المواطنة في تيارات الخليج

لا أدري كيف أشرح التباس مفهومي الوطن والمواطنة في مخيلتي، كَشَفَ هذا الالتباس عن نفسه منذ زمن ليس بقصير، ربما منذ ممارستي للعمل الطلابي من خلال مجلس الطلبة، التجربة التي فتحت لي باب “الشأن العام” على مصراعيه، أو بعد ذلك مباشرة، حين انتقلت إلى دكّة المتفرج خارج اللعبة، فغدت الصورة أوضح. ولكن الأمر لم يعد التباساً بقدر ما صار أشبه بالفوضى مع انكشاف المنظومة الأخلاقية “الحقيقية” خلال الأزمة الخليجية. وقد تلمست هذه الفوضى، فوضى مفهومي الوطن والمواطنة، في حوارات متفرقة هناك وهناك.

سألني: ماذا يعني لك الوطن؟ سؤال لم يفاجئني، فقد شغل بالي كثيراً، ولكني أشعر بأني لا زلت قاصراً عن الإلمام بالإجابة النموذجية، لا من حيث صوابها من خطئها، بل من حيث تعبيرها عن شعوري، لذلك كلمة “وطن” في رأيي الشخصي هي أكثر كلمة ذات شجون، معجونة بالمعاني، الذكريات، والمشاعر. ولكن لا بد من الإجابة:

الوطن كلمة تدل على كثير أشياء، معاني مركبة،

فالوطن باعتباره أرض ومكان، لا شك بأن القلب يهفو له، ويحن إليه.

الوطن باعتباره أهل وأصدقاء وخلان، فدونهم الروح.

الوطن باعتباره نظاماً سياسياً، فمكانته بقدر شعوري بأنه يحفظ كرامتي، وبأني مساوٍ للمواطنين الآخرين، بقدر ما أكون فيه رقماً حقيقياً في اعتباراته وحساباته.

واصلت استطرادي: ماذا أنا وأنت في معادلة الوطن باعتباره نظاماً سياسياً؟

تسعى الأنظمة عموماً إلى خلط هذه المكونات بعضها ببعض، تراه بوضوح في الخطابات أو المقالات العاطفية، والمناسبات والأغاني الوطنية. وهذا خلط متعمد، حتى بات طبيعياً أن يُقدح في “وطنية” أي شخص ينتقد نظاماً سياسياً، في الوقت نفسه يُقدم على منابر “الوطنية” من فاحت رائحة فساده!

2019

هذه مجرد مقدمة لأوضح سبب إعجابي بهذا الكتاب الذي أود تناوله معكم هنا، وهو مجموعة من الأوراق لعدد من الباحثين الخليجيين المتميزين، وهذا وصف الناشر (مركز دراسات الوحدة العربية):

يركز هذا الإصدار على المواطنة بوصفها مفتاح الخلل السياسي المزمن الذي يواجه دول مجلس التعاون، المتمثل بحكم مطلق ينحصر في قلة قليلة من محتكري السلطة في مقابل ضيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. والأدبيات التي تتناول المواطنة في الخليج نادرة إجمالاً، والأندر منها هو ما يتناول المواطنة كمفهوم وممارسة بين النخب والتيارات السياسية والاجتماعية في بلدان مجلس التعاون. فعادة ما ينصبّ التركيز على الأنظمة الحاكمة، وهذا أمر منطقي، إلا أنه يبقى ضرورياً أيضاً التطرق إلى تعاطي التيارات السياسية والنخب والمواطنين عموماً مع المواطنة كمفهوم وممارسة.

ما هي المواطنة، وماذا تعني في سياق بلدان مجلس التعاون؟ ما هي طبيعة الحكم في المنطقة، وكيف تطور تاريخياً؟ وما هو دور المواطنة فيه؟ في المقابل، ما هو دور المواطنة في فكر ومنهج الحركات والنخب السياسية في الخليج، الإسلامية منها والوطنية؟ وكيف يتعاطى المجتمع المدني بتجلياته المختلفة مع المواطنة؟ هذه هي الأسئلة التي يتمحور حولها محتوى هذا العمل.

اقتباسات من الكتاب:

“بقي الثالوث الخليجي: الأنظمة، والحركات المدنية، والحركات الإسلاموية، بعيداً من مفاهيم «المواطنة»، ذلك بأن من مفاهيم المواطنة حقوق التجمّع، وتكوين الأطر والهيئات التي تنظم الجمهور، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، وهذا ما ليس متوافقاً مع أنماط الحكم القائمة على السيطرة الكاملة من الأسر الحاكمة على مفاصل الحكم، وعدم السماح بقيام المؤسسات والمنظمات التي تمثِّل إزعاجاً لها. ولم تكن المواطنة ضمن أولويات الحركات المدنية، نظراً إلى ما تقدم من تفسيرات للأفكار الآتية من البلدان والمجتمعات العربية التي لم تكن تفسح للفردية مكاناً لائقاً. في حين أن التنظيمات الإسلاموية لم تكن مستعدة للمناقشة في أمور مثل حقوق المرأة، وحقوق الأقليات، والتعايش… إلخ”.

