ليست مجرد تجربة (20)

لائحة داخلية

   بعد توزيع المناصب مباشرة، انصرف اهتمامي لشيء رئيسي، وهو إحكام عمل هذا المجلس وتنظيمه من خلال لائحة داخلية تبين دور كل منصب من المناصب الموزعة على الأعضاء، وكل ما يندرج تحت تنظيم العمل الداخلي، من آلية الاجتماعات، ومسئولية الرئيس والنائب وأمين السر والأمين المالي، والجزاءات لمن يخالف اللائحة من الأعضاء، إلى آخره.

   عكفت على لوائح داخلية لجمعيات أهلية، ولاتحاد طلابي، ولمنظمات أخرى، وكانت المرة الأولى التي أقرأ فيها أبواباً ومواداً، أقتبست منها ما يناسبني، وأضفت ما لم أجده، وقدمت ما خرجنا به، بعض الزملاء وأنا، من تصور أولي لمحامي أعرفه. اتصل بي بعد يومين يخبرني بأن اللائحة جاهزة، وقال (اللائحة مفصلة لرئيس المجلس)! شكرته، وعرضتها على أصدقائي، ومن ثم قدمتها في اجتماع المجلس الأول أو الثاني، لا أذكر تحديداً، وناقشنا ما جاء فيها من مواد، مادة مادة، لم ينتهِ الاجتماع إلا واللائحة مُقَرَّة من قبل جميع الأعضاء بالتوافق، وكان التوافق على آلية تنظيم العمل أهم شيء بالنسبة لي. وما لم أرغب فيه، وهو ما لم يتحقق، في أن نضطر للتصويت على بعض المواد.

   إلى هنا وكل شيء جميل ورائع، وشعرت بدفعة قوية للعمل بعد أن رأيت اتفاق جميع الأعضاء على الآلية التي تحكم عملنا كفريق واحد. ولكن تذمر من خارج المجلس أشعل شرارته أحد الصحفيين في جريدة يومية حيث كتب في نقطة حواره (استطاع مجلس الطلبة الرابع بجامعة البحرين في أولى جلساته إقرار أول لائحة داخلية تنظم عمله وتحدد مهمات الرئيس ولجان المجلس، ما اعتبره الكثيرون خطوة تحسب لرئيس المجلس الحالي أحمد الحربان .. إلا أن هذه اللائحة التي أقرها المجلس بتحفظ يوجد فيها الكثير من السلبيات أهمها تقييد الحريات … عندما حددت اللائحة في مادتها السابعة والتي جوزت لمجلس الطلبة حق فصل العضو في حالة التصريح للإعلام بما يوقع الضرر على المجلس ومن دون موافقة الرئيس …).

   بحثت عن سلبية أخرى غير التي ذكرها الكاتب في إشارته، والتي من المفترض أن تكون أقل أهمية من تقييد الحريات، فلم أجد واحدة، فلا أدري مناسبة كلمة (كثير) هنا! عموماً، بدأت المنتديات تكتب وتنتقد، خاصة تلك التي لم يعجبها هوية رئيس المجلس الجديد لا عمله.بيان قائمة الو�دة الطلابية

   وفي تطور عجيب طبعت مجموعة من الطلبة تجمعهم مظلة غير رسمية سموها (قائمة الوحدة الطلابية)، طبعوا بياناً عنوانه (بيان حول إقرار اللائحة التنظيمية لمجلس الطلبة)، ومما جاء فيه (وبعد مرور أكثر من ثلاثة شهور خرج المجلس المنتخب من قوقعته وجموده بإعلانه عن إقرار لائحته التنظيمية التي جاءت مخيبة لآمال الطلبة بما احتوته من مواد تكرس ليس هيمنة إدارة الجامعة وحسب، وإنما هيمنة رئيس المجلس على أعضائه وتضع عقوبات قاسية عليهم تصل إلى الفصل فيما لو مارسوا حريتهم في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم حول قضايا المجتمع خارج الجامعة، هذه الحرية التي كفلها لهم الدستور وميثاق العمل الوطني …)، والحقيقة أن المادة المعنية ليست لها أي علاقة بإعلان عضو المجلس عن رأيه ووجهة نظره حول قضايا المجتمع خارج الجامعة. وأختتم البيان كما يُختتم كل بيان شاجب رافض من إعلان لهذا الرفض من منطلقات عادة ما تكون براقة يتفق عليها الجميع. وبجملة توسطت السطر كتبت بالخط العريض (وحدتنا الطلابية رمز قوتنا). تسائلت لما وقع البيان في يدي، أليس الحوار أول ركائز الوحدة، لماذا لم يحاورني أو يناقشني أحدهم رغم تواجدي بينهم ؟! وهل يحق لأي أحد خارج المجلس أن يقدح في آلية عمل توافق الأعضاء عليها ؟!

اضغط على صورة البيان لتكبير حجم الصورة

   في الاجتماع التالي، أعلن بعض الأعضاء رغبتهم في إعادة النظر في اللائحة الداخلية، رغم أنهم وافقوا عليها بعد نقاش مستفيض في الاجتماع السابق، وما ذاك إلا لشكهم في خدعة وقعوا فيها بعد ما قرأوه وما سمعوه من كلام. وكنت أكثر من مستعد لإعادة مناقشة اللائحة، وتغيير كل ما يرغب الأعضاء في تغييره، فهذه آلية عمل يجب أن نتفق جميعاً عليها، وانتهت المناقشة بتغييرات بسيطة جداً لم تغير من جوهر ما تم تغييره! وظلت زوايا اللائحة مفصلة حسب مقاس رئيس المجلس، قصير القامة !!

   الحق هو أن اللائحة فعلاً تحتوي على صلاحيات "حلوة" للرئيس، ولكن هل أرتكبت خطئاً إذا أقنعت الأعضاء بواقعيتها وأهميتها وقَبَلوها هم بكامل إرادتهم ؟!

   لم أكن سأسعى بطبيعة الحال إلى فصل أي عضو حتى لو خالف ما جاء في اللائحة –اللهم إلا فيما يتعلق بموضوع الغياب-، ولكن وجود روادع كان مهماً بالنسبة لي، تجعل من يعتزم على المخالفة يتردد، وتجعل المتررد يكف عن عزمه !

   ومن الغريب، أن اللائحة الداخلية تخالف في بعض موادها بعض ما جاء في اللائحة الأساسية، وكل من له أدنى ثقافة "لوائحية"، يعرف أن أي لائحة داخلية يجب أن لاتخالف النظام الأساسي للمؤسسة، لذا طالبنا بتعديل بعض مواد اللائحة الأساسية. أنتهت دورة المجلس، ولم نستلم رداً على طلب التغيير، ولكننا عملنا وفق لائحتنا الداخلية، بل وفصلنا عضواً بسبب تغيبه ثلاث مرات متتالية من دون عذر، وفق الآلية التي نصت عليها اللائحة الداخلية، وهي غير الآلية التص نص عليها النظام الأساسي !

   بعد انتهاء دورة المجلس، أخبرتني عميدة شئون الطلبة بأنه لا يحق لمجلس الطلبة أن يضع له لائحة داخلية، وأخبرتني بأن العمادة تغاضت عن الأمر في المرة السابقة! ولكنني نصحت أعضاء المجلس الذي جاء بعدنا بأهمية وجود هذه اللائحة، وإذا كان مسمى (لائحة) هو ما يثير العمادة، فلتكن وثيقة تحمل أي مسمى، فالمهم هو التوافق على آلية عمل المجموعة.

   في الدورة التالية، دخل الناشط الطلابي والزميل العزيز أيمن الغضبان، الذي أخذ على عاتقه توزيع البيان سابق الذكر، وصار أحد أعضاءه البارزين، ومارس العمل الطلابي بعيداً عن الشعارات والبيانات الرنانة، ومع قرب نهاية تجربته قال لي (ليتك كنت رئيساً لمجلس أنا عضوٌ فيه)! ما أروع وحدتنا الطلابية عندما نكون قريبين من بعضنا أكثر.

 

ليست مجرد تجربة (19)

رئيس المجلس هذه المرة !

