تذكرة سفر مجانية

(سأدخل هذه المرة دون استأذان)، يدخل عون[1] على شيخه الغارق في النوم، يُشرّع الستائر بقوة، وبشيء من إنزعاج، ويقول للشمس: (أدخلي هنا بكل أشعتك فوق البنفسجية وتحت الحمراء، وبين الخضراء أيضاً)! ويفتح النوافذ على آخرها، وينادي الرياح لتحدث ما يمكنها إحداثه من أعاصير داخل الغرفة الصغيرة، التي غدت كقبر ينام فيه شيخه وهو حي! يريد أن يعيد الحياة هنا.. ويلتفت على شيخه الذي بدأ يدرك ما يحصل حوله، ويفتح عينيه ببطئ، يبادر عون :
         لماذا كل هذا النوم؟! ما الذي يتعبك هذه الأيام، ويطرحك على السرير طرحاً ؟! أغلب ساعات أيامك ولياليك تقضيها في النوم !
يرتفع حاجبي الشيخ، كاشفين عن عينين خاليتين من أي بريق تفاؤل أو أمل، ينظر الشيخ مدة في وجه عون، الذي هدأ ووقف ساكناً مكانه، ثم يرجع ببصره إلى سقف الغرفة، يظل مستلقياً، ويجيب :
         لا تعب يا عون، لا تعب.
         لا تعب! وهل ينام هذه الساعات الطوال غير التعبان ؟!
         أنا، وغيري كثير، ربما.. ربما كثير، وربما قليل.. لا أدري !
         ما الأمر؟ ربما تحتاج لإجراء فحوصات طبية, أو بعض التمارين الرياضية، أو حجامة، أو مراجعة ما تأكل، أو…
يجيب الشيخ مقاطعاً، قبل أن يسرد له عون كل ما تحويه الكتب عن أسباب الكسل والخمول وسبل القضاء عليهما :
         أنا طبيعي يا عون، لا أحتاج إلى شيء من ذلك.
         ولكنك تنام كثيراً كثيراً، الأمر أصبح مخيف !
         النوم تذكرة سفر مجانية لعالم آخر يا عون. قل لي بالله عليك، إذا ضاق بك عالمك، هل هناك أفضل من الهجرة إلى عالم آخر ؟!
         يشك عون في اكتمال صحوة شيخه، ويسأل:
         عن أي عالم تتكلم؟! أنت هنا يا شيخ.. أتظن أنك على سطح (بلوتو) عندما تغمض عينيك نائماً ؟!
         لا.. أنا هنا، ولست هنا.
         يبدو أنك لم تصحو من حلم بعد !
         تماماً.. إلى هناك أسافر. هل تعلم أني أبذل جهداً إضافياً كي أستطيع أن أنام ساعات إضافية في اليوم؟! ولا يهمني كيف كانت الحياة هناك، فهي كثيرة التغير، إلى درجة أنك لا تضمن عودتك من هذا السفر الممتع أحياناً، المأساوي أحياناً كثيرة !
         لا.. لا أعلم !
         وهل تعلم أن النوم أفضل علاج لحالات نفسية كثيرة، على الأقل لي شخصياً!
         لا.. لا أعلم !
         وهل تعلم أني أحلم كثيراً، وأني مؤمن بأن عدداً من الأحلام التي أحلم بها تخبرني بما سيكون لي، خطوط عريضة! ولكني لا أنام بهدف قراءة هذه الخطوط العريضة، فقلبي ينقبض منها ربما لأيام !
         لا.. لا أعلم !
         ولكني مؤمن طبعاً بقضاء الله وقدره، وبفاعلية الدعاء.
         الحمدلله.
         ماذا عنك يا عون، ألا ترغب أحياناً، مثلي، للسفر إلى عالم غير هذا ؟
         كما تعلم يا شيخ، أنا أعيش معك عالمكم، كما أعيش عالمنا، ويستعصي عليَّ الآن أن أشرح لك عالمنا. وطبيعة الحالات النفسية التي نتعرض لها نحن موضوع آخر يطول، ولكن لا يمكن لجني، فيما أعلم، أن يفكر مجرد التفكير في الخروج من عالمه إلى عالم آخر لتعرضه لحالة نفسية !
         أطلب منك طلب ؟
         آمر ؟
         ممكن تعيد إغلاق النوافذ والستائر وتتركني أحاول أن أنام ثانية ؟
يفهم عون، وترتسم عليه ملامح حزن واضحة، لم يمتثل هذه المرة، ويترك النوافذ مشرّعة.. ويمضي مغادراً من إحداها !


