أول اجتماع
أما عن علاقتي به قبل ترشيح نفسي فلم تكن هناك علاقة لأتكلم عنها سوى تلك الفعالية التي ذكرتها ( حملة التبرعات للعراق )، إضافة أني عملت كما عمل أصحابي في دعم من نعرفه من المترشحين، ودُعيت للاجتماعات التحضيرية لفرق عملهم. وكان لي شرف حضور أول اجتماع تنسيقي لقائمة غير معلنة تضم أسماء الذين عزموا خوض التجربة الأولى وترشيح أنفسهم.
لم أكن ممثلاً لأي جمعية سياسية أو إسلامية أو خيرية، وكنت رقماً هامشياً في المعادلة الطلابية، ليست لدي أدنى دراية فضلاً عن خبرة في العمل الطلابي، ولم أنوِ بعد، وبعبارة أدق لم يخطر ببالي خوض تجربة المشاركة في هذه الانتخابات، وعلى الرغم من ذلك كانت الأرقام الصعبة تولي هذا الرقم الهامشي الصغير مزيداً من الاهتمام لما يملك من تأثير على عدد لا بأس به من الأرقام الهامشية الأخرى في معظم كليات الجامعة، ربما هذا ما يسمونه بالمفتاح الانتخابي، فكان لا بد من العناية به وإقناعه بالأسماء المترشحة ليوجه لها كل ما يمكنه توجيهه من أصوات.
لم أجد تفسيراً آخر لهذا الاهتمام، فهناك عدد لا يستهان به من الطلبة لم أراهم في اجتماعنا ذاك ولا في غيره من الاجتماعات، ثم أن حضوري لم يكن حضور من يشارك في صنع القرار المؤثر على تشكيلة القائمة، ولا حتى صاحب رأي في الأسماء المطروحة، فالأسماء المعتمدة تكون جاهزة سواءً أعجبتني – لاحقا – أم لا، ولم ألق لهذا الموضوع أي اهتمام حينها.
كان الاجتماع في مجلس كبير بمدينة الرفاع، ضم عدداً لا بأس به من الشباب، اجتمعنا في نقطة تجمع لنتوجه بعدها جميعاً إلى المجلس، وهناك، في نقطة التجمع، أخذني أحد الأخوة على جنب وقال لي: ( أحمد أرجو أن لا تتكلم عن الدين أو الدعوة، نحن نود أن نسيطر أولاً على الجمعيات الطلابية والمجلس، ومن ثم سننظم برامجنا وفعالياتنا الدعوية بإذن الله ). قلت بكل عفوية: ( إن شاء الله ). كان هذا الأخ أول من أعطاني – مشكوراً – درساً مختصراً أوجزه في كلمات لا تتعدى السطر أو السطرين عن منهج ينتهجه حزب إسلامي كبير لا أعلم عن سياساته وأسلوب عمله في ذلك الوقت الشيء الكثير! وهذه ثمرة من ثمار العمل الطلابي أنك تتعرف على منهج الجماعات والأحزاب عملياً، ومن خلال الأمثلة الحية التي تعيشها، بعيداً عن الكتب التي لا تخلو من غلو مدح الموالين، وجفاء انتقاد المعارضين.
أتحفظ على وصف أي حزب ما بإسلامي، لما أجده من تناقض واضح بين مبادئ الإسلام العظيمة الكاملة لكمال مشرّعها وحكمته، ومبادئ الحزبية الناقصة نقص العقل البشري عن الكمال والتمام، وماذا فرّق المسلمين في زمان أحوج ما يكونون فيه للوحدة غير آفة الحزبية والتحزب، لكني تعمدت أن أَعدِل عن استخدام كلمة ( الجماعة ) لأني رأيت هذه الجماعة حزباً في أسلوب عملها بكل ما تحمله كلمة الحزب من معنى! وأرجو أن لا يؤاخذني أحد، فلست الوحيد من يقول بذلك، بل هناك من أعضاء هذه الجماعة من يصرح اليوم بالحزبية في الصحافة المحلية، بعد أن كانت الحزبية أمراً منبوذاً، أمام العامة على الأقل!
في أيام مضت، كنت أخشى أن تكون الحزبية منتشرة في كل الجماعات، وكنت أخشى أن نعتقد جميعاً بأنها من ضرورات الواقع والمرحلة، وما تفرضه الممارسة في الميدان السياسي، وللأسف اكتشفت أن ما كنت أخشاه واقع نعيشه!
