ضرائب الوحدة

منذ أن أعتدت على التمرين في الصالة الرياضية الخاصة بنادي المؤسسة التي أعمل فيها، أُخبر المدرب الذي يقترح علي "تمارين اليوم" بأني لا أريد ممارسة أي تمرين للرجل، لأنها كانت ولا تزال تقدم ما عليها من واجب الرياضة بالجري، لذا لا أريد أن أتعبها أكثر من ذلك بأن أجعلها ترفع أثقالاً فوق ثقلي. ولكن هذا خطأ !

فالجري لمسافات طويلة يحتاج وبشدة إلى تقوية الرُكب، من خلال تمارين رفع أثقال بسيطة خاصة بهذه الدائرة، بيضاء كانت أم سوداء، أم ملحاء جلحاء كركبتي! أدركت ذلك بعدما بدأت أشعر بألم فيها، وبمطالعة سريعة في كتاب خاص بالتمارين عرفت بأني مخطئ تماماً بابتعادي التام عن تمارين التقوية الخاص بالرجل.

هذا ضريبة أن أتدرب وأجري لوحدي.. فلا هاوٍ يصحح لي هذه المعلومة، ولا محترف يرشدني !!

أما السباحة، فقد تعلمتها منذ الصغر، لكن أن أسبح في مسبحٍ أولومبي ذهاباً وإياباً لكيلومتر أو كيلومترين، فهذه رياضة جديدة علي، لا تتعدى السنة. قبل أيام سبحت بجانبي أمرأة تكبرني في السن ما لا يقل عن 8 سنوات، ولا تسألوني لماذا 8 تحديداً فأنا أيضاً لا أدري، كانت تسبح دون توقف، برشاقة، تمنعني سرعتها -التي كان من الواضح أنها لا تكلفها كثيراً من تعب- تمنعني عن التفكير بمجاراتها ومحاولة الوصول معها حتى آخر المسبح !

عندها، وعندها فقط أدركت أن سباحتي ليست على ما يرام، فطلبت في المرة التالية من المدرب أن يلاحظني وأنا أسبح، علّهُ يكتشف العطب. وبالفعل، كانت هناك أخطاء فادحة. بدأت منذ أيام بالتمارين الجديدة للسباحة بإرشاده وتوجيهه.

مرة أخرى, هذا ضريبة ممارسة السباحة وحيداً، دائماً وحيداً، فلا أمرأة تكبرني تشعرني بالخجل من نفسي برشاقة سباحتها، ولا أخرى تصغرني تشجعني همساً: عزيزي، أحب سباحتك كحبي لك، ولكنها تحتاج إلى تطوير !

الكتابة، كنت في ما مضى أكتب بين الحين والآخر مقالات أنشرها في مدونتي المتواضعة، ويُنشر بعضها في الصحافة، توقفت فجأة عن الكتابة لسبب أجهله، وأقول –ولست صادقاً كل الصدق فيما سأقول- أشتاق كثيراً للكتابة، فمن خلالها كنت أُنفّس عن خلجات نفسي، وتتفتح لي أبواب كثيرة مع القرّاء –ولو كنت صادقاً كل الصدق في قولي هذا لحاولت كثيراً في ردم الفجوة التي حصلت بيني وبينها-.

ظننت بأني سأتمكن من الانتهاء من كتابة مذكراتي الجامعية فور استقلالي والعيش وحيداً في الدوحة، تلك المذكرات التي أنهيت جزءً منها، وتوقفت عند ما أنتهيت إليه, ولكن ما حصل هو أن الفجوة بيني وبين الكتابة قد زادت !

وحيداً ودون الانخراط في مجموعة أتقاسم معها الهوايات.. إما أن تكون ممارساتي لتلك الهوايات خاطئة, أو ليست على طريق التطور على الأقل، أو أن الوحدة تزرع فيني هوايات أخرى! ولا أدري إن كانت هذه قاعدة عامة فلستُ ضليعاً بعلم النفس.

ماذا دفعني للكتابة حول أثر الوحدة في ممارسة الجري، السباحة، والكتابة؟ لم تكن هذه الأشياء هي التي أوقدت فكرة الكتابة، إنما شيئاً تذكرته بعد إحباط السيدة العجوز في المسبح، وألم ركبتي الجلحاء الملحاء وأنا أجري، وهو إخمادها، الوحدة أعني، لمَلَكَة أدعي أن الله قد حباني إياها، وهي الحوار والإقناع !

