البلدان النامية والعالم المسطّح

لخصنا في مقال سابق (أميركا والعالم المسطح) فصلاً من فصول كتاب (العالم المسطح للكاتب والصحفي الأميركي توماس فريدمان، ونلخص في هذا المقال الفصل الذي يليه..

121080

البلدان النامية والعالم المسطحَّ
“يركز هذا الفصل على نوع السياسات التي يجب على البلدان النامية اتباعها لإقامة البيئة الملائمة لازدهار شركاتها ورواد أعمالها في العالم المسطَّح، رغم أن العديد من الأمور التي سأذكرها تنطبق على العديد من البلدان المتقدمة أيضاً”.
يشير المؤلف إلى أن على الدول النامية أن تحاسب ذاتها، وتكون صادقة في ذلك، لترى موقعها من البلدان الأخرى، ومن عوامل التسطيح العشرة، وهي عوامل تطرق إليها الكاتب بإسهاب في نصف الكاتب الأول. يقول: “ولهذه الغاية، أعتقد أن العالم اليوم يحتاج إلى نادٍ يمكن صياغته على غرار نادي المدمنين المغفلين على الكحول. ويمكن تسميته البلدان النامية المغفلة”.

111fri

ثم يستطرد الكاتب في شرح وجهة نظره حول ما يمكن أن تفعله الدول النامية، وحتى بعض الدول الصناعية، وهو ما أسماه (الإصلاح بالتجزئة)، وعدم الاكتفاء (بإصلاح الجملة).

