ليست مجرد تجربة (17)

الحشمــة 3
في دورة المجلس الرابعة، عندما أُبتلي المجلس بإدارتي له، اتفقنا على التحرك حيال موضوع "الملبس اللائق" خلال الفصل الدراسي الثاني، على أن نتفرغ خلال الفصل الأول لإنجاز بعض الإنجازات التي يمكن إنجازها في فترة إنجاز وجيزة !
إلى ذلك الحين، في إحدى زياراتي لرئيسة الجامعة، دار بيني وبينها حواراً عن نفس الموضوع، وأشرت لها بأن التجاوزات – إن صحت تسميتها بالتجاوزات، فلم تكن هناك لوائح واضحة تحدد التجاوز من عدمه في ملبس الطالبات – لا تقتصر فقط على الطالبات، بل كثير من الموظفات، بل عدد من المرشدات الاجتماعيات التي يفترض بهن أن يكن قدوة للطالبات في مظهرهن وسلوكهن.
يختلف وزن بعض المرشدات قبل وبعد "مجابل" المنظرة صباحاً! بفعل وزن الـ"الهمبل" المستخدم لإعادة ترميم وتجديد السطوح والجدران المتشققة! وتزيينها بألوان الـ"رينبو" الباهية !
الهمبل.. الهمبل.. آه كم أكره الهمبل؟! كم أخفى خلفه من جمال؟! في الوقت ذاته.. كم أخفى من قبح؟! هناك من يلعن الهمبل.. فقد كان سبباً في تضليل الرأي العام الشبابي الذكوري، حول طبيعة وصحة جمال خلق الله الذي يتفكر فيه الشباب ليل نهار!! وهناك من يشكره ويشكر مخترعه، فقد ساعد على التخفيف من وقع المصيبة بعد اكتشاف الحقائق!! وهؤلاء، الهمبل بالنسبة لهم كالمساعد على الرضا والقبول بما قسمه الله لهم!! بالنسبة لي، فأنا أكرهه، وبشدة شديدة! ليس لأنه ضالٌ مُضلٌ فقط، ولكني أجده يخفي خلفه من الجمال أكثر مما يخفي من العيوب! من قال لتلك الفتاة أن لون شفتاها أجمل بعد صباغتها؟! ومن قال أن الحمرة الصناعية للوجنتين أحلى من تلك الطبيعية التي يرسمها الخجل أو الحياء وأحياناً كثيرة الإحراج، وأحياناً أكثر في البحرين الحر؟! ومن قال… يُفضل أن أقف هنا، فالإستطراد يؤدي في بعض حالاته لكلامٍ لا تحمد عقباه. هذا إذا سلمت من عقبى ما اكتفيت به !
نقلت للرئيسة ما قالته لي أختي الكبيرة ذات يوم، فقد كانت برفقتي ونحن في طريقنا لفناء المطاعم، بعد أن رأت إحدى المرشدات، ضحكت، ثم قالت لي: (هذه البنت كانت معروفة عندنا في ….. –دول خليجية، حيث أكملت أختي دراستها الجامعية- والحين هي مشرفة اجتماعية عندكم!). لا داعي لنقل نوع المعرفة التي كانت تُعرف بها مرشدتنا الاجتماعية!
أبدت الرئيسة استيائها من الوضع، ووافقتني بأن بعض الموظفات يلبسن ملابس قصيرة لا تليق، ووضَحَت بأنها منذ أن استلمت منصبها، حاولت التغيير ما استطاعت، وأن الأمر كان أسوأ. بعد حوار قصير رفعت الرئيسة الهاتف، وطلبت عميدة شئون الطلبة، ثم سألتها بكل حزم وجدية: (دكتورة.. كيف ملبس مشرفاتنا الاجتماعيات؟! هل تراقبينهن؟ … متأكده من مظهرهن؟ تأكدي تأكدي.. و"جوفي شيلبسون"). ثم أنهت المكالمة بنفس الحزم الذي بدأت به، بعد أن شددت على مسألة مراقبتهن وعدم التهاون في ذلك.
أتفق أعضاء المجلس على أهمية تنظيم حملة، توعوية، إعلامية، ثقافية، سمها ما شئت، حول المظهر اللائق، وأثر ذلك في الدراسة والسلوك. وَكَلنا المهمة للجنة الاجتماعية، التي وضعت تصوراً لبعض المحاضرات والندوات. رفضت عمادة شئون الطلبة أولى فعاليات هذه الحملة، وكانت ندوة. ربما بسبب عنوانها الذي كان أقرب إلى (مناظرة مع عميدة شئون الطلبة حول "الحشمة")!! لم يعجبني تصرف صاحبنا الذي تولى زمام الأمور، فقد كان مندفعاً جداً، كعادته في أي موضوع.
أكدت العمادة أن هناك لائحة في الطريق، لذا عليكم الانتظار، وبالفعل خرجت اللائحة التي وقعها الدكتور ماجد النعيمي، وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس أمناء الجامعة. أرى من المهم أن أنقل معظمها هنا..
 