كنت فيما مضى إذا جمعني لقاء بأحدهم أو إحداهن، أتحدث عن مواضيع تثير من ألتقيه، أزرع فيه حماساً يخبرني هو عنه –أو تخبرني هي عنه- لاحقاً، يحصل ذلك دون قصدٍ مني، أتكلم في مواضيع كثيرة، وأفتح للموضوع نوافذ مواضيع أخرى تناسبُه، وأبواب حكايات جانبية ذات علاقة، وإذا ما كنت أتحدث في فكرة تعتمل في ذهني يزداد تفنني في الحديث، وإذا ما تناولت رأياً، يصعب على محاوري أن يقول: عفواً لم أقتنع برأيك. أما اليوم، فإني لاحظت منذ فترة، وبعد عدة لقاءات، بأني لست أنا! يشرد بالي كثيراً دون أن يكون هناك سبباً يدعوه للفرار أو يُشغله، أتحدث في مواضيع ربما تكون آخر اهتمامات من يجلس معي، وآخر ما أفكر فيه هو أن اقنعه برأي، أو أطرز له صورة فكرة! لست مبالغاً أو مازحاً، فعلاً تساءلت بيني وبين نفسي بعد لقاء من اللقاءات الكثيرة: ما الذي حصل؟ تغيّرتُ كثيراً !!

هل هذا أيضاً ضريبة ممارسة الحوار وحيداً، وكيف تكون ممارسة الحوار وحيداً، أقصد به الحوار عبر أجهزة البلاك بيري والانترنت لا المباشر الحي الذي كان يعج به يومي كثيراً. أتصور ذلك.. فأقول: للوحدة ضرائب، قد يكون بعضها خافياً، ويظهر بعضها الآخر بعد حين، إلا أني سأدفعها مبتسماً، لأنني بوحدتي أشعر بالراحة، حتى هذه اللحظة على الأقل.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

9 تعليقات على “ضرائب الوحدة”

  1. أخي العزيز احمد….
    لعل تلك الوحدة تزول بالانس بالله و بكتابه …
    و انصحك بسنة الرسول صلى الله عليه و سلم (الزواج).
    الله يسعد ايامك..

  2. في ناس يبدعون فالوحده، يعني في منهم من يكتشف او يخترع او يتفنن حتى. وفي ناس أثر فيهم سلباً، يعني انت مو غيرت شغلك ولا الفريج الي انت ساكن فيه انت غيرت الديره كله. صج بينا وبينهم مسافة 20 دقيقه بالطيارة لكن حياتهم، مجتمعهم، طريقة تفكيرهم غير عن الي انت متعود عليه. الشيخ عيسى بن راشد ما ينلام يوم تغنى فالبحرين، لان عرف انه ما يقدر يبدع واظل على نفس الشخصية الي الناس تعودة عليها وحبته من دون بحرها (مع ان ثلاثة ارباعه مدفون)،ولا نخله (مع ان نصه اختفه)، ولا ناسه (الي فرقتهم الفتن).

    أحمد انت مو قاعد تدفع ضريبة الوحده، انت قاعد تدفع ضريبة الغربة.

  3. لا تقول عن نفسك وحيد ،،، مادام حولك أصدقائك و احبابك انت مو وحيد صحيح ان الأهل لهم جزء مهم بالحياه بس انت اخترت هذي الحياه و الأهم من هذا كله انك مرتاح فيها ويمكن الوحده خلتك تكتشف و تطور اشياء كثيره بنفسك ،،،، و الحمدلله مازلت كاتب جيد برائي ممتاز ، مو الكل يقدر يكتب عن نفسه و اللي يحس فيه ،، وصحيح التكنولوجيا أخذت الكثير من وقتنا و ابعدت الحوار اللي ينمي جوانب كثيره فينا ،، لكن هذي الحياه لازم نسايرهاإ حتى مانكون متخلفين تكنولوجيا ،، واذا كنت تحتاج لتشجيع فاإقولك : ياعزيزي أحب سباحتك كحبي لك <3

  4. العزيز أحمد،
    ردا على تدوينات الغياب… هذه الكلمات، كُتبت..:

    وَجَعٌ.. خُطى هذه الحروف
    تنحته نحتاً على القلب!
    والابتسامةُ الظاهرةُ بشفتيك
    وجعٌ آخر!!

    لما الغياب.. لما الوجع
    ترسمه على محياك.. كالعقاب..!
    كالموت البطيء.. !!

    وحيداً هناك!
    دون أمٍ اعتادت تأنُقك
    دون اصدقاء.. دون [
    .
    .
    جزء من النص محذوف
    .
    .
    ]

    لماذا؟!
    أي جرحٍ هذا الذي هزمكَ لتهرب!
    أي جرحٍ هذا الذي تظن..
    أنك هازمهُ بالغياب!!
    اي جرح!

  5. الموقع في غايه الروعه لكم منى اجمل التحيه
    شكرا لكم على المعلومات القيمه وانا فى انتظار المزيد والمزيد

  6. أما اليوم، فإني لاحظت منذ فترة، وبعد عدة لقاءات، بأني لست أنا! يشرد بالي كثيراً دون أن يكون هناك سبباً يدعوه للفرار أو يُشغله، أتحدث في مواضيع ربما تكون آخر اهتمامات من يجلس معي، وآخر ما أفكر فيه هو أن اقنعه برأي، أو أطرز له صورة فكرة! لست مبالغاً أو مازحاً، فعلاً تساءلت بيني وبين نفسي بعد لقاء من اللقاءات الكثيرة: ما الذي حصل؟ تغيّرتُ كثيراً !!
    هذا انا “:<

اترك رد