التأمين الصحي.. من قال أنه ضرورة ملحة ؟!

عندما تنشر جريدة ‘الوطن’ ندوةً خاصة عن التأمين الصحي، وتصدّره برأي (التأمين الصحي ضرورة ملحة) هل أنا بحاجة لتفسير دلالة ذلك ؟
لا أعلم شيئاً عن حاجتنا لضرورة وضع تشريع يلزم الشركات أن تتكفل بالتأمين على عمالها الأجانب، ولكني مدرك تماماً خطورة هذه المصيبة إذا ما شملت المواطنين، وتخلت الدولة عن توفير الرعاية الصحية لهم، ليقعوا ضحايا لشركات التأمين. الأمر الذي تصفه ‘الوطن’، أو وُصِفَ في ندوتها بالضرورة الملحة.. نقطة تطوير شاملة.. ميزة للمواطن.. !
عَرَّفَ الأستاذ جمال فخرو، وهو أحد المشاركين في الندوة، التأمين الصحي بقوله: "فهو يعني أن المواطن أو الشخص المنتفع لديه حرية اختيار الجهة التي ستوفر له الخدمات الصحية" !!
لست خبيراً لأُخطئ تعريف الأستاذ فخرو، ولكن في نفس الوقت أظن بأن أحداً لن يخطأ في تعريف التأمين الصحي من الناحية العملية إذا ما قال: هي عملية نقل قرار العلاج والمباشرة في تنفيذه من الطبيب الحريص على توفير الصحة لمراجعه، إلى المدير التنفيذي في شركة التأمين الحريص كل الحرص على إرضاء مجلس إدارة شركته بالاستمرار في مضاعفة الأرباح !
أخواني أخواتي، أرجو قراءة التعريف مرة أخرى لندرك خطورة ما نتحدث عنه هنا.
إذا كانت الحكومة تدرس تغيير النظام الصحي، فإننا نناشد ممثلونا في مجلس النواب لقبر هذه الفكرة في مهدها. عندما نرفض هذا التغيير، لا نطلب من المتنفذين أن يتكفلوا بتحمل أعباء ومصاريف نظامنا الحالي، فالمال المخصص له هو مال عام، وسنتبرع بكمال الرفاهية المنتظرة، وسنقول لا نريد زيادة في الرواتب أكثر من أخواننا في الدول الشقيقة، ولكننا في الوقت نفسه لا نريد تغيير نظامنا الصحي! لا شيء يعدل الصحة والعافية مهما ضاق العيش بالمواطن. هل يوافقني أحد هنا ؟!
في لقاءٍ جمعنا مع عدد من الشباب السياسيين في الولايات المتحدة، نصفهم جمهوريين، والنصف الآخر ديمقراطيين، كان ردي ساخراً على تبجح أحدهم حول حديثه عن الديمقراطية في الولايات المتحدة: "صحيح أن نظامكم أكثر ديمقراطية من نظامنا –غير آسف طبعاً فإني كافر بالديمقراطية أساساً- ولكننا حينما نذهب للمستشفى لا يسألنا موظف الاستقبال عن بطاقة التأمين، ولا يموت لدينا أحد لأنه غير قادر على الحصول على العلاج أو الدواء المناسب". كنت أقول ذلك وأشياء أخرى، والفخر يملأني، فالحمد لله، وأما بنعمة ربك فحدِّث.
يبدو أن الخاسر الأكبر بلا شك في تطبيق نظام، عفواً مصيبة التأمين الصحي، هن الحسناوات وغير الحسناوات، لابسات المعطف الأبيض الهادئ، حيث سيفقدن لقبهن المشهور "ملائكة الرحمة" وسيكون من نصيب موظفو الخطوط الأمامية في شركات التأمين، حيث الموافقة المبدئية على العلاج في المستقبل، وعلى صرف الدواء أيضاً !
كنت قد دعوت في مقال سابق، وها أنا أكرر دعوتي لمشاهدة فيلم SICKO للمبدع مايكل موور، الذي يتحدث عن مساوئ النظام الصحي في الولايات المتحدة، أوجه دعوة خاصة للنواب والمخلصين من أبناء هذا الوطن لمشاهدة الفيلم، ليدركوا آثار النظام الصحي الموعود، الذي غدا "ضرورة ملحة" !

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

5 تعليقات على “التأمين الصحي.. من قال أنه ضرورة ملحة ؟!”

  1. اخي الكريم هذا وادي جارف – إعصار مدمر
    و الكل لا بد ان يسبح معه و إلا غرق في البحيره
    و اللبيب بالإشارة يفهم

  2. شكرا فارس النبيل على مداخلتك..
    وقد أختلف معك قليلاً..
    كل معضلة نواجهها قلنا أنها موجة عارمة ولا بد من السباحة معها ؟!!

    من قال ذلك؟!
    من رسّخَ هذه العقيدة في أذهاننا ؟!

    لا أجد القضية إعصاراً جارفاً..
    وللسلطة التشريعية بما تملك من قواعد شعبية قوة في التصدي لتغيير النظام الصحي..
    نأمل ذلك..

  3. أخي العزيز الحربان

    ربما يرى البعض من المسئولين وجود هذه الحاجة -الملحّة-

    بينما نحن ممن تنطلي عليهم هذه القرارات الطائشة نراها حاجات -ملحة- بل جلحة و ليست حاجة من الأساس أصلا…

    دمت في حفظ الرحمن

    @ بو الأحمد @

  4. اخي احمد

    انني اتفق معك في كل كلمة قلتها

    للأسف هناك من يغرد ليس طلبا للطعام وانما طلبا لهذا النظام

    وللأسف ايضا ان منهم من هم يعملون في الوسط الصحي

    والمفروض او المعروف ان الوسط الصحي يجب ان يكون انسانيا لا ماديا

    ولكن زمن الماده قد طغى وقد بلغ السيل الزبا

    لم يقى الا ان نؤمن على احلامنا

    حفظك الرحمن اخي وسدد للحق خطاك

    اخوك

    طارق

اترك رد