوقت تعلمت درساً لن أنساه، أن لا أعقد آمالاً كبيرة على أي شخص، مهما كان التزامه وتفانيه في العمل. وتعلمت أن أبحث دوماً عن طاقات جديدة حتى لو ظننت أن عندي ما يكفيني الآن. وتعلمت أيضاً أن لا أضيع وقتي كثيراً في البحث عن أعضاء كانوا هنا، بل البحث عن بدائل وبسرعة.
       بعد سنتين، أصبح حمد رئيساً لجمعية كلية الحقوق، وعضواً بمجلس الطلبة.
        
      

ليست مجرد تجربة (13)

uobsc.com
أي مؤسسة أو هيئة قامت على أساس التمثيل، لأي شريحة كانت، أهم عامل من عوامل نجاحها هو التواصل الفعال مع من تمثلهم. لا أدري لماذا لم أستطع أن أفهم يوماً كيف يمكن لمجلس يمثل ما يقارب 18 ألف طالب وطالبة من التواصل مع هذا العدد الهائل، واستقبال المشاكل والمقترحات والملاحظات دون تواصل الكتروني! ولم تخطر في بالي آلية إخبار الطلبة بأنشطة وفعاليات المجلس، ونشر تغطياتها دون وجود موقع الكتروني! قد يُقال أن الجرائد، والمنتديات الالكترونية، والملصقات على الجدران في كليات الجامعة تفي بالغرض، أما أنا فلم أتقبل فكرة عدم وجوع موقع الكتروني للمجلس كأبسط، وأسهل، وأوفر، وأنجع أداة تواصل مع الطلبة وغيرهم، داخل وخارج الجامعة.
هل كانت أنشطة المجلس وتحركاته بتلك الكمية والأهمية التي تدفعني دفعاً لتبني فكرة الموقع والتحرك عليها سريعاً قبل أي مشروع آخر، أم العدد الهائل للطلبة الذين ينبغي أن نفعّل التواصل معهم هو السبب، أم لسبب شخصي، وهو شغفي بأدوات وبرامج الاتصال، وعملية التواصل عموماً؟ ولهذا الموضوع قصة أخرى.
كنت ولا أزال أستخدم جميع أدوات الاتصال التي من الممكن استعمالها، أستقبل الإيميل والفاكس بواسطة هاتفي المحمول، أوقفت خدمة الفاكس مؤخراً لتعذر الخدمة مع جهازي الجديد ليس إلا، هذا الجهاز المزعج الغالي على النفس كثيراً، هل هناك أحد لا يحب هاتفه النقال؟! أشك في وفاء من لا يفعل! من خلاله حتى "المسنجر" كنت أستخدمه متى وأين كنت، براحة لا تقل كثيراً عن تلك التي يوفرها الكمبيوتر الثابت أو المحمول، لوجود لوحة المفاتيح الصغيرة. أذكر مرة بدأت حواراً بالمسنجر باستخدام الهاتف منذ أن خرجت من المكتب في مقر المجلس بالجامعة، حتى دخلت "حوش" البيت! مستغلاً طول مسافة الطريق – من الصخير حتى عراد – في هذا الحوار الشيق بطبيعة الحال! نعم نعم، وأنا أسوق السيارة! أعتذر مقدماً عن إجابة السؤال المغرض: مع من كنت تتحدث؟!
لماذا هذا الهوس وهذا التواصل الدائم، الطارد للهدوء والسكينة في أحيان كثيرة؟ لم أكن رئيساً تنفيذياً لشركة، ولا مديراً صغيراً في دائرة حكومية، لأجعل من نفسي جهة معرضة لإزعاج التواصل في أي لحظة وبأي وسيلة. لا أدري، ربما لأنني لا أريد أن أترك لأي معلومة، تافهة كانت أم مهمة، ثقافية كانت أو اجتماعية، أو في أي مجال يمكن تصنيفها، لا أريد أن أترك لها أي عذر ولو كان صغيراً أن تمتنع من الوصول إليّ. كذلك البشر، يجب أن أصل إليهم متى أريد، بأي طريقة كانت (اتصال، إيميل، مسنجر، فاكس)، كما هم من حقهم ذلك. إلا أني بعد فترة تعلمت تلك العادة التي لو علمت أن غيري يفعلها بي لحملت في خاطري عليه، عدم الرد على الاتصال، والاتصال لاحقاً، دون مبرر مقنع سوى أني لا أريد أن أحدّث أحداً في تلك اللحظة. كما تعلمت أن أغلق الهاتف لمدة يوم أو يومين بين فترة وأخرى! لا لكثرة المتصلين، ومن أين لي بمتصلين كُثُر؟! إنما لشدة الحاجة للانقطاع عن أي اتصال، في فترات بسيطة متفرقة.
نعود للموقع الالكتروني، ظهرت أول عقبة، وهي أن المشروع ببساطة لا يقع ضمن اختصاصات لجنتي، لجنة الخدمات الطلابية، بل هو بطبيعة الحال من ضمن اختصاصات اللجنة الإعلامية. كيف أتخلص من هذه العقبة "المضايقة" التي يفرضها تقسيم عمل المجلس (لجان) في مشروعي هذا، تلك المضايقة التي كثيراً ما يطلق عليها زوراً وبهتاناً تعاون مع لجنة أخرى !
رئيس اللجنة الإعلامية صديق مقرب، وهو أحد الطهاة الثلاثة في مطبخنا الخاص للقرارات الطلابية البريئة حينها، نايف الكواري، كيف أتخلص من "مساعدة" صديقي نايف والعمل على مشروع الموقع بكل راحة وحرية؟! يهمني دائماً وأبداً الحرية المطلقة، المطلقة، عندما أعمل على أمرٍ ما. وهذا ما صَعَّبَ على البعض لاحقاً العمل معي، أعني أولئك الذين يظنون أنهم ولدوا ليكونوا دوماً وفي أي مكان قادة! سأتعرض قليلاً لهذا الأمر الهام فيما بعد.