“حين نهتم بالمكان نحن نهتم ببعضنا البعض وبناء العلاقات بين الناس يصبح سهـلاً لأننا لا نناقش الـ أنا والـ أنت، بل نناقش هذا المكان – القاسم المشترك – الذي يجمعنا جميعاً”.

“تحمل الإشارة إلى مفهوم الأبوة دلالات كثيرة بالنسبة إلى الدولة الخليجية بعامة وسلطنة عمان بخاصة. أولاً، لكون مفهوم الأبوة يخلق بالضرورة علاقة غير سوية بين الحاكم والمحكوم، حيث يُصوَّر الحاكم كبالغ وراشد يتحمل مسؤولية تربية رعاياه وحمايتهم، بينما المحكوم (المواطن) يظل قاصراً يدين للحاكم بكل ما يملكه من نِعَم، وهو مفهوم بالتأكيد لا يؤسس لعلاقة قائمة على أساس المواطنة”.

“فمن دون المشاركة الشعبية الفعالة في اتخاذ القرار، لن يكون بالإمكان التطرق إلى الخلل الإنتاجي المتمثل بالاعتمادية المتصاعدة على مورد ناضب يستغل بنحو غير مستدام، ولا التطرق إلى الخلل السكاني المتفاقم الذي حوّل من يقطن المنطقة إلى سكان تنقصهم حقوق المواطنة، ولا تدارك الخلل الأمني من الاتكالية المتواصلة على القوى الغربية كالعراب الأخير للحماية، وستبقى الديمقراطية والتنمية والوحدة أهدافاً بعيدة المنال‏”.

“من المهم أن تحرص أي كتلة على ثلاثة شروط أساسية كحد أدنى: الأول هو الاتفاق على أهداف واضحة ومحددة تمثل أساس المطالب التي يتم التوافق عليها، وأن يكون جوهرها هو تفعيل المواطنة الحقة عبر الديمقراطية. وثانياً، على الكتلة أن تشمل أوسع طيف من التيارات المختلفة التي تؤمن وتهدف إلى هذا المطلب. أما ثالثاً، وربما هو الأهم، فقد بات من الملح أن يكون العمل على مستوى دول مجلس التعاون ككل، مع فهم والتطرق إلى خصوصية كل من أقطاره على حدة. فما يحصل في الكويت يؤثر في السعودية، وما يستجد في السعودية ينعكس على قطر، ولا يمكن لأي إصلاح حقيقي أن يتجذر إلا إذا انتشر على مستوى الخليج ككل، بحيث يتكاتف الناس حول مبدأ المواطنة، كما تكاتفت الأنظمة حول الحكم المطلق. فما من مفر من وحدة المصير، وحريّ بنا أن نمحور هذا المصير حول المواطنة”.

“ويبدو أن التحدي الأكبر سيكون بناء «كتلة تاريخية» من الأطياف والتيارات السياسية والمجتمعية المختلفة التي تعمل نحو هذا الهدف”.

بإمكانكم الاطلاع على محتوايت الكتاب أو تحميله من خلال هذه الصفحة. كما أنه متوفر أيضا على كيندل.

حول المسألة اليهودية

بقلم الصديق الفاضل بسام مال الله:

كتيب للمفكر والفيلسوف الألماني كارل ماركس صدر في سنة 1843 بالألمانية وقد نقلته إلى العربية باقتدار الدكتورة نائلة الصالحي.

يتناول ماركس في مؤلفه هذا ابتداء مسألة مطالب الجاليات اليهودية في القرنين الثامن والتاسع عشر في أوروبا بشكل عام ومملكة ألمانيا بشكل خاص بالتحرر لنيل الحقوق السياسية الاعتبارية أسوة بالمواطنين من المسيحيين ذوي الإمتياز في دول أوروبا المسيحية، ومدى جدوى ذلك المطلب في ظل عدم انعتاق اليهودي ذاته من قيود ديانته وعزلته المجتمعية وتكريس الفردانية التي فرضها على نفسه، فاليهودي بحسب ماركس وباور يريد أن يتحرر بخصوصيته كيهودي لا كإنسان ومواطن متساوي في الحقوق والوجبات في مجتمع حتى المسيحي فيه لم يكن متحررا بشكل كامل كإنسان، وقد ألمح ماركس أنه في حال نيل اليهودي تحرره الظاهري الموهوم دون انعتاقه من موروثه العقائدي فإنه سيعيد إنشاء ذات النموذج الذي ينتقده ويطالب بالتحرر منه وهو ما تحقق فعلا في سنة 1948 حين اُحْتُلَت فلسطين وأقام الصهاينة اليهود فيها دولة القومية اليهودية التي يحتكر فيها “المواطنون” اليهود أغلب الإمتيازات مقابل إضطهاد المواطنين والسكان المقيمين من الفئات والقوميات الأخرى.

