واشنطن.. هل تصبح أقل أمناً ؟

في كسب جديد للوبي حق حمل السلاح في أميركا (كسرت المحكمة العليا الامريكية قرار محكمة امريكية كانت قد حرمت الاسلحة الفردية في واشنطن العاصمة، واعلنته غير دستوري.  وصَوَّت قضاة المحكمة العليا بخمسة أصوات مقابل أربعة لصالح السماح للمواطنين بحمل الاسلحة الفردية وذلك وفقا للقوانين المرعية) BBC Arabic.

جاء هذا القرار بعد أن استمر منع السلاح في واشنطن منذ عام 1976، (ولطالما بررت بلدية واشنطن ان هذا المنع يهدف الى خفض نسبة الجريمة في المدينة) كما ذكر المصدر نفسه.

ويبدو واضحاً من تقارب العدد بين مؤيد ومعارض داخل المحكمة نفسها، خمسة قضاة مقابل أربعة، حدة الجدل الدائرة في الولايات المتحدة حول الموضوع.

ما الذي تغير؟! هل عادت المحافظة على أرواح المواطنين عن طريق الحد من الجريمة أمراً ثانوياً بالنسبة لصانعي القرار هناك؟

هنا جزء من الجواب، تحت عنوان (العلاقة الغرامية بين الأمريكيين وسلاحهم) يقول “تقرير واشنطن” :

“ويمثل منظمة السلاح الأمريكية NRA التي تعتبر أقوى لوبي (أي جماعة الضغط) في هذا الشأن 4.3 مليون عضو حيث تبرعت بحوالي 15 مليون دولار بصورة مباشرة لحملات سياسية ولجان حزبية منذ عام 1989، بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات على اللوبي وشركات الدعاية.  وذهب 84% من هذه الأموال لصالح الحزب الجمهوري. ودليل على نفوذ هذه المنظمة المتصاعد في السياسة الأمريكية ما ذكرته مجلة فورشين Fortune الواسعة الانتشار عام 2002 من أن منظمة NRA هي اللوبي الأقوى في واشنطن، مضيفة انها تتجاوز جماعات الضغط القوية التقليدية الأخرى مثل اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة AIPAC ومنظمة المتقاعدين الأمريكية AARP“.

ومن موضوع آخر لنفس المصدر: “يلعب لوبي السلاح في الولايات المتحدة دوراً هاماً في الانتخابات الرئاسية وبشكل خاص الجماعات الداعمة للحق في حمل السلاح مثل (الاتحاد القومي للبنادق) و(ملاك البنادق الأمريكيون). ويكمن عنصر المساهمة الرئيسي لهذه الجماعات في تقديم الدعم المالي للمرشحين سواء لانتخابات الكونجرس أو الانتخابات الرئاسية، إلى جانب التصويت لهؤلاء المرشحين. وتتفاوت هذه المنظمات فيما بينها في حجم الدعم المالي الذي تقدمه، فالجماعات المؤيدة للحق في حمل السلاح تنفق أضعاف ما تنفقه نظيرتها الداعية لتقييد هذا الحق”.

فالمسألة مسألة محافظة على كراسي، ومناصب، لأولئك الذين يملكون تأثيراً في القرار السياسي، ومن جهة أخرى ضمان استمرار الأرباح الناتجة من عملية بيع السلاح لأصحاب هذه الصناعة، حتى وإن كان ذلك على حساب أمن وسلامة المواطنين المساكين المغلوب على أمرهم، المخدوعين بأكبر وأتقن آلات الخداع والتضليل الإعلامية في العالم.

يقول ستيف فرايزر وغاري غرستل في ختام كتاب (الطبقة الحاكمة في أمريكا.. تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية): “ولكن المظاهر الأخيرة للسخرية في ما يتعلق بالديموقراطية الأميركية هي أن إعادة هيمنة الأثرياء والنافذين تُظهر نفسها وكأنها ثورة شعبية، وحركة تحرر أكثر غرابةً وشذوذاً إن لم نقل أكثر حمقاً وعناداً”.

