تخلف صناعة الكتاب العربي

20141011_121938

20141012_153836العربي الجديد – أحمد الحربان

أبهرني حجم معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي سعدت جداً بزيارته أكتوبر الماضي، وهو أحد أكبر المعارض في العالم، يشغل عدة قاعات ضخمة، وأكثر من طابق في معظمها، كما أبهرتني فخامة أجنحة دور النشر والمؤسسات المشاركة، تشعر وأنت تتجول من قاعة إلى أخرى مشياً على الأقدام أو بواسطة باصات نقل صغيرة، تشعر بأنك في قصر الكتاب ومملكته، كل هذا الاحتفاء وهذه الأفواج من زوّار المعرض، تُخبرك بمكانة الكتاب وأهميته في حياة الناس ووجدانهم.

ولكن شعوراً آخر انتابني هناك، وهو شعوري بالحسرة على الكُتّاب والقُراء العرب. ليس لقلة الإنتاج العربي، ولا لشُح القُراء، ولكن لتخلف عملية نشر الكتاب وتسويقه، وهي العملية التي تؤثر بشكل مباشر على مدى تفاعل الجمهور، وما يثيره هذا التفاعل من نقاش وتشجيع، وما يفتحه من آفاق للكتابة والقراءة، الوسيلتان الأهم للتعاطي مع ما تمر به كل أمة.

أثارت تقنية “النشر الذاتي” هذه الحسرة، وهو الموضوع الذي خصص لها المعرض قاعة كبيرة من قاعاته، واستضاف عدداً من الفعاليات لتناوله والوقوف على آخر تطوراته. النشر الذاتي، هو أن يقوم الكاتب بنشر كتابه الكترونياً بالاتفاق مع أحد المتاجر الالكترونية الكبيرة كأمازون وأبل ستور، أو شركة من الشركات التي تقوم بنشر الكتاب في هذه المتاجر ومتاجر الكتب الأخرى، على أن يحصل الكاتب على نسبة مُتفق عليها من العائد، تصل إلى 70%.

بناءً على آخر دراسة عن موضوع النشر الذاتي، فإن الكتب المنشورة ذاتياً تُمثل حوالي 4.5% من سوق الكتب، و15% من سوق الكتب الالكترونية، في الولايات المتحدة. وفي عام 2013، بناءً على تحليل سوق الكتب، فإن 390 ألف رقم من الأرقام الدولية المعيارية للكتاب ISBN تم حجزها للكتب التي ستُنشر ذاتياً، بزيادة قدرها 14% عن عام 2012، وتبلغ نسبة الزيادة 470% مقارنةً بالأعوام الخمسة الماضية.

وبالإضافة إلى جميع مميزات الكتاب الالكتروني، فإن للنشر الالكتروني مزايا عديدة، منها سرعة الوصول للأسواق، حيثُ من الممكن أن يتم الانتهاء من متطلبات عملية نشر الكتاب خلال أيام قليلة، بينما من الممكن أن يقطع الكتاب العادي ماراثوناً لمدة عام إلى العامين حتى يرى النور. كما يملك الكاتب التحكم الكامل في عملية التخطيط، التحرير، التصميم، وحتى التسويق للكتاب، بينما بالنشر التقليدي فإن فإن قدرة الكاتب على إجراء أي تغييريكون أقل بكثير. ويملك الكاتب كامل الحق في إجراء أي تغيير يرغبه في الكتاب، سواءً من ناحية التصميم أو المادة المكتوبة، بينما بالنشر التقليدي فإنه سيضطر إلى مراجعة دار النشر، وربما لن يتمكن من إجراء أي تغيير في نتاجه وجهده. هذا ومن السهولة تسويق الكتاب، فهو موجود على شبكة الانترنت، والتي من المتوقع أن يصل عدد مستخدميها في عام 2025 إلى 25 مليار مستخدم.