وقد عرج في ذات السياق الى تعريف ماهية التحرر السياسي -والذي يشكل نواة الدولة العلمانية- القائم على عزل أثر الدين عن المجال السياسي للدولة دون أن يعني ذلك إلغائه في مجال الأفراد الخاص، ورغم إشادته بهذه الخطوة الا أنه يشير إلى أنه تحرر جزئي وقد استشهد بنموذجي التحرر السياسي الفرنسي و الأمريكي وحقيقة أنها كانت – ولازالت- قائمة على وتروج للفردانية الأنانية (أن الفرد هو الغاية والمركز)، بدل النموذج الجمعي الأممي حيث الفرد يشكل جزء من كل، جزء من تجربة تطور مجتمعية -والتي سيأتى ماركس على ذكرها في مؤلفاته الأخرى ضمن اطار الفكر الشيوعي- وقد رأي أن كل من النموذجين الفرنسي والأمريكي ما هما إلا تجسيد في حقيقتهما لخصائص ومصالح المجتمع البرجوازي الذي صاغ بدوره إعلان حقوق الإنسان الأول في القرن الثامن عشر بما يتلائم مع قيمه، قيم الفردانية.

وينهي ماركس طرحه بوصف دقيق لوظيفية اليهودي في المجتمع الأوروبي والأمريكي التي تمثلها عقيدته الدنيويه “التجارة” وإلهه “المال” الذي يسعى الى احتكار أسواقه ومصارفه ما أمكنه، وتوظيفها لترسيخ نفوذ مجتمعها الضيق ومصالحه الأمر الذي سمح لليهود بمتلاك التأثير والنفوذ الأوسع رغم عدم نيلهم كافة الحقوق السياسية، وبرأي ماركس فإن تلك الوظيفة الدنيوية التي تمثلت نموذج سيادة الملكية الفردية والمال الخاص ببرجوازية اليهود الرأسمالية هو ما إنساقت خلفه المجتمعات الأوربية والأمريكية الشمالية واصطبغت به، فانتصرت بذلك عملياتية اليهود على الترفع المسيحي الروحاني وارتدت بذلك المسيحية الى اليهودية، التي انتجت نموذجا يتنكر للطبيعة ودور الإنسان المتسق مع مجتمعه في تحقيق قدره كقائد لهذا العالم.

المسألة اليهودية

إقتباسات:

“وعلى العكس يقف ما يسمى بالدولة المسيحية* موقفا سياسيا ازاء الدين ودينيا إزاء السياسة. وحيت تحط هذه الدولة من الأشكال السياسية ظاهريا فإنها تحط ظاهريا من الدين بنفس القدر”.

“حقوق الإنسان ليست منحة من الطبيعة، وليست صداق التاريخ المنصرم وإنما هي ثمن الكفاح ضد صدفة الميلاد وضد الإمتيازات التي أورثها التاريخ من جيل إلى جيل حتى الآن. وهي نتيجة للتعليم ولا يستطيع أن يمتلكها إلا من إكتسبها وإستحقها”.

“التحرر السياسي هو في نفس الوقت إنحلال المجتمع القديم الذي يستند إليه كيان الدولة الغريب عن الشعب. سلطة الحكام”.

“لقد بلغت سلطة اليهودية على العالم المسيحي في أمريكا الشمالية التعبير الطبيعي الذي لا لبس فيه حتى أن التبشير بالإنجيل نفسه ووظيفة التبشير المسيحي أصبحا بضاعة يتاجر بها، والتاجر المفلس في الإنجيل يفعل ما يفعله الإنجيلي الذي أصبح ثريا في التجارة”.

حدائق النور

حدائق النور

حدائق النور by Amin Maalouf

My rating: 4 of 5 stars

قريبة جداً من أجواء رواية (موت صغير) لمن قرأها، في البحث عن الجمال دون التقيّد بدين محدد، وفي العلاقة بين بطل الرواية وملك أو خليفة عصره.