"عندما نفكر في اختيار المرشح الذي سندعمه، يجب أن نراعي كل المعطيات، منها المظهر الخارجي، فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نرشح شخصاً ملتحياً في كلية إدارة الأعمال". هذه العبارة قيلت في الاجتماع وكأنها موجهة لي، فلم يكن أحد مطلق لحيته ويدرس بكلية إدارة الأعمال في ذاك الاجتماع غيري. ورغم أني أجهل قائلها إلا أنني لم أنساها قط. احتفظت بوجهة نظري حول مداخلته التي بطبيعة الحال لم تعجبني، ولم أرغب في فتح باب جدال عقيم، فتغيير القناعات ووجهات النظر لا تكون في مجلس كمجلسنا تلك الليلة. وسبب تخصيص كلية إدارة الأعمال من سائر الكليات بهذه الملاحظة، هو أن طلبة كلية إدارة الأعمال في جامعتنا، وفي معظم الجامعات العربية حسب علمي، الأكثر تحرراً، والظن الغالب يقضي بأن المترشح صاحب المظهر الإسلامي ( المتشدد ) لن يحصل من الأصوات ما يؤهله للفوز.
هناك قناعة أحملها اليوم تذكرني بهذه المداخلة، تقول هذه القناعة: لا أحد يقدم البديل غير الإسلامي الواضح ارتباطه بتعاليم الإسلام وأصوله للناس كما يقدمه بعض الإسلاميون أنفسهم. خوفاً من نفور الناس، وحرصاً على القاعدة الشعبية المتعددة الألوان والمشارب! لذلك نجد حتى المسائل الدينية الأصولية ليست محل نقاش في طرحهم! وفي الواقع، عامة الناس يحبون المتدينين، حتى أولئك أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة، إن لم يكونوا الأقرب إلى قلوبهم! ولديهم رغبة جامحة في معرفة أصول دينهم. لكن الأمر ليس كذلك في الصراع السياسي، فالمناصب القيادية في الدولة لا تحبهم!
انتهى الاجتماع، وعملنا يداً واحدةً لإيصال أعضاء قائمتنا، وعندما أقول قائمة هنا، لا أعني وجود قائمة متفقة تماماً على الأهداف، وعلى صيغة معينة لبرنامج عمل، إنما أقصد مجموعة من الشباب شكلوا تكتلاً في ذلك الوقت، ظل هذا التكتل متماسكاً حتى انتخابات المجلس في دورته الخامسة. هكذا أراد من أراد أن يقنع الناس بذلك، ولكن حقيقة الأمر أن هذا التكتل لم يدم طويلاً، بل غاب، وعاد مرة أخرى في انتخابات المجلس الرابع.
فاز أصدقاؤنا، وترأس المجلس الأول الأخ سلمان علي، الذي رتب لنا طلعة شواء بهذه المناسبة على ساحل البديع. كانت ليلة رائعة، تبادلت فيها أطراف الحديث مع عدد من الشباب، وتوثقت علاقتي بهم من تلك الليلة.
أخي العزيز احمد الحربان..الحزبية لا ولن تنفعنا يومًا، هذا الداء أو هذا النفس البغيض هو أكبر مسبب للفرفة لا للَم الشملززحفظنا الله وإياكم منه..وننتظر جديدك المتجدد..
أحمد..
أعود لأقول.. وفقك الله..
وشكراً على المذكرات..
جزيت الجنة أخي الكريم..
لا يخفى على أحد أن الحزبية أصبحت الداء الذي يفتك المجتمع و يقطع أوصاله..
متناسين – هداهم الله – أن من أسس و منهجية التعايش مع الفرق و المذاهب المختلفة (التفرقة بين أصول الدين و المذهب) !!!
و قناعتك التي أشرت إليها.. هي عينها التي أؤمن بها و أنتهجها..
“وفي الواقع، عامة الناس يحبون المتدينين، حتى أولئك أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة، إن لم يكونوا الأقرب إلى قلوبهم! ولديهم رغبة جامحة في معرفة أصول دينهم. لكن الأمر ليس كذلك في الصراع السياسي، فالمناصب القيادية في الدولة لا تحبهم!”
و مثلما تفضلتم.. المناصب القيادية باتت تنفر من المتمسكين بدينهم ذكر أو أنثى على حدٍ سواء .. و تقصيهم عن المهام وتعمد عدم خوضهم و اشراكهم في دقائق الأمور تحسباً من الشكل الخارجي.. و كأنما الإلتزام باللباس الشرعي يعد خطرًا محدقـاً أو قنبلة موقوتة!!!
نسأل الله لنا و لكم التيسير و الثبات إلى يوم الدين و على الصراط المستقيم…
أختك في الله..
همــــــس الــروح…
(كان هذا الأخ أول من أعطاني – مشكوراً – درساً مختصراً أوجزه في كلمات لا تتعدى السطر أو السطرين عن منهج ينتهجه حزب إسلامي كبير لا أعلم عن سياساته وأسلوب عمله في ذلك الوقت الشيء الكثير! وهذه ثمرة من ثمار العمل الطلابي أنك تتعرف على منهج الجماعات والأحزاب عملياً، ومن خلال الأمثلة الحية التي تعيشها، بعيداً عن الكتب التي لا تخلو من غلو مدح الموالين، وجفاء انتقاد المعارضين)
هذه النقطة
والحوار الذي سبق
ودعني أبالغ وأقول التدوينة كلها
تحتاج لتحليل عميق لأنها تعطي دلالات كثيرة
شكرا لك،،