أعان الله مفكرو أميركا الأسوياء، فقد قرأت مرة أنهم يفكرون في كيفية فصل القرارات السياسة، كاختيار المرشح الذي يُصَوَتُ له، عن الثروة وسلطتها. إنها مسألة معقدة في ديمقراطيتهم المضحكة، لا أظن بأنهم سيجدوا لها حلاً دون تقديم تضحيات، وتضحيات مؤلمة جداً !

936new

لم نكن، أنا وأصحابي المشاركين في أحد برامج الخارجية الأميركية، نتردد في الخروج بعد منتصف الليل من الفندق، للمشي في الشوارع المظلمة لمدينة واشنطن الجميلة، رغم أنها كانت أول محطة لنا في زيارتنا للولايات المتحدة، متجاهلين توصيات الأهل والأحباب بزيادة الحيطة والحذر.

لا أظن بأننا سنستطيع ذلك بعد سنوات قليلة !

 

تقرير واشنطن – حق حمل السلاح في الولايات المتحدة

أقرأ أيضاً: لوبي حق حمل السلاح وانتخابات أمريكا

 

أصحاب “المنسف” هم الفائزون !

"معلومات خاطئة: صدمني ابني البالغ من العمر التاسعة، عندما كنت أراجع معه درساً فيالدين، من خلال تفسير بعض الآيات الكريمة، حين سألته: هل تعرف من هم الكفّار؟فأجابني بأنهم المسيحيون. فقلت له: من الذي أدلى لك بهذه المعلومة؟ فقال لي: إنجميع الطلاب في المدرسة يقولون ذلك. وربما خشي أن يقول لي إن مدرسته هي التي أدلتله بتلك المعلومات الخاطئة. فنحن نعلم بأن الكفار أو المشركين بالله جلّت قدرته، همعبدة الأصنام في الجاهلية، وهم من تم ذكرهم في معظم الآيات القرآنية، وليسواالنصارى أو اليهود ممن نزلت عليهم الرسائل السماوية، وإلا صححوني ان كنت مخطئاً".
ذكَّرني هذا المقطع من عمود الأستاذ قحطان القحطاني في جريدة أخبار الخليج، بقصة صدمتني أيضاً مع صديقي المغربي مراد..
كنا بولاية Rohde Island، قبل أن نعود من آخر زيارة لبرنامج ذلك اليوم، كان أمام الجميع خياران لبرنامج الغد، الأول زيارة الأسرة الأردنية وأكل المنسف (طبخة أردنية)، بدعوة من الأستاذة "سناء"، أردنية تعمل مُدرسة هناك، وقد التقيناها في زيارتنا للمدرسة التي تعمل فيها. أما الخيار الثاني فحضور احتفال الطلبة اليهود بعيد رأس سنتهم (Rosh Hashanah). حفزني كثيراً صديقي المغربي مراد لحضور احتفال اليهود من باب الإطلاع والمعرفة، وأنها فرصة قد لا تتكرر معي مرة أخرى، أما هو فقد حضر مثله مرتين في المغرب. لم أتشجع للفكرة، ومع إصراره، قلت أتأكد من جواز حضور احتفالهم أولاً ثم أفكر بالأمر.
بحثت عن المسألة في الانترنت، وحصلت على كلام الله في الموضوع مع كلام أهل العلم، الدال على عدم جواز حضور هذه الأعياد. فجاء في رد الشيخ عصام العويد على سؤال مشابه تماماً: (الذهاب لأعياد الكفار وحضورها دون المشاركة في طقوسها حرام بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، فإذا كان هذا العيد من أعيادهم الدينية التي تشتمل على تقديم الصلوات والأدعية الشركية، التي فيها التثليث ونسبة الولد لله تعالى وغير ذلك مما هو من أعظم وأقبح الكفر بالله تعالى؛ فالأمر خطير جداً؛ لأن المشاركة فيها تعني الرضا بها في الظاهر ــ والعياذ بالله ــ وقد قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (140) سورة النساء، هذا فيمن جلس معهم فقط!! … من القرآن: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (72) سورة الفرقان . قال مجاهد وعكرمة وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وعمرو بن مرة وغيرهم من الأئمة: هي أعياد الكفار…).