“في القرن الثالث أصبح ماني مؤسسا للديانة المانيشية/المانوية نشأت هذة الديانة في الشرق الأوسط وانتشرت غربا حتى المحيط الأطلسي وشرقا حتى المحيط الهادي وظل هذا الدين منتشرا أكثر من ألف سنة كانت هذة الديانة خليطا من البوذية والمسيحية والزرادشتية لكن هذة الديانة أعلنت أنها تلقت وحيا بمعان أخرى لم تعرفها هذة الديانات الأخرى. وعلى الرغم من أن هذه الديانة نقلت الكثير من المسيحية والبوذية إلا أن افكار زرادشت قد اثرت فيها أكبر الأثر وكان من رأي ماني أنه لا يوجد إله واحد إنما هو صراع مستمر بين اثنين من الالهة أحدهما هو الشر والاخر هو الخير” (ويكيبيديا)

هذه الرواية تحكي قصته، أو كما قال اكاتب في خاتمته “أو ما يزال بالإمكان تخمينه منها بعد هذا القدر من عصور الكذب والنسيان”.

أول رواية أقرأها لأمين معلوف، كتابة جميلة، والترجمة غاية في الجمال، أحياناً شعرت بأن لغة الترجمة عالية جداً أكثر مما ينبغي، ولكن ربما أراد المترجم أن تكون لغته عالية كما هي لغة الكتاب في الأصل.

اقتباسات:

‏”الحقيقة سيدة متطلبة يا “باتيغ” فلا تتسامح في أية خيانة، وكل إخلاصك حقّ لها، وكل لحظات حياتك هي ملكها. فهل الحقيقة هي ما تبحث عنه بالفعل؟”

“إن الوجود عِقْد من الديون وسلسلة من تصفية الحسابات، وفي إمكان المرء أن يسددها بحقارة أو بشهامة، غير أن عليه تسديدها”.

“بل كانت علاقة قد وُلِدَت بين (ماني) وأقوى أسرة حاكمة في زمانها، علاقة سوف تتسم بالاضطراب ولحدّة، والقسوة في بعض الأحيان. وستكون على الدوام مُلتبِسة، كما ينبغي أن تكون العلاقات بين حَمَلة الأفكار وحَمَلة الصولجانات”.

“إن حب الملوك ليس قط أقل تخريباً من كُرههم. وسعيدٌ هو الماء الذي لا يشرب منه أحد! وسعيدةٌ هي الشجرة التي تُزهر بعيداً عن الطُرقات، ولكن أنّى لها أن تدري بسعادتها؟”

View all my reviews

رغوة حجي السوداء

رغوة سوداء

رغوة سوداء by حجي جابر

My rating: 5 of 5 stars

قصة غير اعتيادية، بالنسبة لي، ومتأكد لكثيرين غيري. قرأت لحجي سابقاً سمراويت، أستطيع أن أقول أننا نتحدث هنا عن مستوى آخر تماماً.

أعجبتني الرواية جداً، أعجبني معالجة الكاتب لبعض الجوانب النفسية، فضلاً عن معالجته للقضية الرئيسية: الهوية والبحث عن النجاة.. النجاة بأي ثمن!

كما أن مساري الرواية، الماضي القريب لبطلها، وحاضره بامتداده الوثيق، تكنيكاً يستخدمه كثير من الكُتّاب، ولكن حجي وظَّفَهُ هنا أيما توظيف.

بعض الاقتباسات:

الإرتري لا يعرف الغضب، هو يحزن وينكسر وينزوي فقط، لكنه لا يغضب. الغضب ترف عند المغلوبين، بينهم وبينه سياج من الإذلال والإخضاع. الغضب فعل إرادة، والمغلوب منزوع الإرادة والقرار“.

ليته انتبه وقد حاذاها، ليته اصطدم بها، تعثّر بالعود. ليته لم يحتج ليتقدّم أكثر، ليته وصل قبل أن ينتبه. ما أسوأ الانتباه قبل الأوان، ما أسوأه بعده“.

يشعر الآن أن الوقت قد فات ليكون منتمياً، والانتماء يحدث في جانب منه لأمور قلبية صِرفَة تتشكَّل في البدايات فحسب“.

كثيرة هي المواضيع التي تثيرها الرواية، ولكن يحضرني الآن سؤالاً واحداً بعد أن أتممتها.. أيجب أن يكون الأقصى قضيتنا الأولى حقاً، أم الإنسان المقهور في أوطاننا العربية؟! أم أن هذه لن تتحقق إلا بتلك؟ أم لا علاقة مباشرة بينهما؟

View all my reviews

رواية(صالح)

“اسمع أنت يا خميس، أنت مب عارف شتسوي بروحك، تسوي الغلط، وبعدين ترقعه بغلط. ساعدتني أطلع من الديرة عشان تثبت للكبارية إن الضابط اللي فوقك مب كفو! سعيت تصدر لي عفو بطريقة تشب بها الطائفية! حاولت تعطل رجعتي بالتعهد وشروطه لأنك فشلت في المرة الأولى والثانية، ووين ما تطقها عوية! انت ما فشلت لأنّي قوي! لا! أنت فشلت لأن أهل الديرة واعيين لك. ما تبوني أتدخل في السياسة، أصلاً مافي حياة سياسية عندنا! ما تبوني أسوي حراك حزبي، أبشرك، الأحزاب ماتت من نفسها! الشي اللي ما تقدرون توقفوني أنا وغيري عنه، هو إني أربّي عيالي وعيال الديرة، وأخليهم واعيين لك ولأمثالك. إحنا رايحين، وانتوا رايحين، وهم باقيين، والديرة باقية”.