   بعد مشوار سريع أحسست بقصر مسافته -دورة واحدة في المجلس- قررت أن أرشح نفسي مرة ثانية. وقد شكَّكَ البعض في إمكانية انضمامي للمجلس هذه المرة، وقالوا بأن الانسحابات التي حصلت منحتني الفرصة في المرة الأولى، ولو لا التزكية الناتجة عن هذه الانسحابات لما وصلت. هذا كان رأي البعض، أما نتيجة التصويت الذي كان في 18 مايو 2005م فقد كانت فوزي، وبالمركز الأول في الكلية.

   ولا زلت أذكر جيداً لحظات انتظار النتيجة، فقد كانت كليتي، كلية إدارة الأعمال، آخر نتيجة تنتظرها الجموع الطلابية، وقد ظهرت جميع النتائج قبلها بوقت قصير. ما هي إلا ثوانٍ من تلقي الخبر عبر الهاتف النقال من مندوبي داخل صالة فرز النتائج، وإذ بي أمتلىء رعباً خشية السقوط، فقد كنت أطير في الهواء! ولم أشعر بالأمان إلا بعد أن حملني الأخوة على أكتفاهم، بل بعد أن هبطت على الأرض بسلام.

(صورتي في الهواء بعد أن حولتها إعلاناً لشركة Hush Puppies !)

      الفضل لله أولاً، ثم لعدد من الجنود الذين لا زلت أجهل كثير منهم. لم أكن أملك فريقاً انتخابياً منظماً ولا هم يحزنون، وقد كان يحضر الاجتماعات التحضيرية التي نعقدها هنا وهناك قبل يوم الانتخاب ممثلون من كل كلية، إلا كليتي، فقد كنت وحيداً، مع واحد أو اثنان لا أكثر، وكانوا يسألونني: أين فريق عملك؟! فأجيب: لا عليكم. ويبدو أن الأخوة قد فهموا –خطأً- من إجابتي هذه أني قد أعددت المفاجاءات ليوم الانتخاب، ولم يكن هناك ثمة إعداد، برغم المفاجاءات التي فاجئتني أنا شخصياُ قبل الجميع.

   وكم شعرت بالحرج عندما أخبروني بأنه يجب أن تكون هناك طاولة لي في بهو الكلية، أضع عليها نسخ من برنامجي الانتخابي، وأستقبل فيها الطلبة للرد على استفساراتهم، وقلت في نفسي: (من يا ترى سيجلس أمام الطاولة ويباشر الطلبة باستقبالهم وتضييفهم سواي؟!). ولكن الانتخابات تجسّد قيّم التعاون أيما تجسيد، ويجد المرشح الدعم والمساندة من الجميع، فقد وضعت دلتَي الشاي والقهوة على الطاولة، ثم غادرتها مباشرة لحضور إحدى المحاضرات، وبعد انتهاء المحاضرة وجدت عدد من الأخوات، لم ألتقي بهن من قبل، قد باشرن بأنفسهن تضييف الطلبة واستقبالهم! ثم تعاونا جميعاً في إدارة مقري الانتخابي الصغير ذاك.

   هذه الإنتخابات كانت تجربة مختلفة تماماً بالنسبة لي عن الأولى، فهذه تجربة كاملة ابتدأت بتسجيل اسمي للترشيح وانتهت بعد فرز النتائج، أما تلك فلم أشعر فيها بلذة المنافسة، ولا بتعاون الطلبة، لأنها انتهت سريعاً بحصولي على عضوية المجلس عن طريق التزكية. في هذه الانتخابات كان السهر على التصاميم، وطباعة البوسترات والبنرات، وكان توزيع الأقلام و"الباجات"، وتجميع أرقام الهواتف وإرسال "المسجات". وقد أعد صديقي عثمان الخان مقطع فيديو بالفلاش لحملتي الانتخابية انتشر بين الطلبة بواسطة "البلوتوث"، وكانت هذه الحركة وقتها صيحة كان لنا السبق فيها. وكذلك صمم لي موقعاً نشرت فيه برنامجي الانتخابي، وانجازاتي في الدورة السابقة. وانتشرت صورتي في كل مكان، وكم كانت تتملكني الدهشة، وكنت أخفيها، حينما أنظر إلى صورتي وهي معلقة على ساعد هذه الحسناء، وصدر تلك الأخرى! فلم أتوقع حينها بأني بشكلي هذا سأكون مقبولاً عند هذه النوعية من الطلبة "الموديرن"، وأرجو ألا يسألني سائل أين غدا توقعٌ مثل هذا الآن !

   وقد حظيَت هذه الانتخابات بالذات على زخم إعلامي واهتمام كبيرين، لأنها كانت آخر انتخابات طلابية قبل الانتخابات النيابية للفصل التشريعي الثاني، وكان هناك من المراقبين من يسقط تلك على هذه. ومما أثار دهشة كثير منهم هو فوز شخص ملتحي يرتدي ثوباً قصيراً –نسبياً-، بل حصوله على المركز الأول في انتخابات كلية إدارة الأعمال. ووجه الاستغراب هو كون كلية إدارة الأعمال في جامعة البحرين، ومعظم الجامعات التي أعرفها، هي الكلية الأكثر تحرراً وحداثة، وهذا يعطي مؤشراً بأن الشارع البحريني، وما الطلابي إلا صورة مصغرة له، شارع متدين وإن لم يكن ملتزماً بأحكام الدين !

   بعد إعلان النتائج مباشرة، اتصل بي أحد الدكاترة، وبعد أن هنئني قال: (مبروك رئاسة المجلس)! تظاهرت بالاستغراب والتعجب. فسألني: (ألن ترشح نفسك لرئاسة المجلس؟). فلم أستطع أن أتظاهر مرة أخرى لا بالاستغراب ولا بالتعجب، وأجبته بنعم، فقد أعلنت قبل الانتخابات بأنني سأرشح نفسي لهذا المنصب.

   وابتدأت قصة توزيع المناصب، وانتهت بعد يوم الانتخاب بمدة ليست بقصيرة، وذلك بعد أن اجتمعنا أول اجتماع لنا، وزَّعنا خلاله المناصب. دار لغط في المنتديات والجرائد حول تقسيمة المجلس، وأنه كان طائفياً بحتاً، وهذا ما كنت أتوقعه، إذ أنني، وقد كان لي تأثير في ترجيح خيار أغلب أعضاءه، وضعت مسألة الاتهام بالطائفية –وقد كنا متيقنين من حدوثه- في آخر اهتماماتي، وركزت على الإنجاز، أي على شكل التقسيمة التي ستكون أكثر استقراراً لأتمكن من التفرغ للإنجاز لا لشيء آخر.

   فحتى نبتعد عن تهمة الطائفية كان يجب علينا أن نجعل نائب رئيس المجلس شيعياً بما أن الرئيس سني! طبعاً هكذا سيبرئنا البعض من الطائفية، وهكذا –في نفس الوقت- سيصفنا آخرون بها! إذ أليس اعتماد هذا النوع من التوازن (سني – شيعي) تكريساً للطائفية؟! وإذا كان هذا القياس في قاموس من اتهمنا بالطائفية توزاناً، فهو ليس بتوزان حقيقي في قاموس آخرين، بل توازن طائفي، لا يرسخ إلا الطائفية. قد يستهجن البعض هذا الكلام ويعتبره مجرد تبرير سخيف، ولكني مقتنع به تماماً وأعتقد بأنه يستحق النظر !

   ورغم أن من رشَّح نفسه لمنصب نائب الرئيس طالب يفوقني في نشاطه وتفانيه في العمل الطلابي، وحرصه على مصالح الطلبة، وهو زميل لا زال يملك رصيداً كبيراً من المعزة والتقدير لدي، إلا أنني لم أدعم التوجه لحصوله على المنصب، ليس لأنه شيعياً، أبداً، ولكن لقوة علاقاته مع وسائل الإعلام، وكثرة تصريحاته، غير المسئولة أحياناً – وإن كانت عن غير قصد -، فخشيت أن يربكني في مفاصل حرجة خلال دورة المجلس، ويدخلني في صراعات جانبية مع إدارة الجامعة أو مع الطلبة أو حتى مع أعضاء المجلس، تشغلني عن ما هو أهم، ولو كان المرشح لنائب الرئيس شيعي آخر لما ترددت في قبوله، فقلت: (كلها سنة واحدة، وليتهمونا بما يريدون، فلا نريد أن يشغلنا أو يربكنا أي أحد، وإن كان لا يقصد)، قلت ذلك لأفنّد وجهة نظر كنت مقتنع بها سابقاً، وكنت قد أقنعت بها الجميع، أنه يجب أن يكون هناك توازن (سني – شيعي) لضمان تفاني جميع الأعضاء في العمل في المجلس، ولالتفاف كل الطلبة سنة وشيعة حوله، فنجاح المجلس مرهون بذلك، إلا أنني عدلت عن هذه القناعة للأسباب التي ذكرتها، وشاركني الأصحاب فعدلوا هم كذلك، ولم يفصل بين القناعتين سوى دقائق في اجتماع واحد !