قد لا يواجه الشباب العربي اليوم مشكلة في نشر كتبهم، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك اليوم وفرة من دور النشر التي تطبع الغث والسمين، لكن فرصة نشر الكتاب ليست هي التحدي الوحيد الذي يواجهه الشباب العربي، إنما واحدة من مجموعة تحديات منها عدم وجود محرر في دور النشر يُبدي رأياً فيما يكتبون، واستغلال دور النشر للكُتّاب فتجعله يدفع رسوماً للنشر، والمشكلة الأبرز هو أن الكتاب لا يتم توزيعه بالشكل الذي يرغب الكاتب، فهناك دور نشر نشطة تشارك في معظم المعارض، وهناك دور نشر إن استطاعت أن تشارك، فإنها لا تشارك بكل نتاجها في كل معرض. يُقدم “النشر الذاتي” حلولاً لتجاوز أغلب هذه المشاكل.

fifty shades 2 060912لا تستغربون عدم حماسة دور النشر العربية لفكرة الكتب الالكترونية، والنشر الذاتي، فهم لا زالوا يعتقدون بأن الاستمرار على الطريقة التقليدية في النشر كفيل باستمرار تجارتهم، ولعل مثالاً واحداً يدفعهم لإعادة النظر، فثلاثية (خمسون ظلاً للرمادي) لكاتبتها البريطانية إي ال جيمس، كانت منشورة ذاتياً، حتى التقطتها (راندوم هاوس) وطبعتها ورقياً، وأصبحت بعدها أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم. ما لا يدركه أرباب دور النشر العربية أن صناعتهم مُهددة وبقوة، ففي المستقبل القريب سيتجه الكُتّاب إلى خدمة النشر الذاتي إذا ما وُجِدَت شركة تتمكن من إحداث إختراق تقني في تطوير الكتب الالكترونية باللغة العربية، ولن يتردد الكاتب حينها بهجر دور النشر التقليدية ونشر نتاجه الكترونياً، خاصةً إذا كان سيحصل على 70% من أرباح بيع كتابه، وهذا ما يصعب أن تقدمه هذه الدور.

وجدت موقعاً عربياً يُقدم خدمة ترجمة الكتب إلى الانجليزية، بهدف أن تُنشر في أمازون ليتمكن مُستخدمو جهاز كيندل من شراءها وقراءتها، متى سأرى موقعاً عربياً ينشر الكتاب الالكتروني نشراً ذاتياً وباللغة العربية؟

إذا كان الغرب قد تجاوز تحدي “الكتاب الالكتروني” ودخل عصر”النشر الذاتي”، فإن الكتاب العربي لا زال يقف مُتخلَّفاً عن أقرانه من أبناء لغات العالم، وربما لو نطق لقال: ترجموني وانشروني، فأنا مكتوبٌ بلغةٍ ليسَ هذا أوانُها، والرفوف مهما كثُرت فهي أغصانٌ لا فضاء، والكتب اليوم تطير !

20141011_173010 20141011_154230 20141011_171423 20141012_155334 20141012_160859

صور كثيرة أخرى التقطتها من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، تجدونها هنــا

رابط المقال في موقع العربي الجديد هنــا

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

4 تعليقات على “تخلف صناعة الكتاب العربي”

  1. شكراً عزيزي، منشور في صحيفة العربي الجديد.
    بامكانك نشره أيضاً أين رغبت 😊

  2. رائع أحمد .. طرح مميز للفت الأنظار لفكرة يجب التباحث فيها عاجلة لدور النشر والإلتفات لها .. حقا كل شيء أصبح طائر في وقتنا الحاضر .. حروفك مميزه ياصاحب القلم المبدع .. لكن هل كتبتها حقا بقلم ؟؟

  3. شكرًا أحمد على هذا المقال ، نعم ان صناعة الكتاب سواء الورقي او الالكتروني تعتمد على التحرير والنشر والتسويق ، وكل واحد منها له أسس ومعايير عالمية وأعراف مهنية قوية يقوم عليها كم كبير من المتخصصين ،بدونها لن يستطيع الكتاب العربي الوصول الى مستوى ما يقدمه معرض فرانكفورت ، فهذا المعرض ليس للعرض فقط ، بل فرصة كبيرة للناشرين ومطوري المحتوى الالكتروني وشركات تسويق المحتوى بشتى أنواعها لمناقشة أفضل الممارسات التي تطور هذه الصناعة ، بل يشهد المعرض مفاوضات واستثمارات بمئات الملايين من الدولارات ، في المقابل فان الناشر العربي لازال غير قادر على استيعاب القفزة الكبيرة التي وصل اليها صناعة الكتاب في العالم ، كما ان القوانين والتشريعات التي تحمي الانتاج الفكري المنشور سواء الورقي او الالكتروني تقف عائق في تطوره ، فالتكنولوجيا النشر الالكتروني لها قوانين تنظمها وتحمي منتجها ومستخدمها وهو غير متوفر حاليا للكتاب العربي.

اترك رد