صالحهذا كان آخر مشهد من رواية (صالح)، وهذا ما قاله بطل الرواية (صالح) لصديق له يعمل في الأمن  بعد عودته إلى البحرين، خرج منها قبل 15 عام، نهاية 1970 تحديدًا، هاربًا من الإنجليز، الذي كان هو ورفاقه يناضلون لطردهم من البلاد، ليستقر في دمشق ويُصبح عضوًا في حزب البعث العربي الاشتراكي، لينتقل بعدها إلى اليمن ويشارك أصحابه هناك النضال عن طريق إدارته لورشة تعيد تأهيل قطع السلاح، ويرجع بعدها إلى دمشق ويُعلن عن قراره الانعتاق من الحزب، قلت انعتاقًا لأن استقالته لم تكن مجرد التخلص من الالتزامات الحزبية فحسب، وإنما كانت كفرًا بأفكار الحزب أو توجهاته، هكذا يبدو لي كقارئ، وينتهي به المطاف عائدًا إلى البحرين بعد أن سعى له رفاقه القدامى عند بعض “الشيوخ” بتهيئة ذلك وتأمين وضعه.

الرواية للكاتب البحريني الشاب يوسف حسن، وقد حرصت على قراءتها لسببين رئيسيين، أولاً لأن كاتبها صديق عزيز جدًا، ثانيًا لأنها تتكلم عن شيء من تاريخ بحريننا الحبيبة، ونضالات شعبها.

احترت كثيرًا في تقييم الرواية، فهي جاءت مختزلة ومختصرة جدًا، فيها قصة ولكن ليس فيها إلا القليل من “الأدب” إن صح التعبير، وكأنها عبارة عن رؤوس أقلام لقصة فيلم قدمها كاتب لمنتج، ولكن في الوقت نفسه في هذه الرواية القصيرة، ورغم ما تفتقر إليه من جماليات وأجواء يود القارئ عادةً أن يعيشها عندما يقرر قراءة رواية، رغم ذلك إلا أن فيها قصة كما ذكرت، وليست أي قصة، تُسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ البحرين الحديث، ومن الحراك الحي المقاوم للاستعمار فيها.

من يقرأ الرواية يتذكر المسلسل البحريني العظيم (سعدون)، وكأن الرواية تحكي الفصل الثاني من قصة سعدون.

وبمناسبة الحديث عن مقاومة الاستعمار البريطاني، من المناسب التذكير هنا أن البحرين استقلت 14 أغسطس 1971، وقد مرت ذكرى هذا الاستقلال قبل أيام مرور الكرام على الإعلام الرسمي، بل أن كثيرًا من الشباب لا يتذكر هذا التاريخ ولا يعني له شيئًا، وهذا لا يقتصر على البحرين وحدها، بل كل دول الخليج. وأقول صادقًا، لا أدري لماذا أثار هذا الأمر انتباهي هذا العام أكثر من أي عام سابق، وأنا الذي بلغ عمري خمس وثلاثين عامًا! بحثت في الانترنت عن (دول لا تحفل بعيد استقلالها)، فحصلت على هذا الموضوع (دولة لا تحتفل بعيد استقلالها)، فابتسمت وقلت، هذا ليس صحيحًا، نحن لا نحتفل بذكرى استقلالنا أيضًا.

وقد سألت بعض الأصدقاء، لماذا لا نحتفل بيوم الاستقلال، فجاءتني مجموعة من الإجابات، كانت أكثرها إثارة (وهل دولنا مستقلة؟). هذه الإجابة ذكرتني بتساؤل آخر، كان ولا زال يتردد صداه بعد أن طرحه أحدهم: (ماذا سنخسر نحن كشعوب لو رجع الاحتلال البريطاني المباشر للمنطقة؟!).

“صالح” وإن كانت رواية قصيرة جدًا بإمكانك أن تُنهيها في يوم واحد، إلا أنها تضيء منطقة شبه مُعتمة من تاريخنا الوطني، فخيوط حكايتها لم تكن من نسج الخيال..!

الرواية متوفرة في متجر كيندل.