   والحمدلله أثبتت الأيام سلامة ما ملت إليه من رأي، فقد سعى زميلي –للأسف– مرةً في إقناع أعضاء المجلس لتقديم استقالاتهم، ليكون المجلس تحت إدارة عمادة شئون الطلبة، فقط لأنني عارضت أن تكون لكل لجنة نشرة خاصة بها –لأنه كان يطمح في تحويل لجنته إلى مجلس داخل مجلس كما صرح في أحد المنتديات!- وأن تكون نشرة اللجنة الإعلامية النشرة الوحيدة للمجلس! فشل في تحركه، وعادت المياه لمجاريها، واستمر في العمل وفي خدمة الطلبة، وكان سبباً مع أخوانه الأعضاء في نجاح المجلس في دورته تلك، ولكني كنت أتخيل كيف سيكون الوضع لو تحركه كان صادراً من نائب رئيس المجلس !

جمهورين وديمقراطيون.. وديمقراطية 2-2

ازدادت سخونة اللقاء شيئاً فشيئاً، وكانت مداخلة أختنا الفلسطينية فلسطين –وف ل س طين أسمها- في وصف حال المواطنين في المدينة التي تعيش فيها، ومعاملة ال يهود الغاصبين لهم، مؤثرة جداً، أستطعت أن أمنع دمعتي من النزول حينها ولكني لم أستطع أن أمنع بريقها في عيني.

وكان موضوع توجيه ضربة عسكرية لإيران من ضمن المواضيع التي كان لها نصيب من الحوار، وحرصت أن تكون لي مداخلة أخيرة، وكانت الأخيرة في اللقاء، قلت في بدايتها، بعد أن أدركت بأ ن اللقاء لم يكن لمناقشة الأمور بشكل عقلاني، وبعد أن غلب طابع الاستفزاز والاستعراض على الحديث: (لا أنتظر منكم رداً على نقاطي السريعة التي سأذكرها بعد قليل، فنحن نعلم ردكم ، وهي بالمناسبة ملاحظات وليست أسئلة ) ثم بينت لهم خيبة أملنا في العقلية التي يفكرون بها، حيث أنها لا تختلف أبداً أبداً عن أسيادهم، سواءاً من يمينيين أو يساريين أو صقور أو حمائم أو حتى دجاج! ومن خدعني يوماً بأن أغلب الشعب يختلف في توجهاته عن قيادته هناك! يا لها من كذبة صدقها كثيرٌ منا.

وتعقيباً على كلام رئيس الجمهوريين، وهو يهودي أمريكي، حول "إرهابية" حركة حماس، بيّنت له بأنهم في قتالهم للمحتلين يمارسون حقهم الذي شرعه لهم القانون الدولي، وهل ننتظر من شعبٍ أغتصب أرضه أن يقف ويرى متفرجاً؟! ماذا لو اغتصب قومٌ أرضكم؟! ألا يحق لكم أن تقاتلوهم؟!. ولا أدري لماذا انقلب وجه صاحبنا إلى "طماط بحريني" !

وفي تعقيب أخير لمداخلة حول محدودية الحريات في بلدان الشرق الأوسط، ألقاها طالب هندي بأسلوب متعالٍ وقح، وهو من الفريق الجمهوري، قلت له: (صحيح بأن هامش الحريات، وتطبيق الديمقراطية، في بلداننا أقل بكثير مما هو عندكم، ولكن حكامنا لا يرسلونا للموت من أجل ملئ جيوبهم من عوائد النفط كما يفعل ديك تشيني وأصحابه! ) فعلّق رئيس الديموقراطيين فوراً (I hate Dick Cheney ) ، فأتبعه رئيس الجمهوريين ( I like Dick Cheney ) !

واصلت مداخلتي: (وعندما يذهب مريض في بلداننا إلى المستشفى يتلقى العلاج المناسب ويحصل على الدواء بآالمجان، ولا يموت المواطن دون علاج لأنه لا يملك تأميناً صحياً.. حياة الناس تهمنا )، فاكتفى الشباب بهز رؤوسهم.

علمت في ما بعد بأن الهنود والشرق آسيويين الأمريكيين يتميزون للأسف بأسلوبهم الاستفزازي الاستعلائي، يكتسبون هذه الصفة بعد حصلوهم على الجنسية الأمريكية! هذا ما أخبرنا به الأساتذة المترجمون.

حظيت جميع المداخلات بالإشارة إليها، وعرض مختصر لها، في الخبر المنشور في الصحيفة اليومية للجامعة[1] عن اللقاء، إلا مداخلاتي ومداخلة فلسطين !

الخبر من موقع الصحيفة The Brown Daily Herald .


[1] صحيفة جامعية يومية توزع في الجامعة والمدينة، وهي نتاج نشاط وعمل طلابي بحت، تخيلوا يومية! ونحن في جامعة البحرين، طاقم إداري وأكاديمي وطلابي، نصدر جريدة شهرية! ذات مستوى –مع احترامي للقائمين عليها- لا يرقى ونشاط طلبتنا وإمكانياتهم.

جمهوريون وديمقراطيون.. وديمقراطية 1-2

“.. فهاهنا ليس من ديموقراطية ألبتة، وهاهنا ليس من عدالةٍ اجتماعيةٍ ألبتة، وإنما هي الديموقراطية الإجرائية الفارغة جدا والسخيفة التي تُستَنسخ الآن في بلدان الأطراف، كلّما وقع بعض هذه الأطراف تحت وطأة المركز الرأسمالي وجاءتها في ظرفٍ مغلق الوصفة من واشنطون”.

“.. لا فارق كبيراً في التحليل الحصيف بين حزبٍ جمهوري وحزبٍ ديمقراطي، ولا فارق ذا شأنٍ على الإطلاق بين مُرشحٍ ومرشح في مهرجان الولايات المتحدة المقام كل أربع سنوات، ولكنْ المؤسف هو غلبة مدارس العلوم السياسية الأمريكية، السطحية جدا، على عقول العرب”.

من مقال (كل أربع سنوات) لحافظ الشيخ – أخبار الخليج 4 فبراير 2009

ذكرني هذا المقال بلقاء.. في ولاية (Rohde Island) وفي جامعة (Brown) واحدة من أعرق الجامعات الأميركية، كان لنا لقاءاً مثيراً مع عدد من الطلبة السياسيين، نصفهم من جمعية الطلبة الجمهوريين، والنصف الآخر من جمعية الطلبة الديموقراطيين.

طرحت عليهم سؤالاً واحداً: (أريد من أحد الجمهوريين أن يذكر لي أبرز ثلاثة فروق بين الديموقراطيين والجمهوريين، وأريد من أحد الديموقراطيين أن يذكر لي أبرز ثلاثة فروق أخرى). فضجت القاعة: فقط ثلاثة فروق؟! هناك الكثييير من الفروق.. وأخذت العبارات تتردد بين الفريقين، متبوعة بنظرات التحدي، وكأن القاعة أصبحت ساحة لكل فريق ليرفع فيها راية حزبه ويذود عنها! خلالها كنت قد رسمت خطاً عمودياً في منتصف الصفحة المستلقية أمامي، وبعد أن عاد النظام، وبدأ أحدهم بطرح الفرق الأول، أمسكت قلمي لأكتب، وكتبت (1)..

لن أطيل عليكم، في النهاية لم أجد في الورقة على فروق مكتوبة سوى فرقاً واحداً، وصدقوني نقلت كل الفروق التي ذكروها! الفرق المكتوب: الجمهوريون يلجأون للتغير بالقوة، بينما الديموقراطيون يلجأون للتغير بالدبلوماسية. مع ذلك فالديموقراطيون ليسوا مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق!