لائحة مواصفات الملبس لطلبة وطالبات جامعة البحرين داخل الحرم الجامعي
الفصل الأول
مواصفت الملبس
مادة (1)
يجب أن يكون مظهر وملبس طلبة وطالبات جامعة البحرين متفقاً مع عادات وتقاليد المجتمع البحريني، وقيميه الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية المتعارف عليها، وذلك مع مراعاة احترام حرياتهم الشخصية، والتنوع في خلفياتهم الاجتماعية والثقافية.
مادة (2)
يجب أن يكون ملبس ومظهر طالبات جامعة البحرين وفقاً للشروط الآنية:
1.     ألا يكون الملبس شفافاً يكشف معالم الجسم.
2.     ألا يكون الملبس ملتصقاً بالجسم (STRECH)، أو ضيقاً يحدد معالم الجسم.
3.     ألا يكون الملبس قصيراً، ويندرج تحت الملبس القصير ما يأتي:
              i.            البودي والقميص الذي يستر بالكاد منطقة البطن.
            ii.            الفستان أو التنورات القصيرة التي تظهر الركبة في جميع الأوضاع (الوقوف أو المشي أو الجلوس).
         iii.            الكم القصير جداً الذي يكشف أكثر من منتصف الزند.
         iv.            الشورت والبرمودا.
4.     ألا يكون الملبس ذا فتحات واسعة تكشف معالم الجسم، ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
            i.            الملابس ذات فتحات الصدر الواسعة.
          ii.            الفساتين والتنورات الي تظهر الركبة في جميع الأوضاع (الوقوف أو المشي أو الجلوس).
       iii.            التنورة اللف المفتوحة بدون أي مشبك.
5.     ألا يكون الملي مقترناً بإكسسوارات مبالغ فيها ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
            i.            سلسلة القدم أو الزند.
          ii.            الرسم على الوجه أو الزند.
       iii.            أصباغ الشعر ذات الألوان الغريبة غير المألوفة.
6.     ألا يكون الملبس ذا تقليعات غير لائقة، ويندرج تحت ذلك ما يأتي:
       i.            العباية الخفيفة أو المفتوحة التي تكسف عن اللباس المخالف لمواصفات الملبس في الجامعة.
     ii.            البرقع المقترن بإبراز مكياج العينين المبالغ فيه.
 iii.            ربط الصدر، أو الصديري الضيق القصير، الذي يلبس فوق تي شيرت، أو القميص الذي يبرز معالم الصدر.
 iv.            ارتداء قمصان أو بنطلونات أو بلوزات مكتوباً عليها كتابات أو رسوم غير لائقة. وتنطيق هذه الشروط على الطالبات المرتديات العباءات فوق الملابس المخالفة لها.
مادة (3)
يجب أن يكون ملبس ومظهر طلاب جامعة البحرين وفقاً للشروط الآتية:
1.     عدم إظهار الشعر الطويل.
2.     عدم اتباع تقليعات وقصات الشعر الخارجة عن المألوف مثل الكاب كيك وغيرها.
3.     عدم ارتداء الإكسسوارات التي تنافي الذوق العام مثل الحلق والأساور والقلائد وغيرها.
4.     عدم ارتداء الشورت والبرمودا.
5.     عدم ارتداء تي شيرت بدون أكمام.
6.     عدم إرتداء الفانيلات ذات الحمالات.
7.     عدم ارتداء نعال المنزل أو الشاطئ.
8.     عدم ارتداء قمصان أو فانيلات أو بنطلونات عليها كتابات أو رسوم غير لائقة.
 