طواسين الغزالي

سيئة جداً، ليس فيها أدب ولا جماليات، فيما عدا الحفر في بعض العبارات والجمل. لا تنقل القارئ إلى أي من الروحانيات تلك التي تدعيها الصوفية، وإذا كان الكاتب أراد أن ينشر سيرة الغزالي من خلال روايته هذه، فيا لها من سيرة غير جديرة بالاحتفاء في رأيي، ولا تشجع القارئ أن يستزيد البحث فيها!

المقدمة التي أسماها الكاتب “بيان أدبي”، كافية لأن تدفعك لرمي الرواية في أقرب زبالة لما فيها من جرأة وغرور. أستغرب كيف يكتبها من يدعي “صنعة الأدب”! لولا التزامي بمجموعة قراءة لما واصلت قراءة ما بعد هذه المقدمة.

لا أنصح بتضييع الوقت في قراءتها.

التقييم: 1/5

مزحة ميلان كونديرا

Author Milan Kundera Photo by Catherine Hélie.

الرواية الأولى للروائي الفرنسي من أصول تشيكية ميلان كونديرا، وأول رواية أقرأها له. سُحرت بكثير من العبارات والمعاني، وبقدرته الجريئة على الغوص في خبايا النفس البشرية ودهاليزها.

هذه بعض الاقتباسات التي توقفت عندها:

  • الإفراط في الأخلاق أهم من نقصها كما هي الحال اليوم.

  • لم يكن وعيي ببؤسي الشخصي يصالحني إطلاقاً مع بؤس أمثالي. فلا شيء يثير اشمئزازي مثل تآخي الناس بدافع رؤية كل واحد منهم لدناءته الشخصية في دناءة الآخر. ليس لدي ما أفعله بهذا التآخي البائس.
  • والكراهية تصدر ضوءاً حاداً للغاية يُفقد الأشياء أشكالها. لذلك بدا لي قائدي، بكامل البساطة، مثل جُرَذٍ حقود وماكر.
  • الغناء أو تقاليد الاحتفال الشعبي هما نفقٌ تحت التاريخ، فيه تم إنقاذ جزء مهم مما دمَّرته فوقه، منذ زمن طويل، الحروب والثروات والمدنية. نفقٌ أرى عبره بعيداً إلى الوراء.
  • كل الوضعيات الأساسية في الحياة لا تكون إلا مرة واحدة. إنها لا تعود. وكي كيون الإنسانُ إنساناً، لا بد أن يكون واعياً تماماً بهذه اللاعودة. أن لا يغشّ، وأن لا يتظاهر بأنه لا يعرف شيئاً. الإنسانُ الحديث يغش. يجهدُ في التحايل على كل اللحظات التي بلا عودة، وفي المضي من الولادة إلى الممات هكذا من غير محاسبة.
  • سعيتُ إذاً إلى الحديث عن أمور تافهة، لكن ذلك كان أسوأ. سرعان ما غدا اللمعنى المُتوخّى من الحديث شفافاً وأصبح الحوارُ لا يُطاق.
  • أبداً ليس الزهو تماماً ما كان قادَهُ إلى الكتابة، بل الضعف. ذلك أن الشجاعة في العُزلة؛ من غير شهود ولا رضا الآخرين، وجهاً لوجهٍ مع الذات، تتطلب اعتزازاً كبيراً بالذات وكثيراً من القوة.
  • ليس الأعداء من يحكم على الإنسان بالعُزلة، بل الأصدقاء.
  • وأنَّ نظام أشياء العالم مهما كان عادلاً لا يمكنُ أن يجري خارج مشاركته -الإله- إلا بصورة متعثرة وفاسدة.
  • غير أن للأحداث عادةً معنى مخالفاً لذلك الذي يمنحه إياها صانعوها العميان، فهي ليست إلا تعليمات خفيّة قادمة من أعلى، والذين تركوها تتحقق ليسوا، من غير أن يدروا، إلا رُسلاً لإرادةٍ عُليا لم تخطر حتى على بالهم.
  • لا حركة كبرى تبتغي تغيير العالم تتسامح مع التهكم أو السخرية، لأنهما صدأ يتأكَّلُ كل شيء.
  • لم يعد التاريخ اليوم سوى خيط واهن من ذكرى فوق محيط المنسيّ.
  • لقد سوَّى يأسُ هيلينا حساباته مع الحياة على مسافة كافية من عتبة الموت.

Screenshot_20170822-123227

أي وصف رائع هذا الأخير الذي عبّر به الكاتب بعد محاولة الانتحار الفاشلة لهيلينا!

قرأتُ هذه النسخة من الرواية، ويُقال أن ترجمتها أفضل من الأخرى. الترجمة كانت رائعة في رأيي.