إصلاح الجملة : “فتح بلدك أمام التجارة والاستثمارات الأجنبية وإجراء بعض التغييرات من الأعلى على سياسة الاقتصاد الكلي، كخصخصة الصناعات المملوكة للدولة، وتحرير مرافق الخدمات العامة من القيود، وخفض التعريفات الجمركية، وتشجيع الصناعات التصديرية، إلخ”.
“لكن العالم بدأ يصغر ويتسطّح، ما مكّن الصين من التافس في كل مكان مع الجميع على مجموعة واسعة من المنتجات الصناعية، ومكّن الهند من تصدير أدمغتها إلى كل مكان، ومكّن الشركات من تلزيم أي عمل إلى أي مكان، ومكّن الأفراد من التنافس على الصعيد العالمي كما لم يحدث من قبل، ولم يعد الإصلاح جملة كافياً لإبقاء البلدان على مسار النمو المستدام”.
الإصلاح بالتجزئة : “ينطوي على النظر في أربع جوانب رئيسية في مجتمعك: البنية التحتية، والمؤسسات التنظيمية، والتعليم، والثقافة. وتقوم فكرة الإصلاح بالتجزئة على تمكين العدد الأكبر من شعبك من الحصول على أفضل الأطر القانونية والمؤسسية التي يتم الابتكار من خلالها واطلاق الشركات واجتذاب الشركاء لمن يريد التعاون مع الآخرين في العالم”.
يستخلص الكاتب بعد استعراض لبعض ما جاء في دراسة شملت أكثر من 130 بلداً بعنوان (مزاولة الأعمال في سنة2004) أعدتها المؤسسة المالية الدولية، ما يدعوه لائحة تدقيق من خمس نقاط للإصلاح بالتجزئة، ويضيف عليها هو اثنتين من عنده:
1.     التبسيط والتحرير من القيود حيثما أمكن في الأسواق التنافسية.
2.     تعزيز حقوق الملكية.
3.     توسع استخدام الانترنت للوفاء بالأنظمة.
4.     خفض تدخل المحاكم في مسائل الأعمال.
5.     جعل الإصلاح عملية متواصلة.
6.     توسيع فرص حصول السكان على التعليم على كافة المستويات.
7.     الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية (الطرقات والموانئ والاتصالات والمطارات).
ويتسائل الكاتب: “لماذا يستطيع بلد التغلّب على هذه العقبة التي تواجه الإصلاح بالتجزئة، حيث يستطيع القادة تعبئة الموظفين والرأي العام خلف هذه الإصلاحات الجزئية الأشد إيلاماً, فيما يتعثر بلد آخر؟”
وتندرج إجابته على تساؤله تحت عنوانين فرعيين:
المسائل الثقافية: العولمة المحلية
“مقدار اتجاه ثقافتك نحو الخارج: ما درجة انفتاحها على المؤثرات والأفكار الأجنبية (العولمة المحلية)؟ … كلما كانت لديك ثقافة تتعولم محلياً بصورة طبيعية –أي كلما ازدادت سهولة امتصاص ثقافتك الأفكار وأفضل الممارسات الأجنبية ودمجها في تقاليدك- تعاظمت الأفضلية التي تتمتع بها في العالم المسطح. لقد كانت القدر الطبيعية على العولمة المحلية من مواطن قوة الثقافة الهندية والثقافة الأميركية والثقافة اليابانية، ومؤخراً الثقافة الصينية. الهنود على سبيل المثال لديهم وجهة نظر مفادها أن المغول قدموا ورحلوا، والبريطانيون قدموا ورحلوا، ونحن نأخذ الأفضل ونترك الباقي، لكننا لا نزال نأكل الكاري، ولا تزال نساؤنا يرتدين الساري، وما زلنا نعيش في وحدات عائلية موسعة شديدة الإحكام. وتلك هي العولمة المحلية بامتياز”.
الأمور غير المحسوسة
“ما مقدار وجود احساس بالتضامن الوطني والتركيز على التنمية، وما مقدار الثقة داخل المجتمع في التعاون مع الأجانب، وما مقدار اهتمام النخبة في البلد بالجماهير واستعدادها للاستثمار في الداخل، أو عدم اهتمامها بفقراءها واهتمامها بالاستثمار في الخارج؟”.
“إننا نعرف الصيغة الأساسية للنجاح الاقتصادي – الإصلاح جملة، يليه الإصلاح بالتجزئة، بالإضافة إلى الحكم الصالح والتعليم والبنية التحتية والقدر ة على العولمة المحلية. لكن ما لا نعرفه وما كنت سأعبئه في قنانٍ وأبيعه لو كنت أعرفه، هو الإجابة عن سؤال لماذا يمكن أن يبادر بلد إلى القيام بكل هذه الأشياء –يقصد التطور والنمو- بطريقة مستدامة ولا يبادر إليها بلد آخر؟“.
جواب هذا السؤال هو ما يسميه الكاتب (الأمور غير المحسوسة)، ويقول أنها تتسم في مزيتين:
1.     قدرة المجتمع على الاجتماع معاً واستعداده للتضحية من أجل التنمية الاقتصادية.
2.     وجود قادة في المجتمع لديهم رؤية تمكنهم من معرفة ما الذي يجب عمله من ناحية التنمية والرغبة في استخدام السلطة للدفع من أجل التغيير بدلاً من إغناء أنفسهم والمحافظة على الوضع القائم.
ويضرب مثالاً: “ويبدو أن بعض البلدان (مثل كوريا وتايوان) قادرة على توجيه طاقاتها نجو أولوية التنمية الاقتصادية، في حين ينصرف اهتمام بلدان أخرى (مثل مصر وسوريا) على الإيديولوجية والنزاعات المحلية”.
ثم يعقد الكاتب مقارنة بين المكسيك والصين لتوضيح وجهة نظره. إذ أن المسكيك مع المبادرات الإصلاحية التي أطلقتها، ورغم قربها من أكبر اقتصاديات العالم (الولايات المتحدة)، وبالرغم من اتفاقية (النافتا)، إلا أن الصين تفوقت عليها بمراحل رغم ابتعادها عن الولايات المتحدة.
الديمقراطية قد تكون عائقاً أمام الإصلاح بالتجزئة“. يذكر الكاتب ذلك بعد مقارنة المكسيك بالصين، فالمكسيك لديها نظام ديمقراطي، لكن المبادرات الإصلاحية التي أطلقتها تأخرت في البرلمان. بينما الصين مع نظامها الشمولي تتفوق! والسبب “يوجد لديها مؤسسات دولة قوية وجهاز بيروقراطي قادر على ترقية الكثير من الأشخاص بناء على الجدارة إلى مواقع صنع القرار الأساسية، كما أن لديها روحاً معنوية عالية”. فالصين بنظامها “تستطيع أن تتغلب على أصحاب المصالح والممارسات القديمة”، بينما على “رئيس المكسيك الذي يريد إجراء تغييرات أن يجمع عدداً كبيراً من أصحاب المصالح لتنفيذ الإصلاح يزيد كثيراً عما كان يحتاج إليه أسلافه المستبدون الذين يمكنهم القيام بذلك بإصدار مرسوم”.
ولكن الكاتب لا يقطع بهذا الاستنتاج، “هناك ديمقراطيات تحظى بنعمة القادة القادرين على إقناع شعوبهم وتركيز اهتمامها على الإصلاح بالتجزئة، يتذكّر المرء مارغريت تاتشر في انجلترا”.
يختم الفصل بهذه الفقرة المهمة، “قال ويل روجرز قبل وقت طويل: (إذا كنت على المسار الصحيح، فستُدهس إذا اكتفيت بالجلوس هناك). وكلما ازداد تسطّح العالم، تعاظمت سرعة حدوث ذلك. لقد وضعت المكسيك نفسها على الطريق الصحيح عن طريق الإصلاح بالجملة، ثم اكتفت، لأسباب كثيرة محسوسة وغير محسوسة، بالجلوس هناك وتأخّر الإصلاح بالتجزئة. وستُدهس المكسيك أكثر كلما طال مكوثها هناك. ولن تكون الوحيدة”.
 