جاء تبريري العجيب لأدس نفسي في اختصاص لجنة نايف، بعد أن أصبح واضحاً بأني سأعمل على المشروع، فقلت له: (سيقدم الموقع عدد من الخدمات والتي من أهمها استقبال الشكاوى والمقترحات ومتابعتها مع الجهات المعنية في الجامعة، والرد على أصحابها، وهذا كما تعلم من اختصاص لجنة الخدمات، لذا نسعمل سوياً على هذا المشروع!). لمد يُبدِ نايف أي تحفظ، بل رحب بكل كرم! شعرت بأنه كان متيقناً من أن صاحب الفكرة هو الأكثر تحمساً لها، والأقدر على تحويلها واقعاً بالشكل المطلوب. ألم أقل سابقاً أن لجنة الخدمات الطلابية بإمكانها أن تنفرد بمعظم أعمال المجلس! أدرك نايف عملياً فيما بعد أن كلمة "معاً" جاءت فقط من باب الذرابة كما يقولون!
كتبت تصوراً، وعرضته على متطوعين من طلبة الإعلام، شارحاً لهم آلية العمل، ليباشروا في تحديث الموقع يومياً بعد تدشينه. طلبت من عمادة شئون الطلبة تنظيم دورة للمتطوعين في كتابة الخبر الصحفي. دورة كتابة الخبر الصحفي لطلبة إعلام؟! للأسف نعم. جودة مخرجات قسم الإعلام في جامعتنا، خاصة تخصص الصحافة، لم أجده بالمستوى المطلوب، رغم تفاني إدارة القسم وإخلاصها في العمل. طبعاً هناك عدد لا بأس به من المتميزين، لكنه في نظري لم يكن كافياً.
وبمساعدة جبارة من الصديق العزيز عثمان الخان، ومعه محمد مصيقر، وإبراهيم النامليتي، تم تصميم  الموقع الالكتروني، وعرضته على رئيسة الجامعة التي وافقت بدورها على تدشينه.
الدكتورة مريم بنت حسن آل خليفة، رئيسة جامعة البحرين سابقاً، كانت علاقتي بها أكثر من رائعة، كنت حينما أجلس معها أنسى أني مع رئيسة جامعة، أحس بأني أجلس مع أمي، بل جدتي! كانت تصر: "انتوا إلا يهال!" فأدخل في نوبة ضحك عارمة. نتحدث في أمور بعيدة عن العمل الطلابي، وأحياناً بعيدة عن الجامعة أيضاً. اكتشفت أن ذلك يمثل إحدى الوسائل الفعّالة في الحصول على مكانة وحظوة عند المسئولين. ثقتها الغالية بي، كانت مفتاحاً سحرياً للعديد من القضايا. أذكر مرةً أن عميدة شئون الطلبة أيستْ من الحصول على موافقتها لإقامة أصبوحة شعرية للشاعر المعروف عبدالرحمن العشماوي، فرمت الكرة في ملعبي: حاول معها أنت. وبعد جلسة كانت فيها الأحاديث الجانبية أكثر من غير الجانبية، كالعادة، رجعت للعميدة: لقد وافقت الرئيسة. تفتح العميدة عيناها وتبتسم: لا يا شيخ!!
بقي شيء مهم، كثيراً بالنسبة لي، إدارة الموقع، يجب أن أكون مديراً للموقع بصفة رسمية حتى لا يعترض معترض في المستقبل على هذا الأمر ويسأل: من اختارك مسئولاً على الموقع؟! فكتبت رسالة لرئيسة الجامعة، موقعة من رئيس المجلس، جاء فيها: (ولا شك أننا موافقون على تدشين هذا الموقع، وعلى أن يكون الطالب/ أحمد الحربان المشرف العام عليه…). ثقة صديقي رئيس المجلس هو الآخر تغنيه من مراجعة المكتوب، فيوقع على الرسالة، وغيرها من رسائل مباشرة. ما شأن ثقتي الزائدة في ثقة الآخرين بي! هل هذا نوع من النرجسية؟! وهابي نرجسي هذه المرة؟! الله أعلم! ترسل رئيسة الجامعة لعميدة شئون الطلبة بالموافقة على تدشين الموقع وعلى أن أكون مشرفاً عليه.
بدأت بعدها في مراسلة الشركات في محاولة مني للحصول على جهة تتبنى الموقع، وتقدم دعماً مادياً للقيام بحملة إعلامية للموقع، نشجع من خلالها الطلبة على إيصال الشكاوى والمقترحات عبره، ولمكافأة الفريق الذي صمم الموقع، ولتقديم مبالغ رمزية للذين سيعملون على تحديث الموقع فيما بعد، ولشراء بعض الأجهزة الالكترونية التي يحتاجونها.
نتج عن هذا التحرك اجتماعاً مع شركة "زين" للاتصالات، وبدأت الأفكار الرائعة تحوم في رأسي حول تطوير الموقع، وربطه بالهاتف النقال، وإرسال الرسائل النصية للطلبة من خلاله، وغيرها من الأفكار. كانت "زين" حينها في مفاوضات مع إدارة الجامعة حول مشروع أكبر بكثير، وقد أحسوا أنهم لن يصلوا مع إدارة الجامعة إلى نتيجة مُرضية، فأركنوا موضوع موقع المجلس جانباً إلى أن يصلوا إلى اتفاق مع إدارة الجامعة. وطارت الأفكار من غير رجعة، فلم يتوصلوا إلى اتفاق إلا بعد أكثر من سنتين، عندها تركت المجلس، ولم يعد للموقع ذكر!
بمساعدة لا تقل في جبروتها عن المساعدة الأولى، من الخان أيضاً، تم تطوير الموقع في السنة التالية بعد أن أصبحت رئيساً للمجلس، فاعتمدت عليه اعتماداً كلياً في نشر أخبار المجلس وفعالياته، وفي الإعلان عن أي فعالية أو نشاط، وفي استقبال المقترحات والشكاوي، وكان كل تحديث يصل للقائمة البريدية الخاصة بالموقع. أعتقد أن الأمر سَهَّلَ على بعض الصحفيين كثيراً في الحصول على مادة صحفية جاهزة بدل الجري وراء أعضاء المجلس لمعرفة أمر ما. بل إذا ما اتصل أي صحفي أو صحفية كنت أوفر عليه وعلى نفسي الوقت، وأحيله على الموقع مباشرة. وكان الموقع كذلك ينشر محاضر اجتماعات المجلس أولاً بأول، ليعلم الطلبة ما يدور في هذه الاجتماعات، ويعرفوا مَن مِنَ الأعضاء يسعى في خدمتهم، ومن لا يُذكر اسمه في المحضر سوى في قائمة الحضور !
