أعلنت وزارة الداخلية البحرينية يوم اﻷربعاء عن ضبطها لمخبأ متفجرات داخل منزل وورشة لتصنيع القنابل محلية الصنع في منطقة النويدرات. خبر مثل هذا عادةً ما يُستثمر سياسياً، فيختار المخرج موعد اﻹعلان عنه بعناية، إلا أن عنايته هذه المرة لم يحالفها التوفيق فيما يبدو.
فقد جاء اﻹعلان عن هذا الخبر يوم واحد قبل بداية تفعيل قرار إعادة توجيه الدعم للحوم، والذي رفع سعر كيلو اللحم الاسترالي من دينار إلى حوالي ثلاثة دنانير، في مقابل إيداع مبلغ في الحساب المصرفي لرب اﻷسرة، يتوقع المواطنون أنه لن يوازي بأي حال ارتفاع سعر اللحم وما يرافقه من ارتفاع أسعار الوجبات في المطاعم، بل وحتى ارتفاع أسعار الدجاج والبيض!
أي متابع يفهم ألف باء في الشأن العام أو اﻹعلام يُدرك سبب اختيار موعد اﻹعلان عن ضبط المخبأ ومصنع المتفجرات، ولكن، وكما في كُل استثمار لم يُكتب له النجاح، ضاع رأس المال “الخبر” دون تحقيق أي ربح “إشغال الرأي العام به”، فلم يلتفت المواطنون للخبر، والذي لم يقتصر على بيان مكتوب من وزارة الداخلية فقط، إنما رافقه بث تصوير فيديو للمخزن والمصنع، والمضبوطات من أسلحة ومواد متفجرة، والتي لا شك أنها تُشكل خطراً لا يُستهان به على اﻷرواح والممتلكات. لم ينشغل المواطنون بالخبر، ولم يُحرّك ساكناً في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان كل التفاعل مُنصبّاً على موضوع #رفع_الدعم_عن_اللحوم.
وصف أحدهم ذلك باﻷمر الخطير، وهو في رأيي إذا ما أردت أن أصفه، طبيعي أكثر منه بالخطير! فأخبار اﻹرهاب في البحرين ليست جديدة، بل وراح ضحيته عدد غير قليل من رجال اﻷمن، واعتاد المواطنون على خبر اعتقال الخلية تلو الخلية اعتيادهم على غياب الرادع. أضف إلى ذلك أخبار الأحداث العاصفة في اليمن وسوريا والعراق، تجعل من خبر الضبط ضمن سياقها، والتي من كثرتها مل الناس منها ومن التعاطي معها. بينما على النقيض تماماً، بدء تطبيق قرار إعادة توجيه الدعم للحوم، قضية جديدة، وتمس رفاهية كل مواطن ومقيم، فمن الطبيعي أنها تحظى بكل الاهتمام.
ضاع الخبر رغم أهميته، وهذا درس للمخرج يجب أن يتعلم منه، فاستخدام ورقة “تهديد اﻷمن” لا تصمد فيما يبدو كثيراً أمام “قرصة بطن المواطن”، إلا إذا تحول تهديد اﻷمن إلى إرهاب أكثر انتشاراً وفتكاً !
لذا نصيحة لكل من يملك الدفة اﻹعلامية، لا تُحاول إشغال الناس بأخبار “أمنية” عن قضايا تمس “بطونهم” بشكل مباشر، مهما كانت اﻷخبار اﻷمنية حقيقية وخطيرة. ولحفظ أهميتها تلك، أبعدها عن مثل هذه السياسة غير الناجحة. صدقني، في ظل اﻷوضاع التي نعيش، فإن رفاهية كل مواطن تأتي على رأس اهتماماته، ما لم يتدهور اﻷمن إلى مستوى حرب أهلية، نسأل الله أن يحفظ بلادنا منها.