في الجمهور و”الجماهيرية”..

“هذا الأحمر شاقني.. يا ناس دلوني عليه.. “

من المشاهد المحفورة عميقاً في ذاكرتي، حماس التشجيع مع رابطة “الذيب الأحمر”، خصوصاً عندما يلعب الفريق مع أحد الأندية المنافسة، الرفاع الغربي أو الأهلي مثلاً، كان حصولي على علم أحمر قبل دخولي المدرجات من أحد قادة الرابطة، بمثابة حضور مضاعف بالنسبة لي، وكان التصفيق والهتاف خلف المايسترو “بوثنوه” متعة استثنائية وتأكيد ولاء محرقاوي أصيل، حتى أني كنت أُفضل “الكراش” الأحمر مع ساندويش الجبن الذي أنتظر في صفٍ غير منتظم طويل لشرائه من الكافتيريا خلال الاستراحة بين الشوطين، وإذا نفد الأحمر أقبل بالأسود مُرغماً. وإذا ما أسعدنا الأحمر بفوز، فإن حماسنا يطير بنا عالياً، يحط بنا على دوار “الكازينو” في المدينة العريقة، منتظرين لاعبين الفريق لنفرح ونُغني بهم وبفوزهم.

ذات ليلة، بعد عودتنا من إحدى المباريات، سألت أبي ذاك السؤال الذي ظل حاضراً لمدة طويلة: كيف للآخرين أن يشجعوا نادياً غير المحرق؟! كيف لهم أن يشجعوا نادي الأهلي مثلاً؟! وكان سؤالي المليء بالدهشة حقيقي جداً، وتبرير تشجيع فريق غير المحرق أشبه بالخيال. السؤال لا زال حاضراً، ولكن غابت الدهشة بعد أن كبرت قليلاً.

خلال المرحلة الابتدائية، انضم أقرب أصدقائي إلى فريق نادي البحرين لكرة الطاولة، اختاره المدرب الصيني مع آخرين بعد جولة تفقدية على عدد من الفصول لمعرفة من يرغب بممارسة اللعبة والالتزام بالحصص التدريبية. ذهبت لنادي البحرين بنفسي محاولاً الالتحاق بالفريق، وقد كان لي ذلك مع بداية العطلة الصيفية في ذلك العام، واستمريت في لعب كرة الطاولة بعدها سنوات عديدة، حققت فيها عدد من البطولات وكنت ضمن فريق المنتخب البحريني، ومثلت بلادي في مشاركات خليجية وعربية، أما صديقي ذاك، فلم يستمر مع اللعبة أكثر من أشهر قليلة. هناك غابت دهشة سؤالي القديم، وعرفت ماذا وكيف يكون أن تشجع فريقاً آخر غير المحرق، فقد كان المحرق مُنافساً لفريقنا على المراكز الأولى. بل وصل بي “الوعي التشجيعي” إلى حالة تفكيكية، فكنت مثلاً أشجع فريق نادي البحرين في كرة الطاولة وكرة اليد، ولكن في المقابل أشجع نادي المحرق في كرة القدم!

لم أنظر إلى الأمر بأنه خيانة للنادي الذي أنتمي إليه، ولم يكن لدي أي صراع داخلي أو استغراب حول الأمر، ولم أكره مشجعي نادي المحرق الذين كانوا يتمنون هزيمتنا في كرة الطاولة، وكنت أصفق معهم في مباريات كرة القدم!

الرياضة ليست لعبة واحدة، واللعبة ليست كل النادي، والنادي ليس كل شيء، واللاعبين يتنقلون من نادي إلى آخر، بل حتى الإداريون كانوا ولا زالوا يتنقلون من نادي إلى آخر، والأندية تتنافس لا تتصارع، والجمهور وحدهم من يظلون في نفس الجهة يهتفون ويصرخون، وبما أن هناك جمهور فهناك تعصب ولا شك، قل أو كَثُر، تعصب يحاول أن يُقحم كل شيء في منافسة ما في لعبة ما ستنتهي خلال سويعات! كل هذه المعاني عشتها وتطورت في وجداني، ساعدتني لاحقاً على فهم كثير من الأمور ذات العلاقة، من قريب أو بعيد.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

اترك رد