[1]عون : شخصية جني.. اختراع من اختراعاتي الفاضية ! ظهر في قصص قصيرة كثيرة.. مكتوبة وغير مكتوبة.. وأغلبها ممنوع من النشر.. سأنشر هنا ما يسمح لي الرقيب الذاتي بنشره ! ربما أكتب شيئا عن سيرته الذاتية لاحقاً !

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

17 تعليقا على “تذكرة سفر مجانية”

  1. على غير العادة ..

    مقالك هذه المرة فيه شيئ من البياخة يا أحمد ..

    أعذرني ..

  2. “هذه المرة”..
    أشوه الحمدلله !!

    يعني المرات السابقة ما كان في مقالاتي شيء من بياخة..
    بعبارة ثانية: من المعتاد أن لا تحوي مقالاتي شيء من بياخة !

    شهادة أعتز بها أخوي (مجهول) 🙂

    عادي كله واحد.. كثر منها 🙂

  3. لو كنت مكان عون جان قعدت هذا الشيخ، بالطيب او بالقوه اقعده..

    كل واحد اتضيق به الدنيا واكون النوم اهو الحل الوحيد الي يلجأ له الانسان علشان ينسا به اهمومه.. لكن شنوا بعد كل هل نوم!!!

    انه لو كنت مكان الشيخ جان اقوم من الصبح و اغسل و افتح الدريشه و اخلي النور و الهوا يدخلون و اقول في نفسي اليوم لازم اسوي انجاز اصغير، ولو كان بس بقرأتي لصفحتين من الثيوري “ترا ذي انجاز عود بحد ذاته” 🙂

    النوم مابفيده بشي ولا بفيد غيره “اسأل امجرب”، بالعكس قاعد اضره و اضر الي حواليه

    تعوذ من ابليس و صل على النبي و ابتسم، حتى لو قلبك مقبوض ابتسم لان غيرك ما بروح همه الا بأبتسامتك 🙂

    ابتسم 🙂

  4. اذا الاحلام احلى من الواقع وايشوف فيها صور حلوه معذور الشيخ خلة نايم على طول احسن على الاقل يشرد من الواقع 🙂

  5. اعتقد بأن حالة الخلاف أو الصراع الناشبة بين الشيخ و عون..على النقيض بيني و بين “همس” – القابعة في مكان ما بين تجويفات عقلي و نبضات قلبي- التي طالما – ربما في أحيان كثيرة – انصاع لأوامرها .. لأسباب أجهلها !!!

    تلقبني صديقتي المقربة بــ”Miss sleepless ” بينما البعض الآخر يصفني بــ “المحاربة” الأولى للنوم .. وكيف لا أحاربه و لا أقاوم سلطانه.. وأنا أعتبره عدوي ..الساعي جاهدا في بناء الجدار العازل بيني و الآخرين؟؟
    ناهيك عن غيرها من المسميات و الألقاب بخصوص هذا الشأن ..فلا يسعها المكان هنا!!

    غالبا ما نقع تحت وطأة الضغوطات الحياتية.. نبحث لنا عن مهربٍ يفسح لنا ما ضيقه علينا عالمنا..أومئ برأسي يمنة ويسرة.. علــّـني أطرد هذه الأفكار المتسللة..خشية الوقوع في الأحلام غريقة.. فلا أجد حينها من ينتشلني و يعيدني إلى بر الحقيقة..

    كثيرة هي و متنوعة الأشياء التي ممكن أن نشغل ونسلي بها أنفسنا .. عوضاً عن أن نفني طاقاتنا و إبداعاتنا بالدفن الاختياري المطلق في مقبرة النوم..

    قد أكون من الصنف الذي “يستخسر” في روحه لذة النوم.. بل “اتحسف” على الوقت الذي أضيعه في سباتي.. وما هو إلا وقت معلوم محسوب .. لإعادة شحن طاقة.. لا أكثر !!!

    على الرغم من أن النوم يعد تأشيرة سفر مجانية تخولنا للدخول إلى عالم “كل” شي فيه ممكن.. إلا أنني أعده هروباً من صرامة الواقع.. ومجابهته..السلاح الناجع..