فاعتذرت من صديقي، وطلب مني أن يقرأ الدليل، ففتحت له الصفحة وبدأ يقرأ، ثوانٍ قليلة لا تسعفه لقراءة سوى سطرين أو ثلاثة فقط، التفت إليَّ: (تعرف كنت متشككاً في جواز حضور أعيادهم أما الآن فأنا مطمئن). رديت: (لماذا؟!). قال: (لأن هذا الشيخ يقول أنهم كفار، ومن قال أن اليهود والنصارى كفار؟). قلت: (نعم؟!). قال: (اليهود والنصارى أهل كتاب وليسوا كفاراً، هم يؤمنون بوجود الله). قلت: (ولكن كفار قريش أيضاً كانوا يؤمنون بوجود الله!). قال: (لقد قرأت القرآن كله، ولم أجد آية تناديهم بالكفار، إنما أهل كتاب، في جميع الآيات). واستمر نقاش طارت فيه الآيات وتبخرت من الصدمة، فلم يخطر لي ببال أن أواجه هذه الشبه يوماً من أخٍ مسلم على درجة من الوعي والثقافة كما كان صديقي! قفزت آية، قلت: (قال ربك: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة).. أحسست أنه غير مستعد في تلك اللحظة للتخلي عن معلومة مقتنع منها تماماً، فاقترحت تأجيل النقاش حتى العودة، ومواصلته مكتوباً عبر الإيميل. أفضل النقاش في مسائل كهذه كتابة، لصعوبة الاستطراد في مواضيع جانبية بعد تحديد نقاط الحوار الأساسية.
من الواضح فيما بعد أننا، ملبو دعوة "المنسف" كنا الفائزين، فقد تعرفنا على الرجل الكريم عصام، زوج سناء، واطَّلعنا على شيء من حياة العرب هناك، من خلال هذه العائلة الأردنية، التي أحرجتنا كثيراً بضيافتها وكرمها، ناهيكم عن لذة "المنسف" العجيب، الذي أتذوقه لأول مرة. أما أخواننا وأخواتنا الذين ذهبوا للحفل اليهودي، فقد بدوا وكأنهم متطفلين على الحفل، لبرودة الترحيب الذي لاقوه هناك !
عوداً لموضوع كفر اليهود والنصارى، فلن نذكر شيئاً من الأحاديث هنا، ويكفي أن نستعرض بعض آيات كتاب الله، التي لا يخالفنا في صحتها أحد إن شاء الله! وقبل ذلك، هناك من يتحفظ على تكفير من قال أن لله ولد! وهناك من يتردد في تكفير من قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء! بحجة أنهم ولدوا من أبوين يهوديين أونصرانيين، وتربوا في بلد يهودي أو نصراني، فمن الطبيعي أن يكونوا على اليهودية أو النصرانية. نذكِّر هؤلاء أن من وصلته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن بها فهو كافر، ومن مات ولم تبلغه الدعوة فأمره إلى الله.
قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)، (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم)، (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم)، وهذه الآية الأخيرة تبين أن هناك من أهل الكتاب من هو كافر. وقال الله: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما)، (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة…)، (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينـزل عليكم من خير من ربكم)، (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون)، وغيرها.
 والموضوع كُتب فيه الكثير، سهل الحصول على إجاباته لمن طلب الحق. ولكن الصعب تقبله هو التهاون واللبس في هذه المسألة المعلومة من الدين بالضرورة !

