مئذنة

ماذا لو لم تُولد من عائلة مُسلمة، هل سيعني لك الصوت الصادح من هذه المنارة شيئاً؟ أم أنه سيشبه رنين يَجرسُ أذنك عند مرورك بكاتدرائية في مدينة أوروبية؟ أو حفيف شجرةٍ تحلق حولها بعض العبيد راكعين في قريةٍ أفريقيةٍ نائية؟ أو حتى خواء بقرة قررت أن تظل واقفة في شارعٍ هندي ضيّق بعض الوقت غير آبهة بالمستعجلين، وهم ينتظرون انصرافها دون أبواق أو تذمّر!

مهلاً قبل أن تجزم بأن إجابتك ستكون سهلة، تفكّر في تجرّدك من عادات مجتمعك وتقاليده، من نظرتهم للحياة، من المسافة بينك وبين الآلهة الصغيرة التي يُقدسون، سواء كانت مظهر، معنى، أم أشخاص.

ماذا لو لم تُولد من عائلة مسلمة، أو مسيحية، هل ستكون مسلماً أو مسيحياً؟

ليست الإجابة سهلة، والراحة اللذيذة حد الخدر التي يرفلُ بها عقلك ليست بالضرورة علامة رسوخ أو إيمان، قد تكون كسل واكتفاء بالإجابات الأولى، بالسائد.

تذكر دائماً أن حولك مآذن كثيرة.. هل تستمع لأصواتها كما يستمع لها معظم الناس، قبول وتسليم. أم أنك مُصاب بعقل شقي، لا يكف عن التشكيك والبحث. أم أنك تصمُّ أذنيك حامياً نفسك من شقاء القلق، تماماً كما تفعل عندما تسمع خبراً لا يُعجبك أو رأياً يشكك في قداسة آلهتك الصغيرة؟!

حاسر

كان يمكن أن ينتبه لي الجرسون أسرع، ويأخذ طلبي بجديةٍ أكبر، رغم أنه لا داعي لذلك، لو أنني فقط وضعت غترتي وعقالي فوق رأسي. حتى المارّات من هنا، أو تلك اللاتي يجلسن على طاولة قريبة، خارج إطار الصورة، أو من أصادفهن في كل مطعم ومقهى وشارع، لن يبخلوا كثيراً حد الامتناع في النظر إلي، لو أنني فقط اعتمرت غترتي وعقالي!

تختفي كل الورود التي لست تحملها، وتُصبح بلا رائحة، تتطابق ألوانك بلون المشهد خلفك فتصير شبه لا مرئي هنا في الدوحة، إذا خرجت بثوبك حاسر الرأس. رغم ذلك نادراً ما ألبس غترتي خارج وقت العمل والمناسبات الرسمية، هكذا أحب وأرتاح. لستُ زاهداً بحضوري، ومن يزهد بنظرةٍ أو ابتسامة؟! أنا فقط عند خروجي من الفندق لا أفكر في ذلك، ويحدث هذا في كل مرة، ولا نية عندي لأعيد النظر في المسألة مستقبلاً.

انتهت خرافة “من خوارم المروءة”، أن يحسر الرجل عن رأسه أعني، وعقبال ما تكون “موضة”!

حدس البدايات

حدسك الأول، حدسك الأول، لا يغب عن بالك أبدًا. ربما تكون محظوظًا فتكتشف صحة ما ينبئك به بعد وقتٍ قصيرٍ جدّا، وربما تخدعك الأيام حينًا من الدهرِ لتظن أنه كان في غير محله، وتكتشف متأخرًا صدقه وأمانته.

ظنك في حدسك إثمٌ، لا تعتاد ارتكابه!

لا يحتاج الأمر إلى أكثر من إصغاء لصوتك الداخلي عاريًا دون تشويش لحن رغباتك عند البدايات، لتتجنب صدمة الخواتيم.

لا شيء من الإثارة هنا

يقولون بأن الرجال مسؤولون عن صنع الإثارة، يهمسون للانتباه أن التفت. والإثارة تأتي بصور لا حصر لها..

لكن لا شيء منها هنا يا سيدتي.

شعرٌ متقصف إذا ما طال، بعض الخطوط البيضاء تتحرش به مؤخراً. كرشٌ ليس بالعظيم هيبةً، ولا بالغائب رشاقة. عينٌ فيها انحرافٌ بسيط، وفكرٌ انحرافه ليس بأبسط. حديثٌ مُملٌ خالٍ من الحكايا والقصص، لا تجارب ولا ذكريات، أنتِ على موعدٍ مع صمتٍ طويل وكلماتٍ قصيرة إذا ما قررتِ دعوتي لكأسِ نبيذ، بالإضافة إلى اعتذارٍ عن شربه! أمارس الرياضة بصورة متقطعة، أجري مسافاتٍ طويلة لكني أجهل الرقص، فلا تعرف يدي مصافحة خصركِ، ولا رجلي متابعة ساقاكِ، إذا ما مددتِ يدك دعوة. أسافر، لكني لست بارعاً في السفر، أجلس في نفس الزوايا، وأنشغل بكتاب، أو أتشغال بتصفح بعض المواقع. ليس هنا ما يثير الانتباه، أو يدعو للالتفات.

زاوية لا تُرجع الصوت صدىً، ومُتكأٌ أكثر من عادي.

آه نسيت.. الابتسامة، هل رأيتِ أكثر منها اصفراراً؟!

ساعة صفاء

image

قد تكون في وضع لا هدوء فيه، ليس بالضرورة أن يكون إزعاجاً.. ثرثرة الزملاء أو أفراد العائلة، اتصالات اﻷصدقاء، رسائل المعارف على الجوال، تنبيهات البرامج، عناوين اﻷخبار التي ترسلها لك القنوات الإخبارية التي تتبعها، وغيرها كثير.

قد تنجح في قطع الاتصال وتهرب بعيداً عن كل ذلك، لتختلي بنفسك، ولكن هذا لا يعني دائماً أنك مكّنت الهدوء من عقلك، فأحياناً صخب اﻷفكار التي تملئ رأسك، أو ضوضاء التوتر بسبب التزاماتك الكثيرة، أو غيرها من أشياء بين أذنيك.. في عقلك، أو خلف صدرك.. في قلبك، لا تستطيع إسكاتها أو تهدئتها بسهولة.

سيصعب عليك، أحياناً على اﻷقل، إلا أنه ولا بد من أن تُخفض كل هذا الصوت الخارجي، وكل هذه الجعجة الداخلية، لتستطيع أن تستمع لصدى ذلك الهمس الذي يتردد في داخلك، عند إصغاؤك له.. يزداد كشفٌ، تتضح معاني، تكتمل صُوَر، تُستثار مشاعر تدفعك وتحفّزك..
إنه يلهمك وينير لك الطريق، في دروب اخترتها أنت، أو دلك هو عليها، الهمس أعني.. في ساعة صفاء نادرة.

هناك من يتصومع طلبا لمثل هذه الساعات، وهناك من ينعزل ليكتب في انتظار إلهام قد ينساب مع الكلمات، وهناك من يحضر له كوبا ساخنا ويستمع للموسيقى، وهناك من يرتدي حذاءا ويجري..

لتحيا حياة ٲكثر اتزانا وراحة، اكتشف طقسك الخاص بك، وحاول أن لا تكون “صفاءاتك” نادرة..!

سحر الكتابة

image

إذا ما عصف بك شعورٌ ما، أي شعور كان، وشغلك عن الاستمتاع بوقتك أو التركيز في عملك، من المفيد صحياً، والممتع نفسياً، أن تضع أصابعك على لوحة المفاتيح وتكتب.

أكتب أي شيء.. إذا استصعب عليك بناء جملة مرتبة في بداية اﻷمر، أكتب شعورك في كلمات عارية، ثم ارجع لها ورتبها في جُمَل، ثم اربط بين جملة وأخرى، بعدها لا تنسَ أن تقوم بكسوتها ببعض الوصف والتشبيه، ولا بأس في أن تتركها عارية مباشرة كما هي إذا كان المقامُ مقامَ تعري!

ثم اقرأ.. ستجد أنك قادرٌ أكثر على ترتيب ما كتبت، رتّب ما استطعت، وأعد القراءة، وكرر الترتيب، من حذفٍ وإضافة، وتقديم وتأخير، وفضحٍ وتورية.

شيئاً فشيئاً ستشعر أنك تمكنت من بناء النص الماثل أمامك، سواء كان نثراً أو قصةً أو شعراً أو حتى رواية! إلى أن تصل إلى الكتابة التي تُرضيك، عندها ستكتشف أنك تمكّنت من تجسيد مشاعرك، والانعتاق، في نفس الوقت، من المشاعر التي دعتك للكتابة إن كانت سلبية، ومن حفظ تلك المشاعر بصورة رائعة إن كانت جميلة.

وهذا هو سحر الكتابة!

بعد نشر المقال وقعت على هذا الموضوع، أدرجه هنا للفائدة: العلاج بالكتابة

أول وآخر شرده

20151207_133427-01

أخيراً اقتنعت، فذهبت إلى آخر الساحة الرملية بالمدرسة (الهداية الخليفية) وخلف غرفة محوّل الكهرباء، تسلقت السور بمساعدة أحدهم، لأقفز إلى الجهة المقابلة، الشارع العام. لم أفعلها من قبل، وفعلتها فقط لأنعم بوجبة إفطار لذيذة: سندويش مكس “فول وطعمية” ساخن من مطعم (بو نواس)، الواقع في شارع “اليواعه” بالمحرق!

أنتظر الطلب لألتهمه بشراهة، وشعور غريب يلمؤني بالحرية، فأنا خارج أسوار المدرسة قبل نهاية ساعات الدوام، وإذ بسيارته البيضاء الصغيرة أراه قادماً من بداية الشارع، كان بإمكاني الهرب قبل أن يصل، ولكني وقفت كالأبله في مكاني. أوقف سيارته أمام المطعم، نزل وفي يده ورقة بيضاء وقلم، طلب مني بابتسامة عريضة: “قول لربعك الي داخل يطلعون”. وفي الحقيقة لم يكونوا أصدقائي، إنما جمعتنا تلك “الشردة”، فقلت: شباب.. طلعوا طلعوا. فخرج اثنان أو ثلاثة من مطبخ المطعم، وسأل الجميع أسماءهم ليُدونها في ورقته البيضاء، أما أنا فدوّنه دون أن يسأل، لأنه يعرفني جيداً رحمه الله. كان أستاذ الرياضة الفاضل، محمد الماجد.

دخلنا بعدها المدرسة كما خرجنا منها، عبر السور، وبعد الحصة الرابعة ركضت أبحث عنه، وجدته أخيراً في الصالة الرياضية، رجوته شطب أسمي من الورقة، فقال: لم تعد معي، هي مع المدير المساعد. ليتها كانت مع المدير وليس المدير المساعد، فقد كان حينها خالي محمد عبدالرحيم فلامرزي مديراً مساعداً لمدرستنا “العريقة”، الذي ما إن قرأ أسمي وجّه: هذا أول طالب تستدعون لي ولي أمره.

في اليوم الثاني، وفي السيارة، كان أبي عادياً جداً، وقبل أن ينزل معي إلى المدرسة قال: ما راح أسوي لك شي، بس هذي أول مرة وآخر مرة يستدعوني، فاهم؟. رددت: إن شاء الله. ولم أكرر التجربة بعدها.

هذا الموقف الذي التقطته بالهاتف قبل يومين في البحرين، استدعى تلك الذكرى!

ذكرى بكر !

image

💭

البارحة، ما بين الصحو والنوم، أو خلال شبه صحوٍ طفح بين نومين عميقين..

خطرت على بالي ذكرى لم تخطر من قبل ،، ذكرى قديمة جداً.

كنت طفلاً، وكانت أمي.. هذا فقط ما أتذكره الآن مما تذكرت،

للأسف نسيت الذكرى!

الغريب في الموضوع أن المشهد جاء من أعماق ذكرياتي القديمة المجهولة،

مشهد لم يراودني من قبل،

كان شيئاً مخيفاً نوعاً ما،

لأني لم أكن في مكانٍ ما، ولم أشم رائحةً ما، ولم أسمع حديثاً ما، ليكون سبباً في تذكر ذلك المشهد،

الذي لم يخطر على بالي أبداً من قبل..!

فزعت لثوانٍ، هل هي اللحظة التي يمر فيها شريط الحياة سريعاً؟

وبطريقة أجهلها، طمأنت نفسي.. كل شيء على ما يرام..

وعدتُ للنوم.

ونسيت الآن ما تذكرت!

تصبحون على خير 😊

الصورة: #القصباء #الشارقة #الإمارات