فعدت إلى قناعتي التي تقول بأن الفرق الكبير بين الجموهريين والديموقراطيين وهم وخيال، بعبارة أدق (كلام فاضي) وما هو إلا استغلال قادة كل من الحزبين قاعدة حزبه العريضة، التي ستدفعها قوة التدافع والمنافسة، للوصول إلى سدة الحكم أو عضوية مجلس النواب، لا مبادئ تحكمهما ولا هم يحزنون، والسر في بقاء هذين الحزبين هو محاربتهما لبعضهما البعض، واستغلال قاعدة التدافع ليس إلا !

جمهورين وديمقراطيون.. وديمقراطية 1-2

".. فهاهنا ليس من ديموقراطية ألبتة، وهاهنا ليس من عدالةٍ اجتماعيةٍ ألبتة، وإنما هي الديموقراطية الإجرائية الفارغة جدا والسخيفة التي تُستَنسخ الآن في بلدان الأطراف، كلّما وقع بعض هذه الأطراف تحت وطأة المركز الرأسمالي وجاءتها في ظرفٍ مغلق الوصفة من واشنطون".

".. لا فارق كبيراً في التحليل الحصيف بين حزبٍ جمهوري وحزبٍ ديمقراطي، ولا فارق ذا شأنٍ على الإطلاق بين مُرشحٍ ومرشح في مهرجان الولايات المتحدة المقام كل أربع سنوات، ولكنْ المؤسف هو غلبة مدارس العلوم السياسية الأمريكية، السطحية جدا، على عقول العرب".

من مقال (كل أربع سنوات) لحافظ الشيخ – أخبار الخليج 4 فبراير 2009

ذكرني هذا المقال بلقاء.. في ولاية (Rohde Island) وفي جامعة (Brown) واحدة من أعرق الجامعات الأميركية، كان لنا لقاءاً مثيراً مع عدد من الطلبة السياسيين، نصفهم من جمعية الطلبة الجمهوريين، والنصف الآخر من جمعية الطلبة الديموقراطيين.

طرحت عليهم سؤالاً واحداً: (أريد من أحد الجمهوريين أن يذكر لي أبرز ثلاثة فروق بين الديموقراطيين والجمهوريين، وأريد من أحد الديموقراطيين أن يذكر لي أبرز ثلاثة فروق أخرى). فضجت القاعة: فقط ثلاثة فروق؟! هناك الكثييير من الفروق.. وأخذت العبارات تتردد بين الفريقين، متبوعة بنظرات التحدي، وكأن القاعة أصبحت ساحة لكل فريق ليرفع فيها راية حزبه ويذود عنها! خلالها كنت قد رسمت خطاً عمودياً في منتصف الصفحة المستلقية أمامي، وبعد أن عاد النظام، وبدأ أحدهم بطرح الفرق الأول، أمسكت قلمي لأكتب، وكتبت (1)..

لن أطيل عليكم، في النهاية لم أجد في الورقة على فروق مكتوبة سوى فرقاً واحداً، وصدقوني نقلت كل الفروق التي ذكروها! الفرق المكتوب: الجمهوريون يلجأون للتغير بالقوة، بينما الديموقراطيون يلجأون للتغير بالدبلوماسية. مع ذلك فالديموقراطيون ليسوا مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق –هذا ما قالوه هم- !

فعدت إلى قناعتي التي تقول بأن الفرق الكبير بين الجموهريين والديموقراطيين وهم وخيال، بعبارة أدق (كلام فاضي) وما هو إلا استغلال قادة كل من الحزبين قاعدة حزبه العريضة، التي ستدفعها قوة التدافع والمنافسة، للوصول إلى سدة الحكم أو عضوية مجلس النواب، لا مبادئ تحكمهما ولا هم يحزنون، والسر في بقاء هذين الحزبين هو محاربتهما لبعضهما البعض، واستغلال قاعدة التدافع ليس إلا !

واشنطن.. هل تصبح أقل أمناً ؟

في كسب جديد للوبي حق حمل السلاح في أميركا (كسرت المحكمة العليا الامريكية قرار محكمة امريكية كانت قد حرمت الاسلحة الفردية في واشنطن العاصمة، واعلنته غير دستوري.  وصَوَّت قضاة المحكمة العليا بخمسة أصوات مقابل أربعة لصالح السماح للمواطنين بحمل الاسلحة الفردية وذلك وفقا للقوانين المرعية) BBC Arabic.

جاء هذا القرار بعد أن استمر منع السلاح في واشنطن منذ عام 1976، (ولطالما بررت بلدية واشنطن ان هذا المنع يهدف الى خفض نسبة الجريمة في المدينة) كما ذكر المصدر نفسه.

ويبدو واضحاً من تقارب العدد بين مؤيد ومعارض داخل المحكمة نفسها، خمسة قضاة مقابل أربعة، حدة الجدل الدائرة في الولايات المتحدة حول الموضوع.

ما الذي تغير؟! هل عادت المحافظة على أرواح المواطنين عن طريق الحد من الجريمة أمراً ثانوياً بالنسبة لصانعي القرار هناك؟

هنا جزء من الجواب، تحت عنوان (العلاقة الغرامية بين الأمريكيين وسلاحهم) يقول “تقرير واشنطن” :

“ويمثل منظمة السلاح الأمريكية NRA التي تعتبر أقوى لوبي (أي جماعة الضغط) في هذا الشأن 4.3 مليون عضو حيث تبرعت بحوالي 15 مليون دولار بصورة مباشرة لحملات سياسية ولجان حزبية منذ عام 1989، بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات على اللوبي وشركات الدعاية.  وذهب 84% من هذه الأموال لصالح الحزب الجمهوري. ودليل على نفوذ هذه المنظمة المتصاعد في السياسة الأمريكية ما ذكرته مجلة فورشين Fortune الواسعة الانتشار عام 2002 من أن منظمة NRA هي اللوبي الأقوى في واشنطن، مضيفة انها تتجاوز جماعات الضغط القوية التقليدية الأخرى مثل اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة AIPAC ومنظمة المتقاعدين الأمريكية AARP“.

ومن موضوع آخر لنفس المصدر: “يلعب لوبي السلاح في الولايات المتحدة دوراً هاماً في الانتخابات الرئاسية وبشكل خاص الجماعات الداعمة للحق في حمل السلاح مثل (الاتحاد القومي للبنادق) و(ملاك البنادق الأمريكيون). ويكمن عنصر المساهمة الرئيسي لهذه الجماعات في تقديم الدعم المالي للمرشحين سواء لانتخابات الكونجرس أو الانتخابات الرئاسية، إلى جانب التصويت لهؤلاء المرشحين. وتتفاوت هذه المنظمات فيما بينها في حجم الدعم المالي الذي تقدمه، فالجماعات المؤيدة للحق في حمل السلاح تنفق أضعاف ما تنفقه نظيرتها الداعية لتقييد هذا الحق”.

فالمسألة مسألة محافظة على كراسي، ومناصب، لأولئك الذين يملكون تأثيراً في القرار السياسي، ومن جهة أخرى ضمان استمرار الأرباح الناتجة من عملية بيع السلاح لأصحاب هذه الصناعة، حتى وإن كان ذلك على حساب أمن وسلامة المواطنين المساكين المغلوب على أمرهم، المخدوعين بأكبر وأتقن آلات الخداع والتضليل الإعلامية في العالم.

يقول ستيف فرايزر وغاري غرستل في ختام كتاب (الطبقة الحاكمة في أمريكا.. تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية): “ولكن المظاهر الأخيرة للسخرية في ما يتعلق بالديموقراطية الأميركية هي أن إعادة هيمنة الأثرياء والنافذين تُظهر نفسها وكأنها ثورة شعبية، وحركة تحرر أكثر غرابةً وشذوذاً إن لم نقل أكثر حمقاً وعناداً”.

أعان الله مفكرو أميركا الأسوياء، فقد قرأت مرة أنهم يفكرون في كيفية فصل القرارات السياسة، كاختيار المرشح الذي يُصَوَتُ له، عن الثروة وسلطتها. إنها مسألة معقدة في ديمقراطيتهم المضحكة، لا أظن بأنهم سيجدوا لها حلاً دون تقديم تضحيات، وتضحيات مؤلمة جداً !

936new

لم نكن، أنا وأصحابي المشاركين في أحد برامج الخارجية الأميركية، نتردد في الخروج بعد منتصف الليل من الفندق، للمشي في الشوارع المظلمة لمدينة واشنطن الجميلة، رغم أنها كانت أول محطة لنا في زيارتنا للولايات المتحدة، متجاهلين توصيات الأهل والأحباب بزيادة الحيطة والحذر.

