النصيحة وضيق الأفق!

إن الذي يحصر دعوته ونصحه وبشاشة وجهه –الغير مصطنعة- لأفراد جماعته دون الآخرين إنما يضيق دائرة الأخوة في وقت نحن أشد ما نكون حاجة ً لتوسيع هذه الدائرة.

قال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قالها ثلاثا، فقال الصحابة رضوان الله عليهم: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). قال (وعامتهم).

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايعهم على شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والنصح لكل مسلم). قال (لكل مسلم) ولم يحصر النصح لأفراد من المسلمين دون غيرهم.

هذه الآداب الإسلامية العظيمة، ينبغي أن نراعيها جميعا -قلت الآداب وليس الأدب لأن النصيحة تشمل عدة آداب- وأن نبتعد عن حصرها في إطار تنظيمي أو مؤسساتي ما، فإسلامنا جاء بمكارم أخلاق ومحاسن آداب لا يمكننا بحال حصر العمل بها مع أعضاء جمعية أو مؤسسة دون غيرهم!

ما لنا لا نسمع أو نقرأ النصيحة بيننا بقدر ما نسمع الألسن تلوك في عرض بعضنا البعض؟ لماذا لا يملك كثير منا شجاعة الرجال ويقدم نصيحة لوجه الله لمن يختلف معه؟ ألشائبة في نية إرادة الخير؟ أم إفلاسنا من الدليل الذي يبين خطأ الغير؟ أم إصرارنا على حبس الآداب الإسلامية الراقية في إطار ضيق يشمل –فقط دون غيره- من يوافقنا في الرأي، أو من يشاركنا في مشروع ما، وأحيانا من هو أقرب منا سكنى!!

إذا لم تكن الحزبية هي النصيحة لأناس دون آخرين فلا أجد للحزبية تفسير في قاموسي المتواضع. نضرب مثالا لندرك وقوع البعض في الحزبية المقيتة، بدون قصد أو بقصد، فحينما يخطأ شخص ما ينتمي لجماعة "أ"، تجد أن كثيرا من أفراد هذه الجماعة يحسنون الظن بالشخص، ويلتمسون له الأعذار، وينصحونه سرا لإصلاح الخطأ، وهذا ما يجب فعلا أن يقوموا به، ومن المهم أن نقول، هذا ما يجب فعلا أن يقوموا به معه ومع كل المسلمين، ولكن حينما يخطأ شخص آخر، محسوب على الجماعة "ب"، فتجد الألسن لا تتورع في أكل لحمه، فلا إحسان ظن، ولا عذر يُلتمس، فضلا عن نصيحةٍ تـُُسدى!

ولا يظن القارئ الحريص على الدعوة إلى دين الله وتعرية الباطل، والذي أحيانا يجبر الدعاة لكشف أخطاء وضلالات أناس بأعينهم،  لا يظن بأنها دعوة لتمييع منهج، أو زعزعة ثابت، أبدا، بل هي دعوة للرسوخ في الثوابت، والرجوع للمنهج السليم، ولا أقول وفي نفس الوقت، بل أقول وقبل ذلك  كله، هي دعوة لأن تشمل نصائحنا عامة المسلمين، ودعوة للتمسك بمكارم الأخلاق مع جميع المسلمين (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وشتان بين تعرية الباطل وأهله، والحزبية المفرقة لصف المسلمين.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " (وعامتهم) أي عوام المسلمين، والنصح لعامة المسلمين بأن تبدي لهم المحبة، وبشاشة الوجه، وإلقاء السلام، والنصيحة، والمساعدة، وغير ذلك مما هو جالب للمصالح دافع للمفاسد". وهذا ما عنيناه بالنصيحة في مقالنا هذا، النصيحة بمعناها العام، من بشاشة وجه، وإبداء المحبة، وغيرها، وهذا ما نسأل الله أن يكف البعض عن حصره في أفراد جماعة لا يتعدى عددهم المئات!

ولا أعني بالبعض كل أعضاء أو أفراد جمعية أو جماعة ما، ولكني أعني بعض الأعضاء والأفراد في كل جمعية وجماعة.