التقييم: 4/5

ذكريات ضالة

IMG_20160724_164325

كيف تشكلنا الطفولة.. ترسمنا وتحدد ملامحنا النفسية؟ كيف لتلك المواقف التي لا نلتفت لها اليوم، تذبذب علاقتنا بالصديق الذي نحب، خوفنا من ابن الفريج قوي البنية، خفقة القلب الأولى لابنة الجيران أو الطالبة في المدرسة المجاورة، كيف غاصت تلك التفاصيل عميقاً في أنفسنا، ووضعت أساسات بنيان ذواتنا؟ كيف لها في الوقت نفسه أن تعيد أطلال تلك الذكريات ببناء نفسها، أن تفور من الأعماق فجأة بعد أن طمرتها أيامنا بالمشاغل والمتاهات، وإذ بها تُشيّدُ نفسها بنفسها، تقف أمامنا، ونقف نحن أمام أنفسنا، وربما تغيرنا مرة أخرى، وهي التي شكلتنا بدايةً!

رواية جميلة جداً، عبدالله كاتب رائع، كتابته تحتوي على صور شاعرية وأفكار والتفاتات مبهرة.
ستكون من ضمن القائمة التي أنصح السائلين بقراءتها..
4/5

الطلياني

image

في الحقيقة أعجبتني الرواية، جريئة نعم، ولم أجد في جرأتها غضاضة. أعجبني حماس بداية الرواية وخفوته في المنتصف وتلاشيه إلى حد ما في آخرها، هذا الإيقاع متناسب وحياة بطل الرواية، من الثورية في فتوّة حياته وهو طالب جامعي، وركود عندما اصطدم بالواقع ومن خلال عمله، حيث صار ترساً صغيراً في جهاز إعلامي للدولة، وبداية الوقوف على أطلال حياته بعد تجاربه في آخرها.

وددت لو أن الفصل اﻷخير من الرواية كان منثوراً بين الفصول كلها، لم أهضم ذكرياته كلها في آخر الراوية رغم سلاستها، أعني لم أستسغ تناولها كلها دفعة واحدة. وتمنيت أيضاً أن يطنب الكاتب أكثر في تأثير تغير موقع البطل في الساحة السياسية وتعاطيه مع الشأن العام، إطنابه في تفاصيل مغامراته مع النساء. التغيير من الحالة الثورية والتفاعل المندفع مع قضايا الشأن العام إلى شيء من اللامبالاة كحال كثير من الشباب العربي اليوم، جانب مهم  فوّته الكاتب إلى حد ما.

عن حياة تونسي، يساري في مرحلة الجامعة، صحفي في جريدة تابعة للنظام لاحقاً، مغامراته كثيرة مع النساء!

تخلف صناعة الكتاب العربي

20141011_121938

20141012_153836العربي الجديد – أحمد الحربان

أبهرني حجم معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي سعدت جداً بزيارته أكتوبر الماضي، وهو أحد أكبر المعارض في العالم، يشغل عدة قاعات ضخمة، وأكثر من طابق في معظمها، كما أبهرتني فخامة أجنحة دور النشر والمؤسسات المشاركة، تشعر وأنت تتجول من قاعة إلى أخرى مشياً على الأقدام أو بواسطة باصات نقل صغيرة، تشعر بأنك في قصر الكتاب ومملكته، كل هذا الاحتفاء وهذه الأفواج من زوّار المعرض، تُخبرك بمكانة الكتاب وأهميته في حياة الناس ووجدانهم.

ولكن شعوراً آخر انتابني هناك، وهو شعوري بالحسرة على الكُتّاب والقُراء العرب. ليس لقلة الإنتاج العربي، ولا لشُح القُراء، ولكن لتخلف عملية نشر الكتاب وتسويقه، وهي العملية التي تؤثر بشكل مباشر على مدى تفاعل الجمهور، وما يثيره هذا التفاعل من نقاش وتشجيع، وما يفتحه من آفاق للكتابة والقراءة، الوسيلتان الأهم للتعاطي مع ما تمر به كل أمة.

أثارت تقنية “النشر الذاتي” هذه الحسرة، وهو الموضوع الذي خصص لها المعرض قاعة كبيرة من قاعاته، واستضاف عدداً من الفعاليات لتناوله والوقوف على آخر تطوراته. النشر الذاتي، هو أن يقوم الكاتب بنشر كتابه الكترونياً بالاتفاق مع أحد المتاجر الالكترونية الكبيرة كأمازون وأبل ستور، أو شركة من الشركات التي تقوم بنشر الكتاب في هذه المتاجر ومتاجر الكتب الأخرى، على أن يحصل الكاتب على نسبة مُتفق عليها من العائد، تصل إلى 70%.