لا أظن بأننا سنستطيع ذلك بعد سنوات قليلة !

 

تقرير واشنطن – حق حمل السلاح في الولايات المتحدة

أقرأ أيضاً: لوبي حق حمل السلاح وانتخابات أمريكا

 

ليست مجرد تجربة (18)

أخلاق حداثية أعجبتني !
قرأت منذ زمن ليس بالقريب، كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" للشيخ عوض القرني، وكلمة "الحداثة" تعني الكثير فيما أظن، وتحتمل أكثر مما قد تعنيه! وهي من الكلمات التي ليس لها تعريف محدد، ككلمة "العولمة"، فهناك من يؤكد بها –العولمة- نظرية اقتصادية، وينفي أخرى، وهناك من يستخدمها في بيان موقفه من قضية ما، أياً كانت، دنيوية أو دينية، وهناك من يختزلها في مدارس أو تيارات أدبية. كتابنا هذا تطرق لتيار فكري وأدبي يطلق على أعلامه بالحداثيين، وتناول مسألة الشعر الحديث، أو الشعر الحر، خاصة غير المفهوم منه.
بالمناسبة، لا أحب هذا النوع من الشعر، ولا أعتبره شعراً! فهو لا يطرب الأذن عند سماعه، وقاعدتي البسيطة: كل ما لا يطرب السمع فليس بشعر! هذا بالنسبة للمفهوم منه. أما غير المفهوم، فعلاوة على كونه ليس شعراً –عندي- فهو هرطقة سخيفة !
( يقول عبد الله نور في ملف نادي الطائف الأدبي العدد السادس صفحة 55 : " الشعر يفهم ليس بشعر " !! ومادام من شروط الشعر عندهم ألا يـفهم، فما الغاية منه إذاً ؟ هل هو طلاسم سحر، أم أحاجي ألغاز، أم رموز شعوذة ؟؟! )[1].
يفضح الكتاب عدداً من ألمع نجوم الحداثة، حيث تتستر أفكارهم خلف رموز وطلاسم أبيات غير مفهومة، وعبارات غريبة غامضة! احتوى الكتاب على نماذج كثيرة منها، ولا داعي لإزعاج أذهانكم بنقل جزء منها.
للحصول على نموذج من هذه العبارات، التي تسمى فناً، اعطوا طفلاً دون السابعة، كلمات لا يمكن الجمع بينها، واطلبوا منه ترتيبها في جملة مفيدة، وستحصلون على بيت شعري مرهف الحس، عميق المعنى، يستوقف القارئ، وربما يأسر خياله لشهور !!
لا يقتصر استخدام الغموض ولغة الطلاسم على الشعر الحديث، بل نجدها في كتابات كثيرة، وروايات كثيرة. عَلَّق الكاتب حسن نصر الله، في لقاءٍ جمعني به في معرض البحرين الدولي للكتاب، على هذه المسألة: "كثير من الكُتاب يبالغون في غموض كتاباتهم، غدت اليوم كثير من الكتابات مزعجة، وكأن الكاتب الأصعب قراءة هو الكاتب الأقوى!". فرحت بهذا التعليق، لأن أحد أهل الصنعة الكتابية يوافقني الرأي.
في جريدة محلية، ملحق أسبوعي يُعنى بالثقافة، لمشرف الصفحة عمود ثابت فيه، يظهر نصف وجهه فقط في صورته الشخصية التي تعتلي العمود! حداثة تصويرية؟! لا شك أنها "حركة" تحمل في طياتها الكثير !
التقيت في الجامعة بصاحبنا مشرف الصفحة، دخلت مكتبه بعد استأذان، وفتحت موضوع نقاش بعد استأذانٍ آخر..
         لدي سؤال، لماذا تكتبون أشياء لا يفهمها أحد؟
         أنت لا تفهمها، نحن، وغيرك، نفهمها..
         كيف؟!
         هناك أدوات إذا تعلمتها، بإمكانك فيما بعد أن تفهم كلامنا، فهي تعينك على تحليل الكلام ومعرفة مدلولاته!
وبعيداً عن نصيحة البروفيسور في رواية "العصفورية"، فقد أصبحت في تلك اللحظة "نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً"، لأن الأستاذ الفاضل أرجع عدم فهمي لما يُكتب إلى جهلي بأدوات ومعدات فك الرموز والطلاسم، التي يسمونها فناً، لا إلى غرابة ما يكتبه هو وأصحابه! ربما أحتاج في المرات القادمة لمساعدة "لانغدون" الذي ساعد "صوفي" في فك الرموز التي تركها لها جدها بعد مقتله في رواية "شيفرة دافنتشي" المشهورة! سألته مع الاحتفاظ بقدر كبير من الهدوء :
         ما هي الرسالة العظيمة التي تحملونها، والتي وصلت، لسموها وعظمتها، إلى درجة تستعصي على العوام فهمها ؟!
         أنظر للدين مثلاً، نحن لا نفهم الدين دون العلماء، هم يفسرون لنا الآيات والأحاديث، من خلال استعمالهم لأدوات تعينهم في ذلك !
         ولكن محمد عليه الصلاة والسلام كان يكلم الرجل والصغير والمرأة والعجوز، وكان الكل يفهمه، وهو صاحب أعظم رسالة، فهل رسالتكم أعظم كي لا يفهمها الجميع ؟!
بشكل غريب تطور النقاش سريعاً، ولا أدري كيف وصلنا لهذا السؤال الذي سألته: "هذا المصحف الموجود على مكتبك.. كيف تثبت لي أنه القرآن المنزل من الله على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل عليه السلام؟!!". وبشكل أكثر غرابة، انتقلت عدوى "النرفزه" إلى صاحبنا، فأصبح " نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً" ولكن دون الاحتفاظ بأي قدر من الهدوء، وطردني من مكتبه !
بعد أيام، رآني جالساً في ممر من ممرات الجامعة، ومد يده مصافحاً، ومعتذراً عن نتائج "النرفزه" التي صدرت منه، ابتسمتُ، ومضى مبتسماً.. أخلاق حداثية أعجبتني !
 
 


[1]من كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للدكتور عوض القرني.

ليست مجرد تجربة (17)