وَقَفَت مرة إحدى الطالبات في لقاء حول المجالس الطلابية أقيم خارج الجامعة، تنتقد فيه غياب أعضاء المجلس، وصعوبة الوصول إليهم. فقلت لها بأننا طبعنا ووزعنا 20 ألف بطاقة، وألصقنا بوسترات في كل كلية، وصرحنا في الجرائد، إعلاناً عن الموقع للتواصل مع الطلبة، ماذا نستطيع أن نفعل أكثر؟! وبعد الرد وإيضاح مسائل أخرى، أصبحت شبه متحدث جانبي في ذلك اللقاء، الذي كان متحدثه الرئيسي الأستاذ محمود حافظ، رغم ذهابي إليه من غير دعوة !
أما اليوم فـ" أين الموقع الالكتروني لمجلس طلبة جامعة البحرين؟.. لماذا لا نجد تعريف المجلس وأهدافه وأسماء أعضاءه ومعلومات تواصلهم، وكل ما يتعلق به في الشبكة المعلوماتية، ليتعرف العالم على أنشطة طلبة جامعتنا الوطنية، وليكون مرجعاً لأخبار النشاط الطلابي بالجامعة؟
حُرم الطلبة من خدمات كثيرة كان يقدمها موقع مجلس الطلبة الالكتروني … كل هذه الخدمات باتت معطلة، بعد أن عصفت بالموقع ريح البيروقراطية، بتوجيه إدارة الجامعة لأن يكون الموقع تحت إدارة وإشراف مركز تقنية المعلومات، بعد أن كان مستقلاً بإدارة وإشراف المجلس مباشرة. وإني على يقين بأن خدمات الموقع كانت ستتطور، ولكن هذا ما تفعله "مطبات" التعطيل التي تحد من سرعة عجلة النشاط الطلابي، والتي يبذل أخواننا أعضاء المجلس كثيراً من وقتهم وجهدهم في سبيل الدفع بها وتطويرها.
لقد جاء هذا التوجيه حينما كنت رئيساً للمجلس، وقد اعترضت على الأمر شفهياً لعلمي بأنه سيعرقل مسيرة هذا الموقع الحيوي، وأنه ليس كما قيل لي بأن الإجراء بسيط وسيواصل الموقع في تقديم خدماته دون أي تعطيل، وها هو الموقع قد توقف تماماً، فضلاً عن أن يقدم أي خدمة !
إن من أهداف المجلس دعم الأنشطة الطلابية، و المساهمة مع الجامعة في تطوير الخدمات الطلابية، و المحافظة على منجزات الجامعة والمساهمة في رفعة شأنها، وغيرها من أهداف جميلة تحتاج إلى آلية سهلة وميسرة تتناسب وحياة الطلبة الجامعيين أعضاء المجلس بما يحكمهم من وقت محدود، ومن أهم هذه الآليات وجود قنوات تواصل فعالة، تربط أعضاء المجلس بطلبة الجامعة المقدر عددهم حوالي 20 ألف طالب وطالبة! لمعرفة الآراء والمقترحات والشكاوي، ولنشر أخبار الفعاليات والأنشطة والقرارات والتوصيات الصادرة، ولا نجد آلية أكثر فاعلية وسهولة لهذا التواصل من الموقع الالكتروني.
أما عن تحديث مادة الموقع، من إدراج الأخبار، ووضع الإعلانات، وغيرها، فإنه من الطبيعي، ولتوضيح وجهة نظرنا نضيف: بل يجب وينبغي، أن يكون بيد المسئولين عنه والمكلفين بمتابعته من قبل المجلس، أعضاء من اللجنة الإعلامية عادة، وسيفقد الموقع فاعليته متى ما قامت بهذه المهمة أي جهة أخرى، كمركز تقنية المعلومات مثلاً، كما تريد الجامعة. فالفاعلية تحتاج إلى تحديث مستمر وفوري مع مجريات الأحداث من أنشطة وفعاليات واجتماعات وغيرها، وإشراف وإدارة مركز تقنية المعلومات على الموقع الالكتروني الخاص بالمجلس تعقيد لا نجد له أي مبرر، ويتعارض مع روح أهداف تأسيس المجلس، والتي نصت أحدها على "تنمية الروح القيادية بين الطلبة وإتاحة الفرصة لهم للتعبير المسئول عن آرائهم".
ومن خلال نشاطي الطلابي، ما رأيت من إدارة الجامعة إلا التعاون والتفهم لكل ما نطرحه من وجهات نظر، لذا نرجو منها إعادة النظر في مسألة تبعية موقع المجلس لمركز تقنية المعلومات…"[1].
لا أذكر أني أصدرت تقييماً مكتوباً حول أداء المجلس في دورته الخامسة، تجنباً لأي فهم خاطئ، لقناعات شخصية خاطئة، ربما لا زال يحملها بعض الأخوة. لكني أرى أن إدارة المجلس تساهلت كثيراً مع إدارة الجامعة في موضوع الموقع، فلم تكن المطالبة به بالمستوى المطلوب، ولو كنت مكانها لعقدت اجتماعاً تلو الآخر مع رئيسة الجامعة لا لموضوع غير موضوع الموقع، يجب أن تقتنع! وإذا فشلت – وأنا أشك في ذلك، فلم يكن إقناع الرئيسة بالمهمة الصعبة أو المعقدة أبداً – لما ترددت في تدشينه دون إخطار إدارة الجامعة، ولجعلت فريقاً خاصاً به ليسوا من أعضاء المجلس. ماذا ستفعل الإدارة حينها إذا رأت هذا الإصرار؟! بل ماذا يمكنها أن تفعل؟! فالموقع لا يدار من قبل الأعضاء، بل من قبل طلبة متطوعين لا تعرف الإدارة هوياتهم، كغيرهم من المشرفين على الأقسام الجامعية في المنتديات الالكترونية الكثيرة. لكن للأسف اختفى الموقع، الذي اعتبرته إحدى النقلات النوعية للمجلس في دورته الرابعة، بانتهاء تلك الدورة !
 