نُشرت بواسطة

alharban

Bahraini guy, working at Al Jazeera Media Netowrkin Doha. Triathlete, 2 IM in pocket. Founder of @weallread.

13 تعليقا على “النصيحة وضيق الأفق!”

  1. السلام عليكم

    بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على إمام الدعاة المهتدين و سيد الأولين و الآخرين و على آله و صحبه و سلم أجمعين

    أما بعد .. أخي في الله

    كتبت فأحسنت .. و نصحت فأجملت ..

    وقد فتح الله عليك بكتابة هذا المقال .. فكم نحتاج في أيامنا هذه من يقدم لنا النصيحة لوجه الله .. و كم أعتب على أولئك الأخوة الذين انغلقوا على أنفسهم و تقوقعوا في ظل عهد الانفتاح الشديد الذي تشهده الأمة .. و كل ما سواهم فهم على خطأ و في ضلال و هذا مبتدع و هذا ضال و هذا كافر … نعم سمعتها بأذني من أحد الأخوة هداه الله يصف أحد رجال الشرطة بالكفر و أنه من أعوان الطاغوت وحتى لم يسلم عليه .. فهل هذا من خلق الاسلام في شيء ؟ !!!

    و كما يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه : رحم الله امرء أهدى إلي عيوبي …

    و المسلم مرآة أخيه ..

    نسأل الله الثبات على الطريق فإنه مظلم و موحش و لا ينير لنا ذلك إلا دعوات صادقة من أخوة أعزاء لا نراهم و لكنهم في قلوبنا دوما …

    هذا و الله أعلم فإن أحسنت فمن الله .. و إن أسأت فمن نفسي المقصرة و الشيطان
    و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    أدام الله عليك الثبات و نفع بك الاسلام و المسلمين

  2. بارك الله فيك
    وجعل ما قدمت لنا بميزان حسناتك أخي الكريم
    تقديري لمدونتك ولمقالتك الرائعة والهادفة

  3. تذكرت هنا عندما قال سعيد الزياني وهو داعية كان مغني ، يقول عندما كان يظهر في الاذاعة والتلفاز يقول المتديونون هاهو المجرم ولم يكلفوا نفسهم عناء نصحه وتعريفه بالطريق،
    موضوع مهم يستحق منا الوقفة عنده

  4. جزك الله خيرا اخي أحمد على هذا المقال

    للأسف
    الآن البعض إذا أراد أن ينصح، فالحقيقة هو لا ينصح بل يفضح

    النصيحة تكون بين الناصح والمنصوح بشكل منفرد

    وللأسف كما ذكرت أخي أحمد في فقرة الحزبية
    إذا وقع الخطأ من جماعة فتجد من ينتمي لهذه الجماعة يلتمس العذر للمخطأ ويبرر خطأه ولو كان يعتقد انه خطأ

    وفي نفس الوقت هو ينتظر ويترصد بكل لهفة أن يقع الخطأ من الجماعة الأخرى حتى يستطيع أن يفضح هذا الشخص ويشنع عليه

    للأسف أقولها

    إن بعض المنتمين للجمعيات الإسلامية في البحرين
    عندما يقومون بعل خيري أو دعوي لا يكون خالصا لوجه الله
    بل إن هدفهم أو جزء من هدفهم هو رفع اسم جمعياتهم للأسف

    فالعمل اختلط به الرياء

    يعني مثلا لو قلت لهم
    هل تقومون بهذا العمل بدون رفع شعار جمعياتكم
    سيقولون لا