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

9 تعليقات على “البلدان النامية والعالم المسطّح”

  1. عاطف خاطر
    تحياتي يا احمد لجهدك وتلخيصك الجميل للكتاب ، ولكل مقالاتك السابقة ، ولي ملاحظة بسيطة قد لا تتعلق مباشرة بالموضوع ولكنها بشكل عام مفيدة ، وهي أن هذا الكاتب توماس فريدمان من كبار الصهاينة في الولايات المتحدة ، وهو مخضرم فعلا كما تقول ولكن ليس لنبوغه أو جودة قلمه بل لعلاقته باللوبي الصهيوني ومناداته الصريحة بالعدوان على البلدان العربية ، وقد كان من كبار مشجعي الحرب على العراق . ورغم أنه حاز على الجائزة الأمريكية المرموقة “بوليترز” إلا إن الصهاينة من وقف خلف ذلك لأنه من الكتاب “المتوسطين ، كما قال عنه المفكر الفلسطيني/الأمريكي الكبير اداوراد سعيد ،

    لذا يجب أن نحذر قليلا من بعض كتابات الرجل ، خاصة وأنه من مروجي “الرأسمالية الفجّة” – اذا جاز التعبير- وانظر مثلاً لكلامه عن “الإصلاح بالجملة” الذي أوردته في مقالك يقول” فتح بلدك أمام التجارة والاستثمارات الأجنبية وإجراء بعض التغييرات من الأعلى على سياسة الاقتصاد الكلي، كخصخصة الصناعات المملوكة للدولة، وتحرير مرافق الخدمات العامة من القيود، وخفض التعريفات الجمركية، وتشجيع الصناعات التصديرية، إلخ “….

    فهذا ليس كلامه في الحقيقة وإنما كلام صندوق النقد والبنك الدولي ونصائحهم للبلدان النامية والتي لم
    تؤدي إلى تنمية حقيقية في بلد نامي واحد ، بل أصابت دولا عديدة بالضرر البالغ ، وهي تعرف ببرامج الاصلاح والتكيف الهيكلي . Structural adjustment program

    ودولة مثل ماليزيا رفضت هذه الوصفة التي أضرت في وقت سابق بلدان جنوب شرق آسيا (النمور الآسيوية) وكانت من أهم أسباب الأزمة المالية الآسيوية في نهاية التسعينات . وهذه الدول لم تتمو من خلال هذه الوصفة المتحيزة بل بتجارب محلية ودور كبير للدولة وليس كما يطالب فريدمان ، وخذ مثلا تجربة الجنرال بارك في كوريا ، ولي كوان يو في سنغافورة ، محاضر محمد في ماليزيا.