يلاحظ القارئ أن الضوابط التي وضعتها الجامعة معقولة، رغم اختلاف ما أرجوه حقيقة عن بعض ما جاء فيها، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. مع ذلك لاقت اللائحة من "المتنورين" انتقاداً في صفحات الجرائد. هذا أمر طبيعي، فماذا ننتظر منهم؟! وستظل هذه القضية بالنسبة لهم أمراً هامشياً يجب عدم الالتفات له، ولا نعلم ما هي القضايا الرئيسية التي يركزون هم جهودهم عليها !
ومن الأشياء التي لم أتمكن من فهمها حتى هذه اللحظة، هو السماح للبنت أن ترتدي البرمودا طالما الركبة لا تظهر، بينما الولد يُمنَع من ذلك!! هناك من يعزو هذا التمييز المضحك لجمال سيقان البنات وقبح سيقان الشباب. أخالفه تماماً، فالجمال نسبي!
كنا ننوي، عدد من الشباب وأنا، أن نرتب حملة احتجاجية على هذا التمييز، ونتفق على يوم محدد نذهب فيه جميعنا إلى الجامعة بالبرمودا! في الحقيقة لا للمطالبة بالسماح للبس البرمواد بقدر ما هو لفت نظر، لإعادة النظر، في السماح للطالبات بلبس البرمودا. فكما أن الجامعة حرم تعليمي لا يليق أن يأتيه الشباب بالبرمودا، فكذلك لا يليق أن تأتيه الفتيات بالبرمودا! إلا إذا الحرم الجامعي كان حرماً جامعياً بالنسبة للأولاد، وداراً للأزياء بالنسبة للبنات. نرجو من جمعيات حقوق الإنسان، أن تؤسس حركة مناهضة لهذا التمييز العنصري داخل الجامعة !
ويتناول الفصل الثاني من اللائحة آليات توجيه وتوعية الطلبة بشأن مواصفات الملبس، أما الفصل الثالث فيتناول الجزاءات. وهنا مربط الفرس! فنحن لا نطالب بلائحة أفضل من هذه، ولكن نطالب بتعديل الجزاءات التي وردت، أو إلغاؤها. فالجزاءات هي كالتالي: توجيه، فتنبيه شفوي، فإنذار كتابي، فتأديب مسلكي، وهذا الأخير قد قد قد، وأقول قد بكل ما تحمله الكلمة من معنى القدقده، ولا تسألوني ما هي القدقده، ولكني أقصد "قد من قلب!" أو قد بشدة! قد يُمنع الطلبة المخالفين من دخول الجامعة !
أرسلت مرة سؤالاً مكتوباً لعميدة شئون الطلبة، أستفسر فيه عن الإجراءات التي اتخذتها العمادة حتى يوم السؤال، في حق إحدى طالبات الحقوق، التي كانت ولا زالت، تخالف لوائح الجامعة في ملبسها ومظهرها. وذكرت في سؤالي أن الطالبة المعنية ستتخرج قريباً دون أن نرى أثر إجراءات العمادة على مظهرها! فأي إجراءات هذه؟! بالمناسبة، يُرجِع كثيرٌ من الطلبة سبب تفوقها الدراسي لمظهرها وزياراتها للأساتذة الأكاديميين في مكاتبهم التي تطول لساعات! طبعاً لم يصلني رد من العمادة.
ما نطالب به، كثيرون وأنا، هو عدم السماح للطلبة، ذكوراً وإناثاً، المخالفين للوائح التي وضعتها إدارة الجامعة من دخول الجامعة. فقط لا غير. حتى يحترم الطلبة القوانين، ويحترموا مكانة الحرم الجامعي.
هل نطلب من رجال الأمن تفتيش الطلبة والطالبات عند البوابات قبل دخولهم؟ هل نقول لهم قيسوا لنا طول التنورة أو البنطلون؟ هل.. هل.. هل..؟؟ لا. ببساطة، على الأستاذ أن لا يسمح للطلبة المخالفين دخول الصف الدراسي، أو إخراجهم من الصف إذا دخوا قبله. كما على الأمن إذا رأى من هو مخالف، يطلب منه الخروج من الجامعة فوراً، ويتأكد من خروجه. أما الجزاءات التي جاءت في اللائحة، فهي لا تعلم الطلبة على احترام القوانين، بل تشجعهم على عدم الإكتراث بها.
 