بناءً على آخر دراسة عن موضوع النشر الذاتي، فإن الكتب المنشورة ذاتياً تُمثل حوالي 4.5% من سوق الكتب، و15% من سوق الكتب الالكترونية، في الولايات المتحدة. وفي عام 2013، بناءً على تحليل سوق الكتب، فإن 390 ألف رقم من الأرقام الدولية المعيارية للكتاب ISBN تم حجزها للكتب التي ستُنشر ذاتياً، بزيادة قدرها 14% عن عام 2012، وتبلغ نسبة الزيادة 470% مقارنةً بالأعوام الخمسة الماضية.

وبالإضافة إلى جميع مميزات الكتاب الالكتروني، فإن للنشر الالكتروني مزايا عديدة، منها سرعة الوصول للأسواق، حيثُ من الممكن أن يتم الانتهاء من متطلبات عملية نشر الكتاب خلال أيام قليلة، بينما من الممكن أن يقطع الكتاب العادي ماراثوناً لمدة عام إلى العامين حتى يرى النور. كما يملك الكاتب التحكم الكامل في عملية التخطيط، التحرير، التصميم، وحتى التسويق للكتاب، بينما بالنشر التقليدي فإن فإن قدرة الكاتب على إجراء أي تغييريكون أقل بكثير. ويملك الكاتب كامل الحق في إجراء أي تغيير يرغبه في الكتاب، سواءً من ناحية التصميم أو المادة المكتوبة، بينما بالنشر التقليدي فإنه سيضطر إلى مراجعة دار النشر، وربما لن يتمكن من إجراء أي تغيير في نتاجه وجهده. هذا ومن السهولة تسويق الكتاب، فهو موجود على شبكة الانترنت، والتي من المتوقع أن يصل عدد مستخدميها في عام 2025 إلى 25 مليار مستخدم.

قد لا يواجه الشباب العربي اليوم مشكلة في نشر كتبهم، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك اليوم وفرة من دور النشر التي تطبع الغث والسمين، لكن فرصة نشر الكتاب ليست هي التحدي الوحيد الذي يواجهه الشباب العربي، إنما واحدة من مجموعة تحديات منها عدم وجود محرر في دور النشر يُبدي رأياً فيما يكتبون، واستغلال دور النشر للكُتّاب فتجعله يدفع رسوماً للنشر، والمشكلة الأبرز هو أن الكتاب لا يتم توزيعه بالشكل الذي يرغب الكاتب، فهناك دور نشر نشطة تشارك في معظم المعارض، وهناك دور نشر إن استطاعت أن تشارك، فإنها لا تشارك بكل نتاجها في كل معرض. يُقدم “النشر الذاتي” حلولاً لتجاوز أغلب هذه المشاكل.

fifty shades 2 060912لا تستغربون عدم حماسة دور النشر العربية لفكرة الكتب الالكترونية، والنشر الذاتي، فهم لا زالوا يعتقدون بأن الاستمرار على الطريقة التقليدية في النشر كفيل باستمرار تجارتهم، ولعل مثالاً واحداً يدفعهم لإعادة النظر، فثلاثية (خمسون ظلاً للرمادي) لكاتبتها البريطانية إي ال جيمس، كانت منشورة ذاتياً، حتى التقطتها (راندوم هاوس) وطبعتها ورقياً، وأصبحت بعدها أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم. ما لا يدركه أرباب دور النشر العربية أن صناعتهم مُهددة وبقوة، ففي المستقبل القريب سيتجه الكُتّاب إلى خدمة النشر الذاتي إذا ما وُجِدَت شركة تتمكن من إحداث إختراق تقني في تطوير الكتب الالكترونية باللغة العربية، ولن يتردد الكاتب حينها بهجر دور النشر التقليدية ونشر نتاجه الكترونياً، خاصةً إذا كان سيحصل على 70% من أرباح بيع كتابه، وهذا ما يصعب أن تقدمه هذه الدور.

وجدت موقعاً عربياً يُقدم خدمة ترجمة الكتب إلى الانجليزية، بهدف أن تُنشر في أمازون ليتمكن مُستخدمو جهاز كيندل من شراءها وقراءتها، متى سأرى موقعاً عربياً ينشر الكتاب الالكتروني نشراً ذاتياً وباللغة العربية؟

إذا كان الغرب قد تجاوز تحدي “الكتاب الالكتروني” ودخل عصر”النشر الذاتي”، فإن الكتاب العربي لا زال يقف مُتخلَّفاً عن أقرانه من أبناء لغات العالم، وربما لو نطق لقال: ترجموني وانشروني، فأنا مكتوبٌ بلغةٍ ليسَ هذا أوانُها، والرفوف مهما كثُرت فهي أغصانٌ لا فضاء، والكتب اليوم تطير !

20141011_173010 20141011_154230 20141011_171423 20141012_155334 20141012_160859

صور كثيرة أخرى التقطتها من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، تجدونها هنــا

رابط المقال في موقع العربي الجديد هنــا