    أرجو المعذرة على هذا الكلام الكثير الذي قد يصيب القارئ بالضيق دون أن يستفيد منه ، ولكن في الحقيقة أنا “مخنوق” من فريدمان ووجدت الفرصة حتى “أفش غليلي” ….

    عاطف خاطر

  2. موضوع حلو

    يعني لو بنطبق نظرية الكاتب على مملكتنا راح انتوصل لهذي النتيجة:

    ان البحرين تطبق نظرية الاصلاح بالجملة و نظامها السياسي ديموقراطي لكن ما شفنا نفس نتيجة التطور و التقدم الي وصلت له الصين … فاحتمال يكون حالنا كحال المكسيك.

    لكن قطر في المقابل قاعده تمارس نظرية الاصلاح بالتجزئة و النتيجة انها صارت سوق المستقبل !!!

    شي حلو لما تعرف شنو وضع بلدك مقارنه بباقي الدول ..

    يلا عسى البحرين ان شاء الله تكبر و تكبر

    شكرا على الموضوع ووايد مفيد خصوصا لدراستي

    يعطيك العافية

  3. الزميل العزيز عاطف خاطر

    قرأت عن هذا الرجل قبل قراءتي للكتاب..
    وكلامك صحيح.. خاصة في توصيف الاصلاحات الاقتصادية التي ذكرها الكاتب

    وأفضل كتاب يفضح هذه الاصلاحات الكارثية -والله أعلم- هو كتاب (خيبات العولمة) لحامل جائزة نوبل للاقتصاد (جزيف إ. ستيغلتز).. رئيس المستشارين الاقتصاديين في إدارة كلنتون، واقتصادي أساسي في البنك الدولي..

    ولكن رغم ما ذكرت أخي عاطف، وهو ما أتفق معك فيه، إلا أن الكتاب (العالم مسطّح) فيه كثير مما يمكن الاستفادة منه، وقد أشرت في المقال الأول حول الكتاب أن كاتب المقال لا يتفق مع فريدمان في كل ما يذهب إليه..

    إضافتك يا خاطر مهمة جداً.. وجاءت لإكمال نقص في الموضوع

    فجزاك الله كل خير..

    وبانتظار إشفاء غليلك في مواضيع قادمة 🙂

  4. الأخت الكريمة فاطمة..
    الأستاذ الفاضل علي سبكار..

    شكرا على مروركما 🙂

  5. السلام عليكم

    وايد عجبني الموضوع والصراحه ذي بكون اول اكتاب بادوره في المكتبه علشان اقراه..

    مشكور و الله يعطيك العافيه 🙂

  6. وعليكم السلام ورحمة الله

    هلا بعون.. وأعوان عون.. وأهل عون.. وربعه كلهم 🙂

    حاضرين .. والله يعافيك 🙂

    شكراً على مرورك العوني يا عون 🙂

  7. السلام عليكم ورحمة الله

    يبدو كتابا رائعاً إن شاء الله لي عوده للموضوع بعد انتهاء

    امتحانات آخر الفصل (دعوووواتكم :))

    تحيااااتي
    سحابة الماضي

  8. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتــه

    الكتاب فعلاً رائع..
    رغم اختلافي (ومن انا!) مع الكاتب في بعض وجهات النظر,,

    ولكنك ستدركين أكثر كيف العالم أصبح مسطحا بعد قراءتك لهذا الكتاب..

    وما يجعله رائع..
    كما ذكرت في المقال السابق..
    كثرة استشهادات الكاتب بآراء كبار المدراء التنفيذين لعدد كبير من الشركات العالمية..

    سحابة الماضي..
    كل التوفيق في الامتحانات يا رب

    وبانتظار جديدك 🙂

اترك رد