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

6 تعليقات على “ليست مجرد تجربة (17)”

  1. تحياتي يا احمد /
    على فكرة أنا بقرأ مقالاتك وللحقيقة أسلوبك ممتع ودمه خفيف خاصة هذا المقال عن الحشمة والذي سبقه

    عاطف خاطر

  2. اتفق معك في مجمل كلامك بكل ما لكلمات المدونه من معنى “قدقده”
    خصوصا موضع البرموده بغض النظر عن الرجل او المرأة نحن نكون هنا بصدد حرم جامعي له احترامه ويمكن البعض يراها من نظره اخرى لو كان هناك تمييز في الحرمان فكان المفروض ان يعطى هذا التمييز للمرأة قبل الرجل..

    اما موضع الهمبل.. الهمبل ,, اتفق معك فيه في القول لكن اخالف نفسي في التطبيق ,,ولكن احاول قدر المستطاع من تعويد نفسي بالتدرج على التخفيف منها وان شاء الله يأتي اليوم الذي اتفق فيه معك قولا وتطبيقا

  3. Hi Ahmed,

    Again interesting what you are discussing and i do
    agree with you on the way some students dress up
    especially the makeup that is so dark and shiny for
    some of the female students, i would not even put that
    makeup for a party at night!

    Something should be done about the clothes whether its
    for girls or boys. I noticed a couple of students in
    business (boys) who have very long hair! did you see
    them?

    I also cant understand why they will not allow long
    shors for boys and for girls its ok?

    The clothing of girls has become better then when i
    first taught in the 1990s, but still you would have
    some students who dress up like they are going to a
    party!

    Suhaila

  4. مرحبا،
    مقال لطيف.. وأحترم رأيك يا أحمد، ولكني أختلف معك، وإختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

    أعتقد بأن الخلاف بين مناصري “لائحة الحشمة” ومعارضيها إتخذ مسارا سلبيا في النقاش وإدارة الحوار.

    وبدلا من أن “يُدير” المختلفون إختلافاتهم بحكمة، وبحوار عقلاني، يقود لـ “توافق”، تحوّل هذا الموضوع لمعركة بين أنصار الجنة.. والنار! ولم يحصل المختلفون على عنب الشام أو بلح اليمن!

    ليس خافيا عليك أنني من “المتحفظين” (لاحظ المصطلح، أيّ ليس مؤيد أو رافض) على تصدير أجندة طلابية تركز على “اللباس اللائق”، نظرا لوجود أولويات طلابية أخرى ملحة، يجدر بنواب الطلبة ببرلمانهم الجامعي أن يحركوها.

    ترتيب الأولويات من الأهم للمهم.. هو الأهم، ولكن ما جرى بين الفريقين (المؤيد للائحة الحشمة ورافضها) أنهم وقعوا في “دوامة” صراع لم ينتهِ لحد اليوم.

    موضوع اللبس اللائق (أو المحتشم تحت غطاء هذه العبارة) ليس أهم من قضايا أكبر، تستحق العناء من قبل الجسم الطلابي.

    وهذا الموضوع يجرنا لجدل عقيم جدا، إذ مازلتُ أتذكر حوارا ساخرا مع طالبة ترتدي التنانير القصيرة “الزاهية الألوان”، وتتساءل: ماداموا (والكلام لكِ يا جارة!) يتحركون لحظر إرتداء التنانير القصيرة لأنها “رمز للإثارة” كما يقولون.. فلماذا لا يحظرون إطالة اللحى “المثيرة”؟!

    .. ولكن لا أدري أيّ نوع من “الإثارة” تقصد!!

  5. —-
    وتتساءل: ماداموا (والكلام لكِ يا جارة!) يتحركون لحظر إرتداء التنانير القصيرة لأنها “رمز للإثارة” كما يقولون.. فلماذا لا يحظرون إطالة اللحى “المثيرة”؟!

    .. ولكن لا أدري أيّ نوع من “الإثارة” تقصد!!
    —-

    هههههههههههه 🙂

    خبرني أي أكثر إثارة.. لحيتي الحين ولا قبل ؟؟
    اذا قبل.. نرجع مثل قبل
    خخخخخ 🙂

    شكراً اخوي راشد على المتابعة والتعليق 🙂

  6. انتهى المعركة بلائحة غير واضحة العقوبات
    مثل المثل الذي يقول:

    “كنك يا أبو زيد ما غزيت!”

اترك رد