 


[1]مقال سابق نشر في صحيفة محلية بعنوان (أين الموقع الالكتروني لمجلس الطلبة ؟!).

ليست مجرد تجربة (12)

وهابي لطيف !
     طَرَقَت الباب مستأذنةً الدخول، دخلت واستأذنت مرة أخرى للجلوس على أحد المقاعد الثلاثة المقابلة لمكتبي. حملها أحد الكراسي، وقام الآخر بدور حارس الباب، حيث من عادتي أن أستخدمه لإمساك الباب مفتوحاً عند لقائي بالطالبات، أما الثالث فكان خالياً دون وظيفة، فهل كان هو الشيطان؟! الله أعلم!
     حاولت جاهداً أن أطرح بصري على الأوراق الممددة أمامي، فقد كانت صاحبة جمال صارخ! وقلت صارخ لأن جمالها كان يلفت النظر بشكل ملفت للنظر! فكانت نتائج محاولاتي هذه… النتائج غير معلنة! لحظة.. لا يعني أني فشلت!
     أتذكر وأنا أكتب عن هذه الفتاة تلك المفارقة، عندما علَّقَت صورتي الانتخابية على صدرها، كما فعل كثيرون غيرها، بعد حوالي سنة من هذه الزيارة المفاجئة التي تركت في نفسي الكثير، ولأنها متحررة أكثر من غيرها (Free كما نقول) فقد كانت فتحة الصدر كبيرة نسبياً بكل ما في النسبية من تجاوز! وكانت صورتي محشورة هناك محتلة أغلى مساحة إعلانية، لضمانها أكبر عدد من النظرات التي تسقط عليها في اليوم الدراسي، ببراءة وبدون براءة، رغم صغر حجمها! أذكر كيف عَلَّقَ الكثير من أصدقائي ضامنين لي النجاح! هي أيضاً لم تسلم من التعليق حيث وقف أستاذاً في الفصل وسألها أمام الطلبة مستغرباً: كيف يمكن؟! مشيراً إلى معادلة "ميتافيزيقية" معقدة تقف أمامه، استعصى عليه، وعلى كثير غيره فهمها.
     قالت لي بعبارة مملوءة بالاستغراب والصراحة، وكأنها تعترف بجهل عظيم:
         لم أتصور يوماً أن تكون هكذا أنت !
فسألتها باستغراب مصطنع لأني عرفت في نفسي ما ترمي إليه:
         نعم؟! ماذا تقصدين؟!
         تذكر أول يوم رأيتنا فيه ؟
         كان ثاني أيام فترة الحذف والإضافة.
         نعم، تغيبت أنت في اليوم الأول، كنت مع صديقتي في مساعدة الطلبة في صباح ذاك اليوم، فسألنا عن رئيس اللجنة الخدماتية الذي سوف نعمل معه، فأخبرونا بأنك مريض، ولما قدمت في اليوم الثاني، ودخلت الصالة، قالوا لنا وهم ويشيرون إليك: هذا هو رئيس لجنتكم. ولأكن صريحةً معك، أول ما رأيناك قلنا أنا وصديقتي: (بل! هذا رئيس لجنتنا؟! كيف سنتعامل معه؟!) تصورتك شخصاً آخر تماماً، لم أكن أتصور أن تعاملنا بهذا الاحترام، وتتحدث بهذا الأسلوب، وتضحك بهذه الأريحية !!
     فكادت عيني تقطر فرحاً، فقد حققت ولو جزءاً بسيطاً من هدف دخولي لميدان العمل الطلابي، وسألتها ماذا كنتي تتوقعين إذاً؟ ألست إنساناً يضحك ويمزح؟ فأجابت مبررة:
         أنتهم الوهابيون أناس متشددون، أنتم تكرهوننا، هذا ما أعرفه عنكم!
         وكيف عرفتِ ذلك؟
         كلام الناس، والبريد الالكتروني، تصلني صور إعدامكم للأبرياء في أفغانستان (أو إيران لا أذكر!).
         وهل تصدقين كل ما يخبرك به البريد الالكتروني؟ هذه مشكلتنا، نتعرض ليل نهار لتضليل إعلامي لا يدركه كلنا، ومن يدركه قد لا يدركه كله.
     كلام كثير وتصورات خاطئة، أغلبها موروثة أو من مصادر غير موثوقة كالبريد الالكتروني وغيره. فبدأ حوار قصير، حيث اقتصرت الزيارة لهذه المصارحة. أجمل شيء يمكن أن تفعله، هو تحطيم ما "عشش" من أفكار مغلوطة في عقول الناس، والأجمل أن يكون تحطيمك لها بالأفعال لا بالأقوال، حتى وإن اقتصر فعلك على ابتسامة.
     الله أعلم منذ متى وهي تحمل هذه الصورة عني وعن أمثالي قبل أن تعرفني عن قرب، والله أعلم من سيقتلعها لو لم يفعل طالب في الجامعة، والله أعلم بآثارها المستقبلية لو ظلت هذه الأفكار مكانها حينما تتخرج وتخالط الناس في العمل، أو حينما تصبح مسئولة، أو أماً ومربية، أو أو..
     أذكر هنا قصة أخرى، أيضاً تبين دور العمل الطلابي في تغيير انطباعات وأفكار كثير من الطلبة. طلبت إحدى الطالبات من الأخ مطر، رئيس المجلس، مساعدتها في مشكلة تواجهها، فأشار عليها بمراجعتي وعرض المشكلة علي، فردت عليه مستنكرة إمكانية مساعدتي لها: (لا أظن بأن الحربان سيساعدني، فهو سني متشدد وأنا شيعية!) فطمأنها مبيناً لها أن ظنها ليس في محله، والحمد لله تبين لها ذلك أيضاً بعد أن وفقني الله في مساعدتها، ولم تكن مساعدتي سوى سماعي لشكواها! ولا أنسَ مكالمتها الهاتفية التي أغرقتني فيها بعبارات الشكر والثناء، والدعوات بالتوفيق والسداد!
     للعمل الطلابي دور كبير في تغيير قناعات، وتصحيح مفاهيم، ورسم صورة واضحة كما نريد أن نرسمها نحن، لا كما يريد غيرنا، أولئك الذين يبرعون في تأجيج مختلف أنواع الطائفية – فالطائفيات كثيرة- في وقت، وفي إخماد نارها في وقت آخر. لو لم يكن في العمل الطلابي سوى هذه الحسنة، لكانت تكفيني أن أعشق هذا المجال.
 