الحشمــة 3
في دورة المجلس الرابعة، عندما أُبتلي المجلس بإدارتي له، اتفقنا على التحرك حيال موضوع "الملبس اللائق" خلال الفصل الدراسي الثاني، على أن نتفرغ خلال الفصل الأول لإنجاز بعض الإنجازات التي يمكن إنجازها في فترة إنجاز وجيزة !
إلى ذلك الحين، في إحدى زياراتي لرئيسة الجامعة، دار بيني وبينها حواراً عن نفس الموضوع، وأشرت لها بأن التجاوزات – إن صحت تسميتها بالتجاوزات، فلم تكن هناك لوائح واضحة تحدد التجاوز من عدمه في ملبس الطالبات – لا تقتصر فقط على الطالبات، بل كثير من الموظفات، بل عدد من المرشدات الاجتماعيات التي يفترض بهن أن يكن قدوة للطالبات في مظهرهن وسلوكهن.
يختلف وزن بعض المرشدات قبل وبعد "مجابل" المنظرة صباحاً! بفعل وزن الـ"الهمبل" المستخدم لإعادة ترميم وتجديد السطوح والجدران المتشققة! وتزيينها بألوان الـ"رينبو" الباهية !
الهمبل.. الهمبل.. آه كم أكره الهمبل؟! كم أخفى خلفه من جمال؟! في الوقت ذاته.. كم أخفى من قبح؟! هناك من يلعن الهمبل.. فقد كان سبباً في تضليل الرأي العام الشبابي الذكوري، حول طبيعة وصحة جمال خلق الله الذي يتفكر فيه الشباب ليل نهار!! وهناك من يشكره ويشكر مخترعه، فقد ساعد على التخفيف من وقع المصيبة بعد اكتشاف الحقائق!! وهؤلاء، الهمبل بالنسبة لهم كالمساعد على الرضا والقبول بما قسمه الله لهم!! بالنسبة لي، فأنا أكرهه، وبشدة شديدة! ليس لأنه ضالٌ مُضلٌ فقط، ولكني أجده يخفي خلفه من الجمال أكثر مما يخفي من العيوب! من قال لتلك الفتاة أن لون شفتاها أجمل بعد صباغتها؟! ومن قال أن الحمرة الصناعية للوجنتين أحلى من تلك الطبيعية التي يرسمها الخجل أو الحياء وأحياناً كثيرة الإحراج، وأحياناً أكثر في البحرين الحر؟! ومن قال… يُفضل أن أقف هنا، فالإستطراد يؤدي في بعض حالاته لكلامٍ لا تحمد عقباه. هذا إذا سلمت من عقبى ما اكتفيت به !
نقلت للرئيسة ما قالته لي أختي الكبيرة ذات يوم، فقد كانت برفقتي ونحن في طريقنا لفناء المطاعم، بعد أن رأت إحدى المرشدات، ضحكت، ثم قالت لي: (هذه البنت كانت معروفة عندنا في ….. –دول خليجية، حيث أكملت أختي دراستها الجامعية- والحين هي مشرفة اجتماعية عندكم!). لا داعي لنقل نوع المعرفة التي كانت تُعرف بها مرشدتنا الاجتماعية!
أبدت الرئيسة استيائها من الوضع، ووافقتني بأن بعض الموظفات يلبسن ملابس قصيرة لا تليق، ووضَحَت بأنها منذ أن استلمت منصبها، حاولت التغيير ما استطاعت، وأن الأمر كان أسوأ. بعد حوار قصير رفعت الرئيسة الهاتف، وطلبت عميدة شئون الطلبة، ثم سألتها بكل حزم وجدية: (دكتورة.. كيف ملبس مشرفاتنا الاجتماعيات؟! هل تراقبينهن؟ … متأكده من مظهرهن؟ تأكدي تأكدي.. و"جوفي شيلبسون"). ثم أنهت المكالمة بنفس الحزم الذي بدأت به، بعد أن شددت على مسألة مراقبتهن وعدم التهاون في ذلك.
أتفق أعضاء المجلس على أهمية تنظيم حملة، توعوية، إعلامية، ثقافية، سمها ما شئت، حول المظهر اللائق، وأثر ذلك في الدراسة والسلوك. وَكَلنا المهمة للجنة الاجتماعية، التي وضعت تصوراً لبعض المحاضرات والندوات. رفضت عمادة شئون الطلبة أولى فعاليات هذه الحملة، وكانت ندوة. ربما بسبب عنوانها الذي كان أقرب إلى (مناظرة مع عميدة شئون الطلبة حول "الحشمة")!! لم يعجبني تصرف صاحبنا الذي تولى زمام الأمور، فقد كان مندفعاً جداً، كعادته في أي موضوع.
أكدت العمادة أن هناك لائحة في الطريق، لذا عليكم الانتظار، وبالفعل خرجت اللائحة التي وقعها الدكتور ماجد النعيمي، وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس أمناء الجامعة. أرى من المهم أن أنقل معظمها هنا..
 
لائحة مواصفات الملبس لطلبة وطالبات جامعة البحرين داخل الحرم الجامعي
الفصل الأول
مواصفت الملبس
مادة (1)
يجب أن يكون مظهر وملبس طلبة وطالبات جامعة البحرين متفقاً مع عادات وتقاليد المجتمع البحريني، وقيميه الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية المتعارف عليها، وذلك مع مراعاة احترام حرياتهم الشخصية، والتنوع في خلفياتهم الاجتماعية والثقافية.
مادة (2)
يجب أن يكون ملبس ومظهر طالبات جامعة البحرين وفقاً للشروط الآنية:
1.     ألا يكون الملبس شفافاً يكشف معالم الجسم.
2.     ألا يكون الملبس ملتصقاً بالجسم (STRECH)، أو ضيقاً يحدد معالم الجسم.
3.     ألا يكون الملبس قصيراً، ويندرج تحت الملبس القصير ما يأتي:
              i.            البودي والقميص الذي يستر بالكاد منطقة البطن.
            ii.            الفستان أو التنورات القصيرة التي تظهر الركبة في جميع الأوضاع (الوقوف أو المشي أو الجلوس).
         iii.            الكم القصير جداً الذي يكشف أكثر من منتصف الزند.
         iv.            الشورت والبرمودا.
4.     ألا يكون الملبس ذا فتحات واسعة تكشف معالم الجسم، ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
            i.            الملابس ذات فتحات الصدر الواسعة.
          ii.            الفساتين والتنورات الي تظهر الركبة في جميع الأوضاع (الوقوف أو المشي أو الجلوس).
       iii.            التنورة اللف المفتوحة بدون أي مشبك.
5.     ألا يكون الملي مقترناً بإكسسوارات مبالغ فيها ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
            i.            سلسلة القدم أو الزند.
          ii.            الرسم على الوجه أو الزند.
       iii.            أصباغ الشعر ذات الألوان الغريبة غير المألوفة.
6.     ألا يكون الملبس ذا تقليعات غير لائقة، ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
       i.            العباية الخفيفة أو المفتوحة التي تكسف عن اللباس المخالف لمواصفات الملبس في الجامعة.
     ii.            البرقع المقترن بإبراز مكياج العينين المبالغ فيه.
 iii.            ربط الصدر، أو الصديري الضيق القصير، الذي يلبس فوق تي شيرت، أو القميص الذي يبرز معالم الصدر.
 iv.            ارتداء قمصان أو بنطلونات أو بلوزات مكتوباً عليها كتابات أو رسوم غير لائقة. وتنطيق هذه الشروط على الطالبات المرتديات العباءات فوق الملابس المخالفة لها.
مادة (3)
يجب أن يكون ملبس ومظهر طلاب جامعة البحرين وفقاً للشروط الآتية:
1.     عدم إظهار الشعر الطويل.
2.     عدم اتباع تقليعات وقصات الشعر الخارجة عن المألوف مثل الكاب كيك وغيرها.
3.     عدم ارتداء الإكسسوارات التي تنافي الذوق العام مثل الحلق والأساور والقلائد وغيرها.
4.     عدم ارتداء الشورت والبرمودا.
5.     عدم ارتداء تي شيرت بدون أكمام.
6.     عدم إرتداء الفانيلات ذات الحمالات.
7.     عدم ارتداء نعال المنزل أو الشاطئ.
8.     عدم ارتداء قمصان أو فانيلات أو بنطلونات عليها كتابات أو رسوم غير لائقة.
 
يلاحظ القارئ أن الضوابط التي وضعتها الجامعة معقولة، رغم اختلاف ما أرجوه حقيقة عن بعض ما جاء فيها، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. مع ذلك لاقت اللائحة من "المتنورين" انتقاداً في صفحات الجرائد. هذا أمر طبيعي، فماذا ننتظر منهم؟! وستظل هذه القضية بالنسبة لهم أمراً هامشياً يجب عدم الالتفات له، ولا نعلم ما هي القضايا الرئيسية التي يركزون هم جهودهم عليها !
ومن الأشياء التي لم أتمكن من فهمها حتى هذه اللحظة، هو السماح للبنت أن ترتدي البرمودا طالما الركبة لا تظهر، بينما الولد يُمنَع من ذلك!! هناك من يعزو هذا التمييز المضحك لجمال سيقان البنات وقبح سيقان الشباب. أخالفه تماماً، فالجمال نسبي!
كنا ننوي، عدد من الشباب وأنا، أن نرتب حملة احتجاجية على هذا التمييز، ونتفق على يوم محدد نذهب فيه جميعنا إلى الجامعة بالبرمودا! في الحقيقة لا للمطالبة بالسماح للبس البرمواد بقدر ما هو لفت نظر، لإعادة النظر، في السماح للطالبات بلبس البرمودا. فكما أن الجامعة حرم تعليمي لا يليق أن يأتيه الشباب بالبرمودا، فكذلك لا يليق أن تأتيه الفتيات بالبرمودا! إلا إذا الحرم الجامعي كان حرماً جامعياً بالنسبة للأولاد، وداراً للأزياء بالنسبة للبنات. نرجو من جمعيات حقوق الإنسان، أن تؤسس حركة مناهضة لهذا التمييز العنصري داخل الجامعة !
ويتناول الفصل الثاني من اللائحة آليات توجيه وتوعية الطلبة بشأن مواصفات الملبس، أما الفصل الثالث فيتناول الجزاءات. وهنا مربط الفرس! فنحن لا نطالب بلائحة أفضل من هذه، ولكن نطالب بتعديل الجزاءات التي وردت، أو إلغاؤها. فالجزاءات هي كالتالي: توجيه، فتنبيه شفوي، فإنذار كتابي، فتأديب مسلكي، وهذا الأخير قد قد قد، وأقول قد بكل ما تحمله الكلمة من معنى القدقده، ولا تسألوني ما هي القدقده، ولكني أقصد "قد من قلب!" أو قد بشدة! قد يُمنع الطلبة المخالفين من دخول الجامعة !
أرسلت مرة سؤالاً مكتوباً لعميدة شئون الطلبة، أستفسر فيه عن الإجراءات التي اتخذتها العمادة حتى يوم السؤال، في حق إحدى طالبات الحقوق، التي كانت ولا زالت، تخالف لوائح الجامعة في ملبسها ومظهرها. وذكرت في سؤالي أن الطالبة المعنية ستتخرج قريباً دون أن نرى أثر إجراءات العمادة على مظهرها! فأي إجراءات هذه؟! بالمناسبة، يُرجِع كثيرٌ من الطلبة سبب تفوقها الدراسي لمظهرها وزياراتها للأساتذة الأكاديميين في مكاتبهم التي تطول لساعات! طبعاً لم يصلني رد من العمادة.
ما نطالب به، كثيرون وأنا، هو عدم السماح للطلبة، ذكوراً وإناثاً، المخالفين للوائح التي وضعتها إدارة الجامعة من دخول الجامعة. فقط لا غير. حتى يحترم الطلبة القوانين، ويحترموا مكانة الحرم الجامعي.
هل نطلب من رجال الأمن تفتيش الطلبة والطالبات عند البوابات قبل دخولهم؟ هل نقول لهم قيسوا لنا طول التنورة أو البنطلون؟ هل.. هل.. هل..؟؟ لا. ببساطة، على الأستاذ أن لا يسمح للطلبة المخالفين دخول الصف الدراسي، أو إخراجهم من الصف إذا دخوا قبله. كما على الأمن إذا رأى من هو مخالف، يطلب منه الخروج من الجامعة فوراً، ويتأكد من خروجه. أما الجزاءات التي جاءت في اللائحة، فهي لا تعلم الطلبة على احترام القوانين، بل تشجعهم على عدم الإكتراث بها.
 

