أخلاق حداثية أعجبتني !
قرأت منذ زمن ليس بالقريب، كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" للشيخ عوض القرني، وكلمة "الحداثة" تعني الكثير فيما أظن، وتحتمل أكثر مما قد تعنيه! وهي من الكلمات التي ليس لها تعريف محدد، ككلمة "العولمة"، فهناك من يؤكد بها –العولمة- نظرية اقتصادية، وينفي أخرى، وهناك من يستخدمها في بيان موقفه من قضية ما، أياً كانت، دنيوية أو دينية، وهناك من يختزلها في مدارس أو تيارات أدبية. كتابنا هذا تطرق لتيار فكري وأدبي يطلق على أعلامه بالحداثيين، وتناول مسألة الشعر الحديث، أو الشعر الحر، خاصة غير المفهوم منه.
بالمناسبة، لا أحب هذا النوع من الشعر، ولا أعتبره شعراً! فهو لا يطرب الأذن عند سماعه، وقاعدتي البسيطة: كل ما لا يطرب السمع فليس بشعر! هذا بالنسبة للمفهوم منه. أما غير المفهوم، فعلاوة على كونه ليس شعراً –عندي- فهو هرطقة سخيفة !
( يقول عبد الله نور في ملف نادي الطائف الأدبي العدد السادس صفحة 55 : " الشعر يفهم ليس بشعر " !! ومادام من شروط الشعر عندهم ألا يـفهم، فما الغاية منه إذاً ؟ هل هو طلاسم سحر، أم أحاجي ألغاز، أم رموز شعوذة ؟؟! )[1].
يفضح الكتاب عدداً من ألمع نجوم الحداثة، حيث تتستر أفكارهم خلف رموز وطلاسم أبيات غير مفهومة، وعبارات غريبة غامضة! احتوى الكتاب على نماذج كثيرة منها، ولا داعي لإزعاج أذهانكم بنقل جزء منها.
للحصول على نموذج من هذه العبارات، التي تسمى فناً، اعطوا طفلاً دون السابعة، كلمات لا يمكن الجمع بينها، واطلبوا منه ترتيبها في جملة مفيدة، وستحصلون على بيت شعري مرهف الحس، عميق المعنى، يستوقف القارئ، وربما يأسر خياله لشهور !!
لا يقتصر استخدام الغموض ولغة الطلاسم على الشعر الحديث، بل نجدها في كتابات كثيرة، وروايات كثيرة. عَلَّق الكاتب حسن نصر الله، في لقاءٍ جمعني به في معرض البحرين الدولي للكتاب، على هذه المسألة: "كثير من الكُتاب يبالغون في غموض كتاباتهم، غدت اليوم كثير من الكتابات مزعجة، وكأن الكاتب الأصعب قراءة هو الكاتب الأقوى!". فرحت بهذا التعليق، لأن أحد أهل الصنعة الكتابية يوافقني الرأي.
في جريدة محلية، ملحق أسبوعي يُعنى بالثقافة، لمشرف الصفحة عمود ثابت فيه، يظهر نصف وجهه فقط في صورته الشخصية التي تعتلي العمود! حداثة تصويرية؟! لا شك أنها "حركة" تحمل في طياتها الكثير !
التقيت في الجامعة بصاحبنا مشرف الصفحة، دخلت مكتبه بعد استأذان، وفتحت موضوع نقاش بعد استأذانٍ آخر..
– لدي سؤال، لماذا تكتبون أشياء لا يفهمها أحد؟
– أنت لا تفهمها، نحن، وغيرك، نفهمها..
– كيف؟!
– هناك أدوات إذا تعلمتها، بإمكانك فيما بعد أن تفهم كلامنا، فهي تعينك على تحليل الكلام ومعرفة مدلولاته!
وبعيداً عن نصيحة البروفيسور في رواية "العصفورية"، فقد أصبحت في تلك اللحظة "نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً"، لأن الأستاذ الفاضل أرجع عدم فهمي لما يُكتب إلى جهلي بأدوات ومعدات فك الرموز والطلاسم، التي يسمونها فناً، لا إلى غرابة ما يكتبه هو وأصحابه! ربما أحتاج في المرات القادمة لمساعدة "لانغدون" الذي ساعد "صوفي" في فك الرموز التي تركها لها جدها بعد مقتله في رواية "شيفرة دافنتشي" المشهورة! سألته مع الاحتفاظ بقدر كبير من الهدوء :
– ما هي الرسالة العظيمة التي تحملونها، والتي وصلت، لسموها وعظمتها، إلى درجة تستعصي على العوام فهمها ؟!
– أنظر للدين مثلاً، نحن لا نفهم الدين دون العلماء، هم يفسرون لنا الآيات والأحاديث، من خلال استعمالهم لأدوات تعينهم في ذلك !
– ولكن محمد عليه الصلاة والسلام كان يكلم الرجل والصغير والمرأة والعجوز، وكان الكل يفهمه، وهو صاحب أعظم رسالة، فهل رسالتكم أعظم كي لا يفهمها الجميع ؟!
بشكل غريب تطور النقاش سريعاً، ولا أدري كيف وصلنا لهذا السؤال الذي سألته: "هذا المصحف الموجود على مكتبك.. كيف تثبت لي أنه القرآن المنزل من الله على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل عليه السلام؟!!". وبشكل أكثر غرابة، انتقلت عدوى "النرفزه" إلى صاحبنا، فأصبح " نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً" ولكن دون الاحتفاظ بأي قدر من الهدوء، وطردني من مكتبه !