ليست مجرد تجربة (11)

أول مكتب !
     كانت فترة، وأزمة التسجيل اختباراً عملياً لمدة أسبوع تقريباً، استطعت من خلالها تقييم أداء أخواني وأخواتي أعضاء المجلس، بعيداً عن الشعارات والبرامج، التي أمطرتنا حملاتهم الانتخابية بها في فترة الانتخابات. كما تشكَّلت في هذه الفترة نواة فريق عملي الخاص، بعد مباشرة كل من "زهرة" و"فاطمة" العمل في اللجنة منذ أول أيام فترة الحذف والإضافة، وانضمت إليهما لاحقاً الأخت "شيماء".
     لم أضع خطةً، ولا تصوراً واضحاً لعمل اللجنة، فقد كنت حديث عهدٍ بالعمل الجماعي، فكيف بإدارته؟! وما زاد الأمر تعقيداً، بالنسبة لي خاصة كرئيس لأهم لجنة، هو غياب آلية واضحة لعمل المجلس، فلا لائحة داخلية، ولا لائحة لجان، ولا تصور واضح في كيفية التعامل مع مشاكل الطلبة إذا ما وصلت للمجلس، والمهمة التي تعد الأبرز من مهام اللجنة، باختصار، كان المجلس، ولا زال، حتى وقت كتابة هذه الأسطر، هيئة طلابية تختلف طريقة عملها باختلاف الأعضاء، وليس هيئة لها نظامها المحدد تسير عليه، يلتزم به الأعضاء مهما تغيرت وجوههم. ومن هنا يتضح سبب تباين أداء المجلس بين دورة وأخرى.
     وقد قَدَّمت عضوة المجلس آنذاك، الطالبة "أمل فريد" لائحة داخلية مقترحة، مرفقة مع لائحة عمل لجان أيضاً، إلا أن أعضاء المجلس لم يقروها! وأنا من أولئك الذين عرقلوا سير هذه اللوائح المقترحة، بناءاً على جهلي في العمل النقابي حينها، وعلى رغبة رئيس المجلس الذي كان يرى في وضع هذه الأنظمة واللوائح تقييداً للعمل! ولعلي كفَّرت عن هذه الخطيئة في دورة المجلس التالية، أي بعد سنة، بوضع لوائح داخلية كأول عمل قمت به بعدما أصبحت رئيساً للمجلس. والمفارقة أني كنت فخور جداً بهذا الإنجاز!
     بعد فترة من العمل تعرفت على عدد كبير من موظفي الجامعة، وعرفت مسؤولية كل منهم، وبنيت معهم علاقة بعيدة كل البعد عن كل ما هو رسمي، وكان لذلك الأثر الكبير في تيسير أي عمل أقوم به، وفي التغلب على كثير من الصعوبات التي واجهتها لاحقاً. وبذلك أصبح لدي، وربما قبل غيري من الأعضاء، علم من أين تُطلب المطالب، وأين أجد جوابي على أي سؤال، ومن هو الموظف المناسب لهذه القضية، أو الموظفة المناسبة لتلك المسألة. فاستغليت هذا الأمر أيما استغلال!
     وقتها، بعد مرور أكثر من سنتين على ولادة المجلس، لم يكن للمجلس مقر بالجامعة في الصخير، إنما كان مقره الوحيد في فرع الجامعة بمدينة عيسى، المكون من قاعة للاجتماعات، وغرفتان، واحدة للرئيس والثانية لأمين السر. فبذلت قصارى جهدي لأحصل على مكتب في الصخير أستطيع من خلاله تفعيل عمل اللجنة. فحصلت على مكتب، وكان أول مكتب خاص للجنة من لجان المجلس في الصخير منذ نشأة هذه الهيئة الطلابية. وتناوب بعض الأعضاء لاحقا في الاستئذان لاستخدامه. نفس السعي جاء بعد ذلك لتزويد المكتب بجهاز كمبيوتر، وطابعة، وهاتف، يحمل رقماً، حسدني عليه مدير دائرة الأنشطة الطلابية، مستغرباً كيف حصلت على رقم متناسق لم يستطع هو أن يحصل على مثله رغم طلبه!
     وبعد أن زاد قليلاً حجم العمل، ولضيق المكتب، سعيت للحصول على مكتب ثاني، ليكون المكتب الأول للأخوات العاملات في اللجنة، أما الثاني المجاور للأول فأصبح خاص بي! ولا زلت أذكر كيف كان يسلم علي جاري الأستاذ باحترام جم، يحسبني أستاذاً مثله! ربما حقيبة الكمبيوتر المحمول التي كنت أحملها دوماً، إضافة لكبر سن شكلي، هما السببان الرئيسان لهذا الحسبان الخاطئ، الذي لم يتفرد به هذا الأستاذ الفاضل، بل شاركه فيه العديد من الطلبة والأساتذة!

ليست مجرد تجربة (10)

أزمة التسجيل !

   خلال فترة العطلة الصيفية، ربطت نفسي بعقد عمل مؤقت لمدة ستة أشهر مع مصرف الشامل، ومن يعمل في مجال البنوك والمصارف، يعلم كيف العمل في قسم العمليات ( Operation) في هذه المؤسسات، حيث كنت أعمل، يقتل الوقت قتلاً، ويجهز على ما يملك الإنسان من طاقة إجهازاً! فأصبحت بين خيارين، إما أن أعمل، وأكمل دراستي مساءاً، خاصة وأن نسبة فرصة التثبيت في العمل كانت 100% تقريباً، وإما أن تنتهي فترة العطلة الصيفية، وأنهي عملي قبل انتهاء مدة العقد بثلاثة شهور وأرجع للدراسية الصباحية في الجامعة.

   لذلك، ضغطا علي، الكواري ومطر، كثيراً لترك اللجنة الخدماتية للزميل صادق الشعباني، خوفاً من فشلي فيها، فقد كانت ثقتهم في طالب جديد على العمل الطلابي متضعضعة، ومن ناحية أخرى، لأنهم وجدوا أن فرصة ترك الدراسة الصباحية والعمل في المصرف كبيرة جداً، وهذا يعني أنهم لن يروني في الجامعة أبداً، سوى وقت الاجتماعات الاعتيادية، ورغّبوني لأنزل عند رغبتهم بمنصب الأمين المالي، وما دور الأمين المالي في هيئة لا تملك التصرف أبداً في ميزانيتها؟!

مع نهاية العطلة الصيفية، نظّمت دائرة شئون الموظفين بالمصرف رحلة لجزرحوار، وفي طريق العودة، على القارب الأبيض، ومع راحة النفس وسط الأفق المغمور في ماء البحر من كل جهة، اتخذت قرار ترك المصرف الذي عملت فيه لمدة ثلاثة أشهر، ولم أطق أن أستمر أكثر لطبيعة عملي فيه! لم يكن طموحي يوماً أن أصرف الساعات الطوال والجهد الكبير، في النظر والتدقيق في الأرقام، وتحويل الحسابات، والتأكد من صحة المبالغ، وغيرها من أعمال مضنية تؤدّى بعيداً عن إعمال الفكر ومقابلة الناس. أليس هذا الكلام غريب أن يصدر من طالب محاسبة!