ليست مجرد تجربة (16)

الحشمــة 2
تفاعل الطلبة مع الموضوع، وخرجت مسيرة طلابية بتنظيم قائمة الطالب أولاً، التابعة لجمعية الوفاق، وإذا الطالب أولاً نَظَّمَت مسيرةً فلا تخشَ عليها! أعني لا تخشَ على المسيرة لا القائمة. طالب السائرون في مسيرتهم بتفعيل قانون الحشمة، وهي مطالبة غير دقيقة، فلا وجود أساساً لقانون بهذا المسمى، ولكن يمكن اعتبارها شعاراً لوضع إجراء صارم لأصحاب الملابس شبة الشاطئية، وهم قلة قليلة، بدأت تصبح قلة أكثر من قليلة شيئاً فشيئاً !
انتهت المسيرة ببهو إدارة الجامعة، بعد قراءة بيان أشار إلى أهمية الالتفات للوضع الأخلاقي في الجامعة، ولم تتطرق لموضوع الفصل بين الجنسين.
في اليوم التالي، أو بعد يومين، لا أذكر تحديداً، خرجت مسيرة أخرى، وهذه المرة بتنظيم قائمة الوحدة الطلابية التابعة لجمعية الشبيبة، وإذا نظمت "الشبيبة" مسيرةً فاستنشق رائحة الثورة المُتَّقِدَة من اللون الأحمر وصور الثائر الراحل جيفارا !
أما شعار هؤلاء "الثُوّار"، عفواً السائرون، هذه المرة هو التنديد بالمطالبة الرجعية والمتخلفة – حسب وصفهم – التي تدعو للفصل بين الجنسين في الجامعة! وقادة هذه المسيرة، ومن يقف وراءها، يرفضون أيضاً تقييد الطالبات بحد معين من "التفسخ" أو التبرج والزينة! صحيح أنهم لم يتطرقوا لهذا الموضوع في مسيرتهم، ولكنه موقفهم الذي صرحوا ويصرحون  به في مواطن أخرى.
استغربت لقوَّة العين التي خرجت بها الطالبات وهن يهتفن بـ"لا للفصل بين الجنسين"!، تتقدمهم عضوة المجلس أمل فريد، ببنطالها ومعطفها الجينز، مغطيةً رأسها بربطة "bandana" مطبوع عليها علم أمريكا، أستبعد بطبيعة الحال أن تكون الشمالية الإمبريالية !
معظم من كان في المسيرة من الطالبات، هل البنات أكثر رغبة من الأولاد لمواصلة التعليم الجامعي برفقة "زميل الدراسة" ؟!
لا تُقارن المسيرة الثانية بالأولى من حيث العدد المشارك فيها، فقد كانت الثانية أكثر من هزيلة، ولما استغربت بعض الوجوه المشاركة، قيل لي بأنهم شاركوا فقط "علشان خاطر فلانه وعلانه"! ولكن الصحافة قلبت الأعداد، فكانت المسيرة الثانية غفيرة الحضور على صفحات الجرائد، بينما الأولى شارك فيها عدد محدود فقط، حسب وصف عناوين أخبار المسيرتين !
وصلت المسيرة إلى المقر المناسب لختام المسيرات، بهو إدارة الجامعة، وأشارت عضوة المجلس أمل في خطابها الذي ألقته هناك، فيما أشارت إليه، إلى أن الطلبة بحاجة لمن يمثلهم، بحاجة لاتحاد طلابي، له صلاحيات و و و..
كان رئيس المجلس، الأخ عبدالعزيز مطر حاضراً، وطلب من منظمي المسيرة الفرصة لإلقاء كلمة، وبعد أن صعد السلم قبل أن يبدأ حديثه، نظر إليَّ ثم إلى المستبشرون بوقوف رئيس المجلس معهم في هذه المسيرة دعماً لإستنكار الفصل بين الجنسين، فكانت المفاجأة..
"إن ديننا يقول عكس ما تطلبون، وكذلك العقل.. لو أخذنا الموضوع بالعقل لرأينا الفصل هو الأفضل، ولكن يجب أن نرى إمكانيات تطبيق الفصل من عدمها.." تغيرت الوجوه، وبدأ الهمس يصبح فوضى، استنكاراً لمنطق رئيس المجلس الذي خيب ظنهم! حتى هذا اليوم لا يكف مطر عن الضحك وهو يُذَكِرُني بهذا الموقف.
صَرَّحَت أمل بنفس الكلام الذي ألقته في إحدى الجرائد المحلية، فتبعه تصريح آخر لرئيس المجلس :
تعليقاً على حديث عضوة المجلس
مطر: تفعيل الحشمة والفصل بين الجنسين مطلبان أساسيان، والعمل من داخل المجلس خير من الشعارات الرنانة
"عبر رئيس مجلس طلبة جامعة البحرين عبدالعزيز مطر عن دهشته واستغرابه لما ورد على لسان عضوة المجلس أمل فريد في الخبر المنشور في صحيفة الأيام يوم الثلاثاء الموافق 30 نوفمبر 2004م تحت عنوان: " مسيرة الطلبة الديمقراطيين الرافضين للفصل بين الجنسين في الجامعة، نرفض الوصاية والقوانين القروسطية " قائلاً لقد أشارت العضوة في حديثها إلى الاتحاد الطلابي بوصفه الممثل الشرعي والوحيد، ذاكراً أن طلبة جامعة البحرين لهم تمثيل من خلال مجلس الطلبة، وهذا المجلس هو الإطار القانوني والشرعي لطلبة الجامعة، الذي يستطيعون من خلاله طرح القضايا التي تهمهم، مضيفاً أن مثل هذا التصريح حين يصدر عن إحدى عضوات المجلس يبعث على الحيرة كون هذه العضوة تصرح بأن قضية الفصل قضية غير ذات أهمية، في حين أنه من المفترض أن تقوم بطرح القضايا المهمة داخل المجلس من أجل خدمة الطلبة لكنها مع الأسف لا تفعل ذلك.
وأضاف مطر إن عضوة المجلس رغم مرور أشهر طويلة على بدء الدورة الحالية للمجلس، لم تتقدم حتى الآن بأي مشروع يسهم في خدمة الطالب في الجامعة، كما أنها لم تطرح أية قضايا أومشكلات أوصعوبات تواجه الطالب في الجامعة، داعياً في الوقت نفسه عضوة المجلس إلى التركيز بشكل أكبر في عملها داخل المجلس لخدمة طلبة الجامعة، وتذليل الصعوبات التي تواجههم. بدلاً من الكلام الشعاراتي الرنان الذي لا يسهم في تنفيذ الوعود المرفوعة إبان الانتخابات.
من ناحية أخرى علق مطر على ما جاء في الخبر نفسه من حديث حول موقفه من المسيرتين المطالبتين بتفعيل الحشمة، والرافضة للفصل بين الجنسين بالقول: إن موقفي واضح بهذا الخصوص، فالحشمة قضية أساسية وهي مطلب لنا جميعاً، أما الفصل بين الجنسين فإنه يستند على مبدأ وقرار سليمين، ويجب الأخذ به في حال توافرت الإمكانات اللازمة لتنفيذه."
وفي اجتماع لاحق مع رئيسة الجامعة، أنَّبَت الرئيسة العضوة بسبب تصريحاتها حول قرار المجلس: "يجب أن تلتزمي بقرار مجلس أنتي عضوة فيه، حتى وإن كان لك رأي آخر"! ضاربة بنفسها -الرئيسة- مثالاً، إذ أنها تختلف أحياناً مع أعضاء مجلس إدارة الجامعة، ولكنها تلتزم بما يصدره المجلس من قرارات، ولا تقف ضدها في الصحف وغيرها. كما انتقدت موقفها من مسألة تمثيل الطلبة، والمطالبة بالاتحاد داخل الجامعة، فَوَضَّحَت لها أن هذه المطالبة لا تكون داخل الجامعة، إنما عند الوزارة أو الجهة المعنية –ولا تسألوني من هي الوزارة أو الجهة المعنية!- إذ أن إنشاء إتحاد لطلبة البحرين ليس من صلاحيات إدارة الجامعة. فما كان من العضوة إلا أن أستأذنت للخروج بعد دقائق من تأنيب الرئيسة، وخرجت من قاعة الاجتماع !
يتبع ..
 