    النوم بالنسبة لي مساعدة العقل الكسول للتغزر في بحر الخمول!!!

    لشيخنا الفاضل دعوة قلبية..
    أتمنى أن تهب عليك رياح النشاط و الحيوية 🙂

  6. الحمدالله وشكر

    أحمد انت مريض نفسيا ومواضيعك بايخه

    ترى العقل نعمه حافظ عليها

  7. أخوي.. عفواً أختي (هنادي) 🙂

    لله الحمد والمنة والشكر والفضل 🙂

    لا تكون ردودك.. عفواً ردودج.. أبيخ من مواضيعي البايخة 🙂

    شلون المريض نفسياً يحافظ على نعمة العقل !

    ادعي لي ولا عليج أمر بالشفاء العاجل

    وشكراً على مرورك.. عفواً مرورج

    ولا تقطعينــا 🙂

  8. السلام عليكم

    انا وايد احب اقره مقالاتك
    وبالذات هل مقال يعجبني وايد
    وانا من محبي شخصية عون

    كثر من هل نوع من المقالات
    علشان نتعرف على شخصية عون اكثر

    يعطيك العافية
    ماتقصر اخووي

    وماعليك من الناس
    الناس اذواق

  9. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يعطيك العافية أخوي على هال..

    حيروني الأخوان خبري هاي قصه مو مقال ..
    اللي اهو .. بس صج عجبتني .. ذكرتني بحياة شخص اعرفه .. بالضبط !! حرفيا !!
    حته عون موجود وجني بس اسمه أحمد !!

    بس الشخص اللي اعرفه بالأخير واجه الواقع .. حته لو كان واقعه مر بس عالاقل شي حقيقي .. عالأقل يكون منه فايدة فالدنيا .. يرقدوون بس مو هالكثر ..

    والإنسان المؤمن لين ضاقت به الدنيا مايروح لدنيا ثانية .. يروح للي خلق كل العوالم .. بيحصل عنده الي يبيه 🙂

    في أمان الله

  10. من أروع انواع الكتابات (( الروايات ))

    وهذه مهاره يديده يا احمد وما شاء الله عليك قدرت تعيش القارئ الجو اللي كان في القصه

    طرح ممتاز والله يوفقك 🙂

  11. قصة (على عكس ما وصفها البعض) متميزة في الطرح، تحمل بين أسطرها معانٍ ربما لم ينتبه لها الآخرون
    أعجبتني جداً

    وسأتابع عون إن شاء الله

    ملاحظة: عجبتني هذه الجملة ( ويترك النوافذ مشرّعة.. ويمضي مغادراً من إحداها !)

    واصل 🙂

  12. هلاا عون.. اووه اقصد الكاتب احمد..

    قصة حلوة ..والنوم في نظري ايضا هروب من الواقع وهروب من التفكير ..

    وكان على عون ان يترك الشيخ ينام مرة ثانية 🙂 ،لانه الشيخ راح يمل من كثرة نومه ،،،ومن نفسه راح يقعد من رقاده اللي تعّب جسمه ..

  13. “وانا من محبي شخصية عون”
    عون.. زادوا معجبينك يا عون 🙂

    “أم عبدالعزيز”
    شكرا على المرور والتعقيب 🙂
    “والإنسان المؤمن لين ضاقت به الدنيا مايروح لدنيا ثانية .. يروح للي خلق كل العوالم .. بيحصل عنده الي يبيه”
    صح 🙂

    “وما شاء الله عليك قدرت تعيش القارئ الجو اللي كان في القصه”
    ان شاء الله بس ما ياتك النوده عيل !
    شكراً على المتابعة 🙂

    “ملاحظة: عجبتني هذه الجملة ( ويترك النوافذ مشرّعة.. ويمضي مغادراً من إحداها !) ”
    يمكن لأن ساعات خاطرنا نسويها ؟!
    هههههه 🙂
    مشكور على المتابعة والتعقيب 🙂

    “مريـــــم”
    عوداً حميداً !
    وان شاء الله تعجبج قصص عون 🙂

  14. اعجبتني هذه اللعبة كتير كتير من اروع انواع الكتابات وهذه مهارة مشكور على المتابعة وتعليقات

  15. انا من سوريا اسمي سوسن انا بحب انا اكتب تعليقات عن هذه الاشياء وانا كمان ببعت سلامات لتيتي لي في العمرة مشتاقلها الواي الواي الواي

اترك رد