   يوم العودة من الرحلة كان اليوم الأول من أيام فترة الحذف والإضافة للفصل الأول من العام الدراسي 04-2005 ، وكثر السؤال عن رئيس لجنة الخدمات في أول امتحان له، وكان يغطي مطر على صاحبه المستمتع في رحلته، برده على السائلين: (إنه مريض!).

   فترة الحذف والإضافة من أكثر الفترات التي يحتك فيها أعضاء المجلس بأعداد كبيرة من الطلبة، وذلك لأن فيه تكثر المشاكل، وبعبارة أدق، تبرز المشاكل أكثر من أي فترة أخرى، فحري على المجلس أن يكون متواجداً لمساعدة الطلبة، والسعي لحل المشاكل التي قد تصادفهم خلال عملية تسجيل المواد. تتولى لجنة الخدمات مهمة تنظيم عمل المجلس خلال هذه الفترة.

   في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي، أيقظني اتصال: (وينك الحربان؟). وكان صوتي المرعب يكفي للإجابة على سؤاله. أضاف المتصل: (ألحق، هناك مشكلة كبيرة جداً في التسجيل، لقد تم حذف المواد من جداول الطلبة!). هرعت لتأدية الطقوس "الحمامية" الصباحية، المفروضة عليّ من جسدي، النحيف ذلك الوقت! ولبست ثيابي وطرت إلى الجامعة.

   قبل وصولي إلى هناك تلقيت اتصالاً من أحد أنشط أعضاء المجلس، يخبرني فيه عن نيته لتنظيم اعتصاماً أمام مكتب رئيسة الجامعة، احتجاجاً على ما جرى (حذف المواد المدرجة في جداول الطلبة) وما سببه ذلك من أزمة وإرباك، فطلبت منه أن يكف عن هذه الفكرة، إلى أن أصل للجامعة وننظر في الأمر. ذهبت للصالة الرياضية، حيث مكان التسجيل في فترة الحذف والإضافة. أحد الأعضاء أشار علي من بعيد، دون أن ألحظ، وقال مخاطباً طالبتين: (هذا هو رئيس لجنتكم)، زهرة وفاطمة، تطوعتا في العمل في اللجنة من اليوم الأول، وانصدمتا من رئيس اللجنة، بالأحرى من شكل رئيس اللجنة! أخذت معي مطر والكواري وذهبنا إلى مكتب عميد القبول والتسجيل، الدكتور عيسى الخياط.

   شرح لنا الخياط أسباب الأزمة، وكيف أنه اضطر لاتخاذ قرار حذف المواد من جداول الطلبة، بعد أن أصبح هناك نقصاً غير متوقعاً في عدد الأكاديميين! حتى يتمكن بعدها من إعادة إضافة المواد للطلبة، مع ضمان حصول كل طالب على أربع مواد على الأقل، وهو ما يجب أن توفره الجامعة لكل طالب في الفصل الواحد. بعدها عقدنا اجتماعاً عاجلاً لجميع أعضاء المجلس، وأخبرتهم بأنه لا شك عندنا في تقصير إدارة الجامعة، على الأقل في متابعة موضوع الكادر الأكاديمي من الأساس، ومهما كانت الأعذار فالجامعة لديها من الجهاز الإداري والتنظيمي، ما ينبؤها بالأزمة قبل حدوثها، المفروض! وسألت الأعضاء: (هل تودون أن نتفرغ للطلبة ومشاكلهم ونحاول قدر الإمكان التخفيف من تبعات هذه الأزمة، أم نتفرغ لمقارعة الجامعة وفضح سوء إدارتها في هذا الظرف؟). وكان الإجماع دون نقاش على الخيار الأول. وهكذا طار الاعتصام المقترح من قبل صاحبنا في أدراج الريح، طبعاً بقناعته التامة!

   وبدأت تجربة مفيدة وممتعة في نفس الوقت مع عميد القبول والتسجيل. كيف تعامل المجلس الطلابي مع إدارة الجامعة المتمثلة في هذا العميد الفاضل خلال هذه الأزمة؟
كان العميد يتواصل مع أربعة من الأعضاء، رئيس المجلس، عبدالعزيز مطر، ونايف الكواري، وصاحب فكرة الاعتصام، وأنا. أما مطر والكواري فقد تجنبا الدخول في نقاش حقيقي مع الدكتور طيلة تلك الفترة، خوفاً من توتر علاقتمها معه، فقد كانوا يأملون في الحصول على مقترحات ومشاريع منه يضيفونها في نهاية دورة المجلس إلى سجل انجازاتهما، ويؤسفني أن أقول بأنهما خرجا من المولد بلا حمص! رغم الوعود والأماني التي حصلوا عليها.

   أما صاحبنا الآخر، الذي كان سيقود اعتصاماً في الصباح، فقد وكّلَ نفسه بالليل محامياً عن الإجراء الذي اتخذته إدارة الجامعة، وقام يبرر ويعلل فعلتها في المنتديات الالكترونية، بتوجيه من الدكتور، وهما يدخنان "الشيشة" في أحد المقاهي! يتوجب علي أن أسجل هنا اعترافاً بدهاء هذا العميد الذي استطاع أن يُسكت هذا المشتعل غضباً وحماسةً، ويجعله في جيبه -كما يقولون- بهذه السرعة!

   أما أنا فقد كنت إذا قال العميد: (لقد تم تسجيل أربعة مواد لهذا العدد من الطلبة)، أباشره بالسؤال: (وماذا عن الباقي؟)، فلحظ العميد حاجتي للترويض أكثر من غيري، خاصة بعد أن صرحت في إحدى الصحف (سيعقد مجلس الطلبة لقاءاً صحفياً حول الأزمة بعد انتهاء فترة الحذف والإضافة مباشرة، وسيقف على أسبابها وآثارها). قامت القيامة ولم تقعد عند العميد، رغم أنه لا يتحمل كثير من أسباب هذه الأزمة، ولكنه كان حريصاُ كل الحرص لإخماد أي تحرك يضخم من تبعات ما حصل، حاله حال أي إداري في أي مؤسسة، حكومية خاصة.
 
