رجلٌ في الظلال

image

أنتهيت فجر اليوم من قراءة كتاب “رجلٌ في الظﻻل.. داخل أزمة الشرق اﻷوسط مع رجل قاد جهاز الموساد” للمدير السابق للموساد إفرايم هالفي، وهو أحد الكتب التي تحمل عنوان وضعته دار النشر، الدار العربية للعلوم – ناشرون: اعرف عدوك.

لن تجد في هذا الكتاب الكثير من الأسرار والتفاصيل التي يتوقعها القارئ، إلا أني أستمتعت بقراءته. أسهب الكاتب في بعض المواضيع منها:

معاهدة السلام بين إسرائيل واﻷردن، فقد كان الكاتب مهندس هذه الاتفاقية والمفاوض والرجل الذي يلتقي ويتواصل مع الملك حسين، ملك اﻷردن، للدفع قُدماً إلى توقيعها.

خطة تغيير القيادة الفلسطينية واستحداث منصب رئيس الوزراء، وذلك بعدما يأسوا من جعل القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات شريكاً يمكن الوثوق به والاعتماد عليه للتفاوض والتقدم بعملية السلام. وفي الحقيقة من الواضح بأن هذه الخطة جاءت بعد ما يأسوا من كبح لجام المقاومة الفلسطينية التي كانوا يرون بأن عرفات هو من يوقدها بين حين وآخر ويدفعها لتنفيذ هجمات نوعية -يسميها الكاتب إرهابية انتحارية-، وهذا الاعتراف الضمني كان واضحاً من كلام الكاتب نفسه.

من المواضيع التي فصّل فيها كثيراً أيضاً، موضوع العلاقة بين السياسيين والمحترفين، ويعني بين أفراد الحكومة ورئيسها الذين يصلون لموقع القرار السياسي باختيار الشعب عن طريق انتخابهم، والمحترفين أولئك العاملين في الأجهزة الاستخباراتية، ومن يتحمل مسؤولية الفشل إن حصل ومن يأكل كعكة النجاح، واستخدام السياسيين لمعلومات الاستخبارات لمصالحهم الخاصة، وغيرها من تقاطعات يصعب تفكيكها في الواقع.

وتناول الكاتب أيضاً بتفصيل أقل مواضيع عدة، مثل فشل الموساد في عملية اغتيال خالد مشعل في اﻷردن، والتي سببت شرخاً عميقاً في العلاقة مع الملك اﻷردني. وكذلك محاولة بدء مناقشات تمهد الطريق لمعاهدة سﻻم مع كوريا الشمالية، الأمر الذي أغضب الولايات المتحدة اﻷمريكية ووضع حداً لتصرف إسرائيل المنفرد فيما يتعلق باﻷمور الخارجية الاستراتيجية.

وتحت عنوان “تذكّر القادة وبلدانهم” كتب عن مجموعة من القادة، انتقد بشدة كشفت عن كراهية كراهية لياسر عرفات، وكتب عن الملك حسين، وحسني مبارك، وحافظ اﻷسد، والملك الحسن الثاني، وعن رؤساء الحكومة اﻹسرائيلية الذين خدم كمدير للموساد في عهدهم، وكان مبعوثاً خاصاً لبعضهم.

وكان مما قاله عن حافظ اﻷسد: “إذا كان الهدف النهائي لﻷسد تحقيق حلمه بإعادة مرتفعات الجولان إلى السيادة السورية، فإن المسار الذي اختاره لتحقيق هذا الحلم كان عديم الجدوى. لكن إذا كان الهدف المستتر لزعيم سوريا المحافظة أولاً وقبل كل شيء على نظامه، فإن المسار الذي اختاره كان صحيحاً بالضرورة. وبتمسّكه بأوراقه التفاوضية حتى النهاية، كان قادراً على بناء تحالفات تكتيكية مع إيران من ناحية، ومع حزب الله، من ناحية أخرى، باتباع هذه الاستراتيجية، وجد حليفين على استعداد لتأييد سوريا، وتوفير الدعم للجماهير داخل البلاد من أجل تبنّي موقف متشدد تجاه إسرائيل، وبالتالي ضمان بقاء النظام”.

في آخر كتابه أنتقد كثيراً التعديلات التي أجراها رئيس الولايات المتحدة اﻷميركية، جورج بوش اﻹبن بعد أحداث 11 ديسمبر، واستحداث اﻹدارة اﻷميركية لمنصب مدير الاستخبارات القومي، معللاً وجهة نظره بسؤاله: على من تقع المسؤولية إذا ما حصل فشل أو تقصير، على هذا من يشغل هذا المنصب الجديد أم على مدير وكالة الاستخبارات المركزية؟ وغيرها من الأسئلة المتصلة بهذا السؤال والتي على رأسها حدود مسؤوليات وصلاحيات كل واحد منهما.

ومن ضمن اﻷخطار التي لم يفوّت الكاتب ذكرها، ازدياد الجالية المسلمة وعدد المسلمين في أوروبا، وضمن هذه النقطة ألمح إلى موضوع انضمام تركيا للاتحاد اﻷوروبي بقوله “هل يمكن للاتحاد أن يستوعب بلداً يضم ثمانين مليون مسلم فتيّ في مجتمع مسيحي أو غير طائفي في غالبيته؟ … إن تركيا ليست بلد اﻷتراك فقط. فباﻹضافة إلى اﻷقلية الكردية، هناك الحدود التي تفصل البلاد عن سوريا، والعراق، وإيران. كما أنه توجد أقليات قوية في قلب البلاد. ففي إسطنبول وحدها، يوجد أكثر من مليوني مواطن من أصل إيراني، ومن الواضح أنهم يشعرون بصلاتهم ببلدهم اﻷم، وعلى اﻷرجح أن يصل هذا الشعور إلى النظام المتطرف فيه. فهل سينتج عن القبول بانضمام تركيا إلى اﻻتحاد تحسّن في احتمالات التعامل مع اﻹرهاب الذي نما وترعرع في الشرق أم سيوفر لﻹرهابيين حصان طروادة الذي سيزيد من شدّة الخطر الذي يواجه العالم الحر؟”.

بطبيعة الحال، كان في الكتاب الكثير من النصائح والملاحظات التي من الممكن أن يستفيد منها “المحترفون”، منها على سبيل المثال:

“بما أنني أعتقد بأن الاستخبارات فنوليست علماً، يتعين على من يؤدي دوراً ملفتاً في الميدان امتلاك قدر معين من المخيلة”.

“إن حكومات يومنا الحاضر أكثر من قانعة بإدارة ظهورها لﻷفراد المخلصين الذين خدموا بلادهم ببسالة وتميّز. وهذه من اﻷعراف التي أقرّتها الطبقات السياسية في إسرائيل ورعتها على مر السنين”!

لم أجد أسم مترجم الكتاب على الغلاف، ولا في الصفحات الداخلية، رغم أنه كتب مقدمة من صفحة واحدة! وددت أن أوجه له شكراً شخصياً على ترجمته الرائعة، هذه واحدة من الترجمات الممتازة فعلاً.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

اترك رد