ليست مجرد تجربة (15)

الحشمــة
كانت "الحشمة" من ضمن النقاط التي تضمنها جدول أعمال ذلك اليوم – وكلمة الحشمة وإن كانت تحمل قدر كبير من الصحة في الدلالة للمعنى، إلا أني غير مقتنع بإطلاقها في التعامل مع هذه القضية- اتفَقَ جميع أعضاء المجلس على ضرورة وضع حد "لمسخرة" الملبس الذي ترتديه قلة قليلة جداً من أخواتنا الطالبات غفر الله لهن !
وإذا نسيت أسماء المتغيبون عن ذاك الاجتماع، فلا أنسى العضوة أمل فريد، وقد كنا نعلم أن استبسالاً عظيماً سيكون لمعارضة هذا القرار لو أنها حَضَرَت، معارضة بطبيعة الحال لا تغير شيئاً من الإجماع المبني على قناعة تامة لدى جميع الأعضاء، سواها !
لم تكن المسألة مدروسة من جميع النواحي، أعني أننا لم نكن نعرف بالضبط ما تفصيل الملبس الذي يُعَد مخالفاً وفقاً للوائح الجامعة في هذا الشأن، رغم أننا نرى المخالفة، كما يراها الجميع، متمثلة في قصر تنورة، أو اتساع فتحة الصدر، أو "حفره" صيفية –وهل هناك حفرة شتوية؟!-، أو ضيق بنطال، أو غيرها، ولا أظن أن هذه المظاهر بحاجة للوائح وقوانين لكشف مخالفتها وخروجها عن الأدب العام في الشارع فما بالنا في حرم جامعي !
"الأدب العام" مسألة نسبية، عدنا للنسبية، وعدنا لاختلاف المعايير باختلاف أصحابها، وثقافة أصحابها، (ولكن أعتقد أن هناك حد يجب عدم تجاوزه). (من يضع هذا الحد؟!). (الدين). (لا إكراه في الدين)! (المجتمع). (من بالضبط؟ نواب المجتمع؟). (عموم المجتمع.. العرف العام). (ماذا عن الحرية؟). (للحرية ضوابط). (ولكن الدستور كفل الحرية الشخصية!). (إذاً إلى أي حد نسمح لحرية الملبس؟). (لا حد ولا تحديد ولاحدود!). (تو بيسس؟! أم توب لِس؟! أم… حسناً لا داعي للمزيد -وهل بقيَ شيء لمزيد!-). (لا تعليق) !!
اتفقنا على متابعة الموضوع مع عمادة شئون الطلبة، ومناقشة، أو الإطلاع على الأقل على الإجراءات المتبعة من قبل العمادة مع المخالفين والمخالفات، من الطلاب والطالبات !
 بعد الاجتماع بأيام قليلة فاجأنا النائب الشيخ جاسم السعيدي بطرح موضوع "الفصل بين الجنسين في الجامعة" في إحدى جلسات مجلس النواب! هكذا دون سابق إنذار، وهل تسبق مقترحات السعيدي إنذار؟! فاسوّدت صفحات الجرائد بكلام كثير حول الموضوع، وبرزت ساحة من الساحات القديمة المتجددة "الفصل بين الجنسين" بين العلمانيين، أو المعارضين لفكرة الفصل على الأقل، والآخرين المؤيدين لها.
قبل ذلك بكثير، فتحت موضوع الملبس اللائق، وضرورة وضع آلية عملية لوضع حد لتجاوزات الطلبة، مع الشيخ عادل المعاودة، الذي كان وقتها نائباً ثانياً لرئيس مجلس النواب، وأخبرته بأنه ينبغي أن يكون التحرك طلابياً بحتاً في البداية، مدعوماً باستطلاعات رأي، واستبيانات، وغيرها، ومن ثم يكون الدعم من مجلس النواب، أو من بعض أعضاءه، إذا كان الدعم سيحقق نتيجة. ولكن السعيدي هداه الله "فركش" هذا كله، بتحركه الفردي غير المدروس. فاتصلت بالشيخ المعاودة بعد تصريحات السعيدي ومقترحه، وأبدى أيضاً أسفه واستياءه من هذا التصرف !
في الواقع، كان هناك مطلبان يختلف كل منهما عن الآخر، الالتزام باللباس اللائق، والفصل بين الجنسين، ولكن طرحهما الذي صادف أن يلتقيا في نفس الوقت، كان فرصة لدعاة الحرية البهيمية أن يشنوا عليهما حملة واحدة في صفحات الجرائد. حملة لا تخلو من جهالات كثيرة وألفاظ فقدت بريقها الزائف لكثرة تكرارها، ظلامية، رجعية, تخلف, طالبانية، مصادرة للحريات، وصاية مرفوضة، وغيرها كثير من عبارات.
حاولت التنسيق مع مجلس النواب، كنت أريدهم فقط أن يسمعوا لرأي الطلبة، أو ينسقوا معهم في تحركهم، فاتصلت فيمن اتصلت بهم بالنائب الشيخ حمد المهندي، الذي رفض حتى أن يجتمع بالطلبة معتذراً: (مستشاري يقول أنه من الأفضل أن لا نجتمع معكم الآن) ! أعتقد أنه لا داعي لوصف شعوري حينها !
واستمر السجال، معروف النهاية، بين المؤيدين والمعارضين، وعقد منتدى الجامعيين التابع لجمعية الإصلاح ندوة حول الموضوع، كانت الكاتبة سوسن الشاعر من ضمن ضيوفها، وكان الشيخ إبراهيم بوصندل من أبرز حضورها، كما كان، أعني بوصندل، من أبرز المبارزين في الرد على المعارضين لفكرة الفصل، جزاه الله كل خير. وعلمت فيما بعد أن جمعية الأصالة لم ترغب في أن يطرح الموضوع بهذه الطريقة، ولكن بما أن الموضوع طُرِح، فلا بد من بيان وجهة النظر والدفاع عنها.
ولكن للأسف، الاستبسال في المتابعة لا ينقذ دائماً العمل من سوء البداية. بل قليلاً ما تفلح المتابعة الجادة في إنقاذ البدايات الخاطئة. فهل ندرك كيف نرسم بداياتنا في كل شيء؟ هذا ما تعلمته أنا، ليس حينها، بل الآن وأنا أكتب هذه الأسطر !
يتبع ..