   وبدأت سيل اتصالات العميد لكبح جماح هذا المندفع. دون مبالغة كانت الاتصالات تصل في بعض الأيام إلى عشر اتصالات. وهروباً من المواجهة، أو أي محاولة للتخفيف من الموقف، تعمدت عدم الرد على العميد. فلجأ العميد لرئيس المجلس، وضغط عليه ليقنعني بالعدول عن هذه الفكرة المجنونة في نظره! وكنت أطمئن رئيس المجلس بأن اللقاء الصحفي لن ينعقد، ولكن لا بد أن نتقن لعب الأدوار! أظن هكذا تزداد مكانة ممثلو الطلبة عند الإداريين!

   ومنذ ذلك الحين، ولا أدري إلى أي حين، وصورة الشاب المتهور المندفع الذي لا يزن الأمور قبل أن يقدم عليها، هي المرسومة في ذهن العميد عني، ولا أدري من الذي رسمها، هو أم أنا؟! ولكني لا زلت مقتنعاً بأنه كان يقوم بما يجب أن يقوم به، وكذلك أنا.

 

 

ليست مجرد تجربة (9)

رئيس لجنة الخدمات الطلابية
بعد أن أصبحت عضواً بالمجلس بالتزكية، كان جل اهتمامي في تلك الانتخابات أن يفوز مرشح كلية الحقوق، صديقي نايف الكواري، حيث كانت هذه الكلية، ولا زالت، الأشد وطيساً في الانتخابات! وذلك بسبب الاصطفاف الطائفي في الكلية، والذي جعل من "الطالب أولاً"، المحسوبة على جمعية إسلامية شيعية -جمعية الوفاق- أن تتحالف دائماً مع القوائم الأخرى، التي تصفها هي بالعلمانية والشيوعية، فقط لأنها تنتمي لنفس الطائفة!
وتسطيراً لتلك المرحلة من الحراك الطلابي، من المهم أن أشير إلى مقاطعة "منتدى الجامعيين" التابع لجمعية الإصلاح لهذه الانتخابات، قاطعوا الترشيح ولكنهم لم يقاطعوا التصويت، أي لم تكن هناك تلك الاجتماعات التي عهدناها في الانتخابات الأولى، والتي تغيرت نوعاً ما في الانتخابات الثانية، وفي الحقيقة لا أعرف سبب ذلك، أهي المشاكل التي حصلت في انتخابات المجلس السابق؟ أم أنهم لم يجدوا من ضمن صفوفهم الكوادر المؤهلة، كما صرح أحدهم؟ أم لأسباب أخرى؟ لا أدري، ولكني أستغرب السبب الثاني وأستبعده.
كنت أنتظر النتائج في مسبح (جامعة الخليج العربي) المتواجد داخل جامعتنا، وكان، صديقي فوزان خليفة، عضو المجلس السابق، يعطيني النتائج أولاً بأول من خلال الهاتف، فاز نايف الكواري، ووصل من وصل، وخسر من خسر. وكان من ضمن الفائزين أيضاً، القيادي البارز في "الطالب أولاً"، الزميل صادق الشعباني، وهو ناشط طلابي فاعل جداً.
من الطبيعي أن نتشاغل الآن بموضوع توزيع المناصب. في هذه الأثناء تشكل تكتل صغير في حجمه وسأترك للقراء أن يحكموا إن كان كبيراً في تأثيره أم لا. كان التكتل يضم ثلاثة من أعضاء المجلس وهم: الأخ نايف الكواري وقد وصل للمجلس بعد فوزه في انتخابات كلية الحقوق كما أسلفنا، والأخ عبدالعزيز مطر وكان ناشطاً طلابياً قديماً، ترأس جمعية كلية التربية لمدة ثلاث سنوات متتالية، فكان عضواً في المجلس في دورتيه السابقتين الأولى والثانية أيضاً -تنص اللائحة الأساسية لمجلس الطلبة أن يكون رئيس الجمعية الطلابية عضواً في المجلس-، وكنت أنا ثالث الثلاثة، كان الثالث أصغرهم رغم ما شاء البعض أن يسميه "كبيرهم"، ويكملها البعض الآخر "الذي علمهم السحر"!
أبدى الأخ عبدالعزيز رغبته في ترشيح نفسه لرئاسة المجلس بطريقة لبقة وذكية جداً، فهو لم يصرح برغبته وإنما تركنا نصل بأنفسنا لهذا القرار عن قناعة، فلم يكن أحدٌ منا نحن الثلاثة يملك الخبرة والمعرفة بطبيعة العمل الطلابي كما كان يملكها عبدالعزيز، فكان اتفاقنا عليه محسوماً منذ البداية تقريباً، ولم ألتفت لنصيحة -إن جاز لي تسميتها بذلك- وجهت لي تدعوني بأن لا أدع الفرصة له لرئاسة المجلس وأن أرشح نفسي لهذا المنصب، قلت للأخ الناصح: تعلم أن هذا المكان لا يناسبني الآن، وإخفاقي فيه تعتبر وصمة عار سأحملها طول عمري، وسيحملها المتدينون في نظر كثير من الناس.
لم يكن تغيير واقع العمل الطلابي والاستفادة منه بقدر الإمكان هو ما يشغلني في تلك الفترة، بل احتل المرتبة الأولى في قائمة اهتماماتي تغييراً آخر، وهو تغيير النظرة الدونية التي يرى بها بعض الطلبة والناس للمتدينين. كنت أود أن أقول من خلال المشاركة في العمل الطلابي تحت مظلة المجلس بأن الطلبة المتدينون قادرون على خدمة أخوانهم الطلبة بأفضل وجه، وعلى التميز في تنظيم الأنشطة والفعاليات، وعلى الانخراط بفاعلية في المجتمع الطلابي، لا تمنعهم من ذلك "اللحية" ولا "الثوب القصير". لذلك كنت أريد أن أعمل في نشاط يقربني أكثر وأكثر من الطلبة، لهذا السبب وحده أصررت على تولي رئاسة لجنة الخدمات، وهي اللجنة التي من الممكن أن نطلق عليها حينها "العمود الفقري للمجلس"، فهي المعنية بمتابعة مرافق الجامعة من مواقف للسيارات، واستراحات، ومطاعم، وغيرها. والأهم من ذلك، هي المعنية أيضاً بمتابعة شكاوي الطلبة التي تصل للمجلس، وهي المسئولة عن تنظيم عمل أعضاء المجلس في فترة الحذف والإضافة، وإذا كان هناك من عمل لا يمكن تصنيفه ضمن مهام أي لجنة من لجان المجلس، يستطيع رئيس اللجنة الخدماتية، بطريقته، أن يصنفه ضمن مهام لجنته. هل كل رئيس لجنة خدماتية كان يحاول جر بساط أغلب المسئوليات من تحت لجان المجلس كما كنت أفعل؟ الله أعلم.