    وحتى لو وافقوا لن يتقنوا العمل مثل لو كان العمل باسم جمعياتهم

    أنا أقصد البعض ولم أعمم

    أسئل الله أن يصلح أحوالنا

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  5. فعلا أخي هدا الموضوع مهم جدا …فإدا اقتنع اللانسان المسلم بشمولية الاسلام في مبادئه ومعاملاته واخلاقه السامية التي يدعو الفرد الى التمسك بها تجاه الأخرين سواء كان هؤلاء مسلمون ام غيرهم لم يعد تمة حاجة لوجود هده التجمعات الا بقدر الحاجة الى تسهيل تطبيق هده المبادئ والتعاون على الخير لخدمة الاسلام لا غير .
    أما ادا تحول الامر بالفرد الى التحزب المقيت وغض الطرف عن النقائص في الدات مقابل تضخيم اخطاء الىخر فهدا سيحيد بالتأكيد عن الهدف الاسمى التي من اجلها تم اعتماد العمل الجماعي . لدا فلابد ان تكون تربية الفرد داخل الجماعة قائمة على العمل لله وحده وربطه بالله اولا وآخرا فماكان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل ومحاولة غرس ادب الاختلاف وحسن ادارة وايثار المصلحة العليا على الدنيا وهكدا…حتى يستوعب الفرد مفهوم الاسلام الصحيح وان كل هده الجماعات ماهي الا وسائل لغاية اقامة الدين في الارض بمبادئه السامية..

  6. في البداية أود أن أشكرك على مقالك الرائع

    ثم إني أود أن أقول: المشكلة يا أخي العزيز أننا في زمن قل فيه الناصحون، فلا تجد من يذكرك بالله، ولا من يعينك على طاعته، ولا من يأخذ بيديك إذا زللت.

    المشكلة أخي العزيز أننا اهتممنا بأنواع من الفقه ولكننا لم نهتم بفقه النصيحة.

    والله إننا نحتاج لدورات مكثفة حتى نتقن النصيحة الصحيحة وفقاً للمنهج النبوي .

    وحياكم الله

  7. الأخ الفاضل أحمد الحربان
    لنفس الأسباب التي وردت في إدراجك فقد قررت مقاطعة مكتوب ولكن رسالتك على بريدي الإليكتروني أجبرتني أن أرجع لأرد عليك تحيتك بمثلها وأكثر الله من أمثالك لندعو جميعاً إلى الله على بصيرة … لك خالص شكري وتقديري وجزاك الله خيراً

  8. كلمات جميله اخوي احمد

    ويزاك الله خير

    والكثير من النااصحين يتخذون الاجبار كوسيله للنصح

    ولكن هذا ما لم يدعو الي الرسول

    اتمنى لك كل التوفيق اخي الكريم

  9. وأنا أقرأ كلامك أخي أحمد, عدت الى الوراء ورأيت الأخطاء الكبيرة والعصبية الجاهلية التي يقع بها منتسبي الأحزاب والجماعات والتنظيمات في بلادنا… أخي أحمد هذا الواقع الصعب الذي نعيشه ما هو الا نتيجة الطبقة الفاسدة التي تسمي نفسها مثقفة…

  10. اخي الكريم…

    اشكرك على هالمقالة الطيبة..وللاسف الحين اذا بغينا ننصح ولا شي.. يردون علينا برد غير لائق…مثلا يقولون لنا ((انتوا مالكم شغل)),,,,, فصرنا نتجنب حتى النصح لبعض الناس..بس بداخل قلوبنا ندعي لهم ..و بعض الناس ماعليهم إلا من نفسهم ..لا ينصح ولا يفكر باخيه المسلم…….

    ولا ننسى البعض الآخر من الناس ننصحهم بكلمة وبعد فترة نشوف التغير الايجابي لهم ……. وبهالكلمة الطيبة نكون كسبنا اجر عند رب العالمين
    والله يقدرنا على فعل الخير……

    مشكور مرة ثانية…. وهذا ماتعودناه منك.. المقالات الهادفة الخيّرة…

  11. وسع الرحمن دائرة نصحنا فيما يرضاه..

    وزاد قاموسك المتواضع.. تواضعاً وإيماناً وحكمةً ويقينا..

    وهدانا دائماً لما يحبه لنا ويرضاه..

  12. وسع الرحمن دائرة نصحنا فيما يرضاه..

    وزاد قاموسك المتواضع.. تواضعاً وإيماناً وحكمةً ويقين ومن الريبة جلاه..

    وهدانا دائماً لما يحبه لنا ويرضاه..

    .. وحلى أقلامنا بمكارم أخلاقه وهداه

اترك رد