البارحة وأنا نازل من الطابق الأول، وفي ذراعي ابني سعود، وقعت عيني على تلك المساحة المربعة.. إحدى زوايتي سلم منزلنا الدافئ في عراد، والذي يتكون من ثلاثة أضلع مُشكلة مستطيلاً، ضلعه الرابع ضلعان مُتراكبان، واحد في الدور الأرضي والثاني في الدور الأول..
وقعت عيني على تلك الزاوية، وطفحت إحدى الذكريات التي لم يستطع النسيان التغلب عليها بعد.
جاءت أمي من المطبخ في فورة غضب ليست بغريبة، وفي يدها ملعقة بلاستيكية كبيرة برتقالية اللون، مخرومة في منتصفها، تلك التي تُستخدم لتحريك العصير في الإبريق، لتوزيع لبّه على كافة جزيئات الماء الذي يحتويه بدلاً من أن يتركز في القاع، أو لإسراع تبريده بالثلج الذي رُمي فيه تواً.. جاءت أمي مُسرعة، ولما قطعت الضلع الأول من أضلع السلم، أصبحتُ في متناولها، فوق ذاك المربع، وأنا في العتبة التي تليها، رفعت الملعقة لتهوي بها على كتفي، ولكني أمسكت بيدها قبل أن.. فرفعت الأخرى الخالية من أي سلاحٍ أبيض، أو برتقالي، فأمسكتها أيضاً، وظلت أيدينا مشتبكتين في العالي ثوانٍ لم أعدها، فقلت لها: “لم أعد طفلاً لكي تضربيني في كل مرة..” بغيضٍ أنزلت يديها، وعادت إلى المطبخ، لتُكمل إعداد وجبة الغداء اللذيذة التي أكلناها تلك الظهيرة. ربما أعدَّتها بغيض أو استغراب، لا أدري، ولكني اليوم متأكد بأنها أعدتها بحب. ومن يومها توقفت أمي عن ضربي !
أمي.. عن كل سبب دفعتك فيه لتقويمي ضرباً.. آسف بحجم الكون، وحجم كل الحب.
اليوم، وبعد أن كتبت هذه الكلمات، استغربت أمي طلبي بأني أريد أن التقط معها صورة سريعة على الدرج.. أردت أن تجمعنا صورة في نفس الزاوية ضاحكاً على موقف محفور في ذاكرتي منذ 18 عاماً !