وبدأت أمتع وأكثر سلسلة اجتماعات إثارة مرت علي تلك الفترة، كنا نجتمع كل ليلة تقريباً في قهوة شعبية بمدينة عيسى "قهوة رامز"، نرسم الخطط ونتخذ القرارات ونكتب نص المسرحيات التي سنمثلها أو سيمثلها أحدنا في اليوم التالي، بمعنى آخر تخطيط متواضع يتبعه تنفيذ. كان القرار يخرج من مطبخ نتولى نحن الطباخون الثلاثة –مطر والكواري وأنا- أمره. ومن تلك الاجتماعات عرفت الكثير والكثير جداً عن التكتلات الطلابية ومدى ارتباطها بتوجهات وتوجيهات الجمعيات والأحزاب التي تنتمي لها، كان هذا الموضوع بالذات أمراً جديداً ومثيراً بالنسبة لي. صحيح أنني كنت محسوباً على جمعية الأصالة، الجمعية السياسية التي تتخذ من السلفية توجه ومنهج، إلا أن اتصالي بأعضاء الجمعية، كان ولا زال، ليس قوياً، ولم يحصل قط أن ألزمت نفسي، أو ألزمني أحد، بما يسمى لدى الأحزاب اليوم بـ"قرار الجماعة"، بل كنت مستقلاً في كل قرار اتخذته كاستقلالي في كل خطوة خطوتها، وكذلك سأظل بإذن الله. والسلفيين في البحرين عموماً كانوا حينها أقل الناس استثماراً لميدان العمل الطلابي، لأسباب أهمها قلة عددهم وحداثة دعوتهم في البحرين.
بسبب علاقاته مع مختلف التيارات الطلابية، وبسبب خبرته في العمل الطلابي، وربما أيضاً بسبب سنه الذي يكبرنا بقليل، تولى عبدالعزيز قيادة سلسلة اجتماعات مطولة أخرى مع قيادات التيارات الطلابية التي كان لها أعضاء ممثلين بالمجلس، للخروج بصيغة متفق عليها لتشكيلة المجلس، تشكيلة تعكس تنوع التيارات الطلابية في المجتمع الجامعي. ولا شك أن الجامعة تعتبر صورة طبق الأصل للمجتمع البحريني، ولكنها مصغرة، ففيها كل التوجهات والتيارات الموجودة في المجتمع البحريني الصغير المكتظ بأعداد تياراته!
توصل عزيز إلى صيغة متفق عليها من قبل الجميع، ما عدا منصب الرئاسة الذي رغب هو في توليه، فممثل كلية إدارة الأعمال، الأخ حمد الزيرة، الذي تطرقت لذكره سابقاً، كان يطمع في شغل نفس المنصب. فتم توزيع جميع المناصب الإدارة في الاجتماع الأول للمجلس دون اللجوء للتصويت ما عدا منصب الرئيس، حيث تنافس مطر وحمد عليه، وفاز مطر بالتصويت، وصار حمد نائباً له.
ولا يفوتني هنا أن أشكر مطر فقد كان لا يتخذ قراراً إلا بعد الرجوع لي وللأخ نايف، ومن ثم يتفاوض مع الآخرين بناءً على ما نتفق نحن الثلاثة عليه، ولعل هذا هو سر توفيق الله لنا في تلك التجربة، فقد كنا ثلاثة أعضاء من أصل عشرين إلا أننا حكمنا المجلس بطريقتنا التي لم يدركها الأعضاء والمراقبون إلا بعد فترة ليست بالقصيرة من عمر المجلس.
كان مطر ينقل لي نتيجة مفاوضاته أولاً بأول، وكان يخبرني بكل خطوة ينوي القيام بها، يخبرني بكل شيء، وبالتفصيل الممل. هذا ما كنت أظنه في بداية الأمر! ولكن وبالرغم من تفصيله في سرد الأحداث، إلا أن التضارب في أقواله أحياناً كشف بعض التحركات والاتفاقات الملتوية التي لم أكن لأوافق عليها لو أنها عرضت علي قبل أن تُبرم، فصارحته: (لماذا لم تخبرني؟) فقال: (عزيزي أحمد أنت إنسان نظيف –لا شك أن هذا ظنه بي، ولا يعني بطبيعة الحال أنها الحقيقة- وهذه لعبة قذرة، ولا بد من لف ودوران وشيء من "العيارة" لنصل إلى المطلوب، ولعلمي بأنك لن توافق على أموراً كهذه رأيت عدم إطلاعك عليها)! أستطيع أن أقول بأنه كان يخفي عني أساليبه فقط، أما الأهداف فكانت محل اتفاق.
ولكن للأسف، هكذا يصور البعض السياسة بأنها لعبة قذرة سيتوسخ المتدينون لا محالة إذا ما مارسوها، فهم يظنون أن النجاح السياسي لا بد فيه شيء من "عيارة" ولف ودوران وربما أيضاً شيء من تغيير في المبادئ والثوابت، فلا مبادئ ولا ثوابت أصلاً في السياسة، كما يخبرنا اليوم لسان حال كثير من الناس، إنما هي مصالح أينما كانت كانوا. هذه وجهة نظر البعض البعيدة عن سيرة السياسي الأحذق والأذكى محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يتلوث بما يزعمونه من ضرورات اللعبة. أتدرون لماذا غدت "العيارة" ضرورة من ضرورات العمل السياسي عند البعض؟ لأنهم أخفقوا في الضرورات الحقيقية التي تحتاج إلى حكمة وعلم وجهد حقيقي وصبر.
بعد أن تم تشكيل المجلس، دخلنا كما تدخل المجالس المنتخبة عادة في فترة استراحة مطولة، لا أدري إن كان ذلك على حساب خدمة الطلبة أم لا، ولكننا لم نكن بدعة من المجالس لكي نبدأ في العمل الجاد الدءوب بعد التشكيل مباشرة! ربما لأن الفترة حينها كانت فترة العطلة الصيفية، ولا أذكر أننا فعلنا شيئاً سوى التحرك لتأجيل امتحانات منتصف الفصل يوم واحد، بسبب انقطاع الكهرباء ليلة ذلك اليوم، وأذكر أنه سمي بالأثنين الأسود!