بعد أيام، رآني جالساً في ممر من ممرات الجامعة، ومد يده مصافحاً، ومعتذراً عن نتائج "النرفزه" التي صدرت منه، ابتسمتُ، ومضى مبتسماً.. أخلاق حداثية أعجبتني !
[1]من كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للدكتور عوض القرني.
عزيزي احمد :
بعض الكتاب في هذا العصر يتعمدون استخدام اساليب ومصطلحات غريبة لا تصل الى العقل مباشرة ويتعمدون الى اللجوء التعقيدي الممل .
وبرأيي الشخصي اعتقد انه كل ما كان اسلوب الكاتب فيه بساطة ووضوح واستخدام لمصطلحات سلسة تحقق المعنى المطلوب فهذا دليل على تعمق واتيان الكاتب لما يكتب .ولامست هذا الشىء شخصيا في بعض الكتب الدراسية التي ادرسها من خلال معرفتي الشخصية لمؤليفها ومعرفة مستواهم العلمي واساليب تدريسهم.
المعادلة بسيطة عزيزي احمد وهي كالتالي :
(( كلما زاد علم الكاتب واتيانه لما يكتب كان الاسلوب اكثر بساطة والعكس صحيح ))
ليست تلك بأخلاق حداثية يا أحمد .. ذلك معدنه الحقيقي نطق .. وإلا فالحداثة مادية لا لون لها ولا طعم ولا رائحة (محددة) .. وبالأحرى لا أخلاق .. ولا يعني ذلك أنني أرفضها كطريقة تفكير .. لكنني أرفضها كصبغة أو شعار لنتاج فكري معين ..
لك تحياتي
رياض.. المابع دوماً
وصاحب رأي وإضافة دوماً
تسلم عزيزي على الإضافة 🙂
أخي العزيز أحمد السهيمي..
لم أعني بالعنوان حقيقته.. وإلا فالأخلاق الطيبة.. أخلاق طيبة.. ولا يمكن نسبتها لطريقة تفكير.. أو منهج.. أو مدرسة أدبية أو فكرية أو طلاسمية 🙂 🙂
شكرا على المرور الكريم والتعليق 🙂
أخي العزيز/ مررت بهذه التجربة من الحوار مع الأخ العزيز محمد البنكي، وكان معنا في جامعة البحرين.. وإن لم تصل إلى حد طردي من المكتب.. والمشكل أن كل الفكر الحداثي، سواء فكر أو فلسفة أو “فن”.. يعتمد على التشويش اللغوي.. واستخدام الرموز، والمصطلحات الاي قد لا يفهما قائلها.. فإذا طالبته بأن يتكلم لغة عربية مفهومة، لإنت تسعى لتسطيح الأمور، للعب على عواطف العامة والسذج.. مع أن كتاب الله عز وجل قد يسره الله للذكر، ووصفه بأنه بلسان عربي مبين. فما بالهم يتخلون عن البيان.. وهو من أهم نعم الله على الإنسان.. “علمه البيان” تحياتي
الأستاذ الكريم حسن مدني..
شكراً على الإضافة الطيبة 🙂
ولا تقطع..
نتمنى دائما إضافاتك 🙂
وانا ايضا اصبحت (نرفوزةً ونرفازةً ونرفيزةً) من عدم تمالك مشرف الصفحة اعصابه وتصرفه السخيف الذي بدر منه لك !!! ..
(( مريـــــم ))
ههههههههه 🙂
لا داعي للنرفزة .. والأمور عدت على خير الحمدلله 🙂
بحكم أنني متخص في اللغة فلي رأي فيما كتب
فالشعر البسيط الساذج لا يخرج عن إطار النظم
والشعر الغامض لا يخرج عن إطار الرمزية واللارمزية أحيانا
هذا بخصوص الشعر
الذي ينبغي أن يكتب ليفهمه الناس بلغة
أعلى من لغة الناس وإلا أصبح كلاما عاديا
بخصوص كتاب الأخ عوض القرني
الحداثة في ميزان الإسلام
فهو يطرح وجهة نظر لولا الوقوع في التحليل الأدبي
الذي هو ليس بفنه ولا يخفاك يا أحمد
أن من خاض في غيره فنه جاء بالعجائب!
النقطة الأخرى في الكتاب هو تكفير الناس
ومنهم الدكتور عبدالله الغذامي الذي كنت
تجلس أمامه مباشرة في منزل إبراهيم العريض
فهل وجدته كافرا؟؟
حسبنا الله ونعم الوكيل
أما الحداثة فهي فكرة عامة وليس خاصة بالأدب
ولكنها انحصرت لدينا بالأدب
وأحيلك هنا إلى تعريف الغذامي لها بأنها
(التجديد الواعي)
نصيحة،
لا تصدق كل ما يقال عن الحداثة أو الليبرالية
أو المتدنين
أياك أن ترخي سمعك لأي رأي متعصب في جو محتقن
كالذي كتب فيه كتاب الأخ عوض غفر الله لنا وله
——–
الله يقطع بليسك
(نرفوزاً ونرفازاً ونرفيزاً)
دونت هذه التقسيمات في مفكرة صغيرة
أول ما قرأتها في العصفورية
شكرا عزيزي عبدالله على التعليق والإضافة..
من يوم ما كتبت هذا المقال حتى اليوم، تغيرت عندي كثييير من المفاهيم.
بالنسبة لعبدالله الغذامي..
لم أقرأ له إلا شيئاً من كتاب واحد فقط حى الآن، وسأقرأ له المزيد قريبا بإذن الله..
تكفيره ؟
يكفيني أنه كان أحرص من المنظمين على إقامة الصلاة !