حول المسألة اليهودية

بقلم الصديق الفاضل بسام مال الله:

كتيب للمفكر والفيلسوف الألماني كارل ماركس صدر في سنة 1843 بالألمانية وقد نقلته إلى العربية باقتدار الدكتورة نائلة الصالحي.

يتناول ماركس في مؤلفه هذا ابتداء مسألة مطالب الجاليات اليهودية في القرنين الثامن والتاسع عشر في أوروبا بشكل عام ومملكة ألمانيا بشكل خاص بالتحرر لنيل الحقوق السياسية الاعتبارية أسوة بالمواطنين من المسيحيين ذوي الإمتياز في دول أوروبا المسيحية، ومدى جدوى ذلك المطلب في ظل عدم انعتاق اليهودي ذاته من قيود ديانته وعزلته المجتمعية وتكريس الفردانية التي فرضها على نفسه، فاليهودي بحسب ماركس وباور يريد أن يتحرر بخصوصيته كيهودي لا كإنسان ومواطن متساوي في الحقوق والوجبات في مجتمع حتى المسيحي فيه لم يكن متحررا بشكل كامل كإنسان، وقد ألمح ماركس أنه في حال نيل اليهودي تحرره الظاهري الموهوم دون انعتاقه من موروثه العقائدي فإنه سيعيد إنشاء ذات النموذج الذي ينتقده ويطالب بالتحرر منه وهو ما تحقق فعلا في سنة 1948 حين اُحْتُلَت فلسطين وأقام الصهاينة اليهود فيها دولة القومية اليهودية التي يحتكر فيها “المواطنون” اليهود أغلب الإمتيازات مقابل إضطهاد المواطنين والسكان المقيمين من الفئات والقوميات الأخرى.

وقد عرج في ذات السياق الى تعريف ماهية التحرر السياسي -والذي يشكل نواة الدولة العلمانية- القائم على عزل أثر الدين عن المجال السياسي للدولة دون أن يعني ذلك إلغائه في مجال الأفراد الخاص، ورغم إشادته بهذه الخطوة الا أنه يشير إلى أنه تحرر جزئي وقد استشهد بنموذجي التحرر السياسي الفرنسي و الأمريكي وحقيقة أنها كانت – ولازالت- قائمة على وتروج للفردانية الأنانية (أن الفرد هو الغاية والمركز)، بدل النموذج الجمعي الأممي حيث الفرد يشكل جزء من كل، جزء من تجربة تطور مجتمعية -والتي سيأتى ماركس على ذكرها في مؤلفاته الأخرى ضمن اطار الفكر الشيوعي- وقد رأي أن كل من النموذجين الفرنسي والأمريكي ما هما إلا تجسيد في حقيقتهما لخصائص ومصالح المجتمع البرجوازي الذي صاغ بدوره إعلان حقوق الإنسان الأول في القرن الثامن عشر بما يتلائم مع قيمه، قيم الفردانية.

وينهي ماركس طرحه بوصف دقيق لوظيفية اليهودي في المجتمع الأوروبي والأمريكي التي تمثلها عقيدته الدنيويه “التجارة” وإلهه “المال” الذي يسعى الى احتكار أسواقه ومصارفه ما أمكنه، وتوظيفها لترسيخ نفوذ مجتمعها الضيق ومصالحه الأمر الذي سمح لليهود بمتلاك التأثير والنفوذ الأوسع رغم عدم نيلهم كافة الحقوق السياسية، وبرأي ماركس فإن تلك الوظيفة الدنيوية التي تمثلت نموذج سيادة الملكية الفردية والمال الخاص ببرجوازية اليهود الرأسمالية هو ما إنساقت خلفه المجتمعات الأوربية والأمريكية الشمالية واصطبغت به، فانتصرت بذلك عملياتية اليهود على الترفع المسيحي الروحاني وارتدت بذلك المسيحية الى اليهودية، التي انتجت نموذجا يتنكر للطبيعة ودور الإنسان المتسق مع مجتمعه في تحقيق قدره كقائد لهذا العالم.

المسألة اليهودية

إقتباسات:

“وعلى العكس يقف ما يسمى بالدولة المسيحية* موقفا سياسيا ازاء الدين ودينيا إزاء السياسة. وحيت تحط هذه الدولة من الأشكال السياسية ظاهريا فإنها تحط ظاهريا من الدين بنفس القدر”.

“حقوق الإنسان ليست منحة من الطبيعة، وليست صداق التاريخ المنصرم وإنما هي ثمن الكفاح ضد صدفة الميلاد وضد الإمتيازات التي أورثها التاريخ من جيل إلى جيل حتى الآن. وهي نتيجة للتعليم ولا يستطيع أن يمتلكها إلا من إكتسبها وإستحقها”.

“التحرر السياسي هو في نفس الوقت إنحلال المجتمع القديم الذي يستند إليه كيان الدولة الغريب عن الشعب. سلطة الحكام”.

“لقد بلغت سلطة اليهودية على العالم المسيحي في أمريكا الشمالية التعبير الطبيعي الذي لا لبس فيه حتى أن التبشير بالإنجيل نفسه ووظيفة التبشير المسيحي أصبحا بضاعة يتاجر بها، والتاجر المفلس في الإنجيل يفعل ما يفعله الإنجيلي الذي أصبح ثريا في التجارة”.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

اترك رد