كان أبي يُجهّز الروبية “100 فلس”، وثم صارت روبيتين، قبل أن ينطلق بسيارته التويوتا البيضاء ذات ناقل السرعات اليدوي، ليوصلني إلى المدرسة في مشوارٍ صباحي لمدة 12 عام، طيلة المراحل الابتدائية، الاعدادية، والثانوية، وعند هذه الإشارة تحديداً التي صار اسمها “إشارة جسميز عراد”، كُنت أفتح النافذة، يدوياً أيضاً، بسرعة لألحق أن أعطي العامل الفلوس ويعطيني جريدة اليوم بسرعة قبل الضوأ الأخضر. كان التحدي في الأيام الماطرة، ألا يدخل الكثير من المطر عبر النافذة، وألا تتبلل الجريدة قدر المستطاع!
كنت أقرأ العناوين الرئيسية أيام قبل أن نصل إلى باب المدرسة، وأيام أضعها مثل ما هي مطوية بجانبي. وكان أبي يدردش معي أيام وأيام نكتفي بسماع البرنامج الصباحي على الإذاعة المحلية. ولكن كل يوم كان هناك كوب شاي الحليب المطبوخ الذي أساعد أبي في إمساكه له بينما يقوم هو بتغيير سرعات المحرك.
لم يعد من يبيع الجرائد هنا اليوم، ولن تكون هناك جرائد عندما تدخل مرحلة نهم القراءة. لا تبتئس لن يفوتك شيء بغيابها. أخترع دائماً دردشات، قصص أو أسئلة، محاولاً إشغالك عن طلباتك المعتادة: (“خبز تميس” بابا) -نعم، سعود يحب هذه الأغنية وقد احترت كثيراً كيف لطفل أن يحبها!-، “you welcome”، “friend like me”، و”the lion sleeps tonight” وغيرها. تغيّر الكثير يا سعود.. تغيّر الكثير. ويبقى ظل أبي في كل لحظاتي معك، في السيارة، في البيت، وفي السفر، كان أنا الآن، وكنتُ أنا أنت! لم يعد التحدي استلام الجريدة بأقل قطرات مطر ممكنة، إنما إنجاح صداقتنا يا صغيري، ولك أن تتخيل المسافة بين التحديين!
شكراً أبي 💙