National Democratic Institute – NDI

   أولى الاجتماعات الرسمية، في أول محطات الرحلة، واشنطن دي سي، التقينا بثلاث نساء ورجل، عرضوا لنا خدماتهم النبيلة المشكورة، الساعية لحرث تربة الشرق الأوسط، تلك التربة القفرة القاحلة، التي لا تستوعب بذور الاصلاح والتطوير إلا بعد عمليات الحرث الشاقة، ولهؤلاء من مقرهم المتواضع في واشطن دي سي، وبمساعدة فروعهم في بعض الدول العربية، لهم من عملية الحرث هذه حظٌ ونصيب.

     من هناك، يرسمون الخطط ويضعون الخطوات العملية، لأجل من؟ لأجلي وأجلك أيها القارئ الكريم، إنهم يجدون ويجتهدون لحياة أفضل، لي ولكَ ولكِ، حياة العدل والمساواة، حياة الحرية والكرامة، حياة في ظل حكم رشيد!

     ولكننا نحن المتخلفون، لا أدري لماذا نعتبر هذه الخدمات الجلليلة المجانية تدخلاً في شئوننا الخاصة! أرأيتم أناساً جائعون، لا يعرفون كيف يزرعون، فضلاً عن أن يحرثون، وفي هذا الوضع المأساوي المزري، مساعدة الغير يرفضون!

     بعد دقائق من بداية الاجتماع، دخل الأستاذ فوزي جوليد، وجلس مستمعاً قريباً من الباب، آه.. جهز سؤالي الآن: (تعتبر بعض الدول جهودكم تدخلاً في شئونها الداخلية الخاصة، ومثال على ذلك ما حصل للأستاذ فوزي جوليد في البحرين، فقد كان وجوده غير مرغوب فيه.. أتمنى أن يبين لنا ما حصل له هناك). لم أسمع تعليقاُ من جوليد، وسمعت من إحداهن إقرار بصحة وجود هذه النظرة لدى بعض الدول. سألت عن جوليد قبل مغادرة المبنى. عنده اجتماع مع امرأة سعودية. السعودية، حيث الأرض الأكثر وعورة. من المؤكد أنهم يعملون في حرثها، من المؤكد أنهم يجتهدون أكثر من غيرهم! أعانكم الله يا الشعب السعودي! عليهم وعلى غيرهم!

     نكتة "دسمه" قالتها إحدى الثلاث، وهي العربية الوحيدة بينهم، مغربية، قالت: (نحن لا نأتي بأجندة، لا نفرض شيئاً على الناس، مجرد نساعد الناس على تنظيم أنفسهم، وكيف يمارسون السياسة…) يا لها من "مجرد" بريئة! لم نضحك كعادتنا بعد سماع النكت، ربما لأن النكتة قديمة قِدَم "آخر كم؟؟.. كم آخر؟؟". بالمناسبة، تعتبر الولايات المتحدة المغرب مثالاُ تطلب من الدول العربية الاحتذاء به، ومن يعرف أن مستشاري الملك المغربي يهود، لا يستغرب هذه المعلومة.

    مداخلة أخيرة، سعيت كما أسعى دائماً لتكون من نصيبي: (أنتم تُعلمون الناس الديمقراطية، و"حماس" أنتخبت بكل ديمقراطية، والآن أصبحت "حماس" حركة إرهابية! لذا أقترح أن تكون هناك منظمة NRI، National Respect Institute ، نسعى من خلالها لتعليم الأمريكيين أن يحترموا خيار الشعوب الأخرى!).

     سادت ثواني من الصمت، ثم قالت واحدة من الموظفات، منسقة مكتب المعهد في البحرين مستقبلاً، نحن نعمل بالوزارة الخارجية الأمريكية، وعندما تصنف حكومتنا إحدى الجماعات أو المنظمات على أنها إرهابية، فلا يمكننا نحن تغيير ذلك، وبالتالي لا يمكن أن نتعامل حتى معهم. شعرت بأن التعليق صدر فقط ليكسر ثواني الصمت التي سادت قبل قليل، لا غير.

     تعرض مصطفى الدباغ في كتابه (إمبراطورية تطفو على سطح الإرهاب) للأعمال الإنسانية هذه، التي تقوم بها الولايات المتحدة، باستخدام وسائل وأذرع عدة، ما معهدنا هذا إلا واحد منها: "وطالما أننا شرعنا في مناقشة برنامج محاور الاصلاحات الأمريكي وأولها محور التغيير أو الإصلاح السياسي بفرض الديمقراطية فلا بأس من الاستطراد لنجد كما رأينا في تفنيد زبيغنيو بريجنسكي لفرض الديمقراطية وزج المسلمين قسراً وبالإكراه في مدرسة الديمقراطية الأمريكية أن هناك الكثير من الآراء المضادة لما فيها آراء المسؤولين حيث انتقد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر تصريحات رايس وغيرها حول (بناء الديمقراطية) وأن أمريكا قوة محررة للدول الإسلامية غير الديمقراطية وقال: (إننا لسنا بحاجة إلى دروس من أحد) … وهذه الرؤية العربية هي رؤية غربية منصفة كذلك عبر عنها كبار المفكرين ففي لوس انجيلوس تايمز كتبت ايرا ريفييكن تقول: (من الخطأ الفادح جداً أن نحاول فرض قيم ثقافتنا الغربية وحشرها حشراً في العقول ووجدان الآخرين، ذلك أن ردة الفعل ستكون دامية ومأساوية)".

     ولكن، هل بإمكاننا أن نعتبر مكاتب صغيرة هناك وهناك في الوطن العربي، المتصلة بهذا المقر المتواضع بواشنطن دي سي، آلية فرض للثقافة السياسية؟! لا أظن، إلا إذا تخيلت الضغوطات التي تمارس على الحكومات العربية، والتي تتم هندستها في مكاتب كهذه.

     ثمة نقطة ملحة تقفز إلى الذهن، كلنا متفقون على ضرورة التغيير السياسي في بلداننا العربية، لماذا إذاً هذه النظرة للمساعدات الخارجية؟ وهل نتوقع من المضطهدين، الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية في بعض –بعض!- الدول العربية، غير الترحيب بهذه التدخلات والمبادرات؟ سؤال أخير، هل كلنا متفقون أساساً على ضرورة التغيير؟! هل أنا شخصياً واحد من المتفقين؟!

    أهم معلومة للمستثمرين الكبار قبل أن يستثمروا ثرواتهم في شركة ما، هي معرفة أعضاء مجلس إدارة تلك الشركة كما بينت إحدى الدراسات، ومعرفة مؤهلاتهم وكفاءتهم وخبراتهم، وفكرهم الاقتصادي إن صح التعبير، أعتقد أن الأمر لا يختلف أبداً بالنسبة للمنظمات السياسية، لذا أجد من المناسب أن أنقل هنا شيئاً مما ورد في كتاب (الجبروت والجبار) لمادلين أولبرايت، رئيسة مجلس إدارة معهدنا (NDI)، وزيرة خارجية الولايات المتحدة 97-2001م، في عهد كلنتون، تقول:

    "عندما غادرت الحكومة في سنة 2001، عدت إلى التدريس الجامعي، عشقي القديم. وفي جامعة جورج تاون، أعلّم مقرراً واحداً في الفصل يتقلّب بين طلبة الدراسات العليا والطلبة غير المتخرجين. وفي بداية كل مقرر، أوضح لطلابي الغاية الرئيسية للسياسة الخارجية هي إقناع البلدان الأخرى بأن تفعل ما نريد –عدنا لنكتة الأجندة-. ولهذه الغاية، يوجد لدى الرئيس أو وزير الخارجية أدوات تتراوح بين القوة العسكرية الصريحة والعمل التفاوضي الشاق جيئة وذهاباً والاستخدام البسيط للمحاجة المنطقية. ويتكون فن سياسة الحكم من إيجاد المزيج الذي يعطي أفضل النتائج. ويتطلب ذلك بدوره فهماً واضحاً لأكثر ما يهمّ من نحاول التأثير عليهم. ويترجم ذلك بالنسبة لرجال الأعمال إلى "معرفة الزبون". ويعني في الشؤون العالمية، التعلم عن البلدان والثقافات الخارجية، ولا يمكن القيام بذلك فيما تلفّ المشاعر الدينية العالم بدون أخذ المعتقدات والدوافع الدينية في الحسبان".

     وفي معرض حديثها عن القضية الفلسطينية: "ونقبل المقولة بأننا لم نطلب الكثير من العرب، الذين لديهم مدن مقدسة أخرى وكثير من الأرض، بإفساح متّسع لشعب إسرائيل الصغير في المكان الوحيد الذي كان لديهم وطن حقيقي فيه".

     إذا كان الأثرياء يعدلون عن الاستثمار في شركة ما بسبب اختلاف وجهات نظرهم مع أعضاء مجلس إدارة تلك الشركة، فإنهم سيجدون ستين شركة أخرى بإمكانهم الاستثمار فيها. فماذا يفعل المطحونون هنا وهناك في وطننا العربي إذا لم تعجبهم مجالس إدارة المنظمات السياسية الخارجية، وهم في أشد الحاجة للتغيير؟! خاصة في ظل ضعف المنظمات الأخرى، الإسلامية منها خاصة (انظر: أزمة سياسية إسلامية).

قدم أستاذي العزيز يوسف اليوسف عرضاً طيباً لكتاب (الجبروت والجبار)، يمكنكم الإطلاع عليه من هنــا

أمريكا شيكا بيكا

    في الفترة 25 أغسطس – 15 سبتمبر شاركت في برنامج "القيادة الطلابية والمسئولية المجتمعية" المنظم برعاية الوزارة الخارجية الأمريكية، وهو برنامج يتم اختيار المشاركين فيه من خلال سفارات الولايات المتحدة في عدد من الدول العربية، على أن يكونوا شباباً ناشطين، قادة إن صح التعبير. يهدف البرنامج إلى تعريف قادة الشباب العربي لطبيعة الأنشطة الطلابية والشبابية في أمريكا، ودورها في الشراكة المجتمعية، وأثرها في المشاركة السياسية.

تم اختياري للمشاركة في هذا البرنامج عندما كنت رئيساً لمجلس طلبة جامعة البحرين، أي حوالي قبل عامين من وقت البرنامج. هذا مجرد توضيح لمن قال أنه تم ترشيحي للمشاركة من قبل جمعية علمانية!

شارك في هذا البرنامج ثلاثة عشر شاباً وشابة. من الخليج، فقط جاسم من الكويت ،والسيد عدنان وأنا من البحرين. نعم شاركت مع الأخ السيد عدنان في هذا البرنامج، أعلم بأن أسمي لم يُذكر معه في الأخبار، الرسمية وغير الرسمية، التي نشرت في بعض الصحف المحلية، والتي نشرت أكثر من مرة. لا أعلم ما السبب! لا يهم!
بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية، قابلني معظم الأصدقاء بعد السؤال التقليدي: (شلونك؟ شمسوي؟) بسؤالهم: (شلون أمريكا؟)، فأجيب على السؤال الثاني: (أمريكا شيكا بيكا)! والرد كما هو واضح ليس بإجابة بقدر ما هو اعتذار عن الإجابة بأسلوب مهذب! إذ كيف لي أن أختصر إجابة سؤال عن رحلة استغرقت ثلاثة أسابيع، في زيارة لخمسة ولايات، وعدة لقاءات وفعاليات في كل ولاية، كاختصاري لجواب السؤال الأول بقولي: (الحمد لله)؟!

لذا، قررت أن أكتب هنا سلسلة قصيرة من المقالات، أتطرق خلالها لشيء من يوميات ومواقف هذه الرحلة